بقلم آية الشابي

فيما يقيم العالم هذا الشهر ذكرى يوم اللاجئ العالمي، تكرم تونس في الأشهر الأخير الفلسطينين وخاصة القادمين من سوريا بحجزهم أو ترحيلهم.
آخر هذه الخروقات الجسيمة يتمثل في قصة ثلاثين لاجىء فلسطيني قدموا من سوريا متوجهين إلى ليبيا عبر مطار قرطاج الدولي منتصف شهر أيار الماضي، إلا أن الاشتباكات الأخيرة في ليبيا عموماً وبنغازي خصوصاً جعلتهم حبيسي مطار قرطاج لخمسة ليال طوال، إذ لا يحق للفلسطيني القادم من سوريا دخول تونس دون تأشيرة !!! ليفرج عنهم بعد ضغط إعلامي كبير من هيئات وأفراد المجتمع المدني التونسي، إذ منحتهم الحكومة التونسية تأشيرة لمدة شهر انتهت في 21 حزيران الجاري، فيما حجزت السفارة الفلسطينية أوراقهم وأودعتهم وزارة السياحة التونسية في مدرسة داخلية “مركز كركوان السياحي في الحمامات” منذ شهر.
لمعرفة مستجدات هذه القضية على وجه التحديد، هنا روابط بيانات الرابطة الفلسطينية لحقوق الانسان/سوريا، وهي منظمة حقوقية سورية مسجلة في السويد تتابع عن كثب قضية العالقين الثلاثين،

رابط للبيان الأول: تونس: ترحيل اللاجئين الفلسطينين القادمين من سوريا

رابط للبيان الثاني: تونس توافق على ادخال 30 فلسطيني سوري عالقين في مطارها والسفير الفلسطيني يرفض مطالباً بترحيلهم

إلا أن إعلان دخول اللاجئين الثلاثين إلى تونس ومنحهم التأشيرة التي انتهت منذ أيام لم يؤدي إلى انتهاء معانتهم، بل على العكس، فإن الحالة الضبابية لما سيحمله لهم المستقبل أشد وطأة عليهم من الشهر المنصرم، مطالبهم واضحة في البيان الأخير للرابطة الفلسطينية والمعنون:
تونس: بعد حل أزمة مطار قرطاج، الغموض يكتنف مصير ثلاثين فلسطيني من سوريا
إن ما أنوي فعله في معرض هذا النص هو أن أحمل الأطراف المعنية جميعها المسؤوليات الواقعة على عاتقها، إذ أن ما يجري في سوريا اليوم من موت ودمار يومي ينبغي أن يدفعنا لأن نقلل خسائر هؤلاء الذين أصبحوا خارج حدود البلاد.

بداية إلى الحكومة العزيزة،

في ظل قطعكم للعلاقات الدبلوماسية مع سوريا وطرد سفير بشار الأسد من تونس وسحب الاعتراف بنظامه، اعتقدتم أنكم قمتم بالواجب وأنكم اتهذتم خطوات شجاعة وجريئة في المنطقة ولكن ما الذي تلى هذه الاجراءات وما الهدف الذي صبوتم إليه؟ فإذا كنا نريد دعم الثورة السورية والاعتراف بحق الشعب السوري بتقرير مصيره، فقد كان من الأجد بنا أن نرحب بهذا الشعب الذي أتى لاجىء إلى تونس، خاصة فلسطينيته. أما أنها مجرد تصريحات رمزية من حكومة تونس “مهد الثورات”.
إذا كانت حكومتنا تعتقد أن اتخاذ الاجراءات الدبلوماسية آنفة الذكر قد دعمت الشعب السوري وحفظت كرامته، ينبغى أن تعلم ايضاً أن حفظ كرامة السوري والفلسطيني السوري تكون أيضاً بحمايتهم قانونياً على أراضيها، خاصة بحسب ما ينص عليه الدستور الجديد الذي يقر بحق اللجوء في الفصل خمسة وعشرين منه، وذلك وفقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس.
ولكن قبل النصوص القانونية يأتي التزام أخلاقي قامت به تونس لدعم الشعب السوري وعلى أساسه تتحمل الحكومة أيضاً مسؤولية حماية اللاجئين القادمين من سوريا إلى أراضيها سواء كانوا سوريين، فلسطينين من سوريا أو من أي بلد آخر.

إلى السفارة الفلسطينية في تونس،

سعادة السفير الفلسطيني في تونس،

أكتب إليكم اليوم وأنا أشعر بحاجة ملحة لأفهم الدور الذي لعبتموه في الآونة الأخيرة للمساهمة في حل ما يتعرض له اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى أو عبر تونس.

سعادة السفير، لقد تعبنا من الوقفات الاحتجاجية التي لا تغير في مجريات الأحداث المصيرية مما يدفعني لتساؤل عن دور السفارة الفلسطينية اتجاه فلسطيني سوريا في تونس والتي تبدو وكأنها قد استقالت من مسؤولياتها التاريخية.

أليس من المخزي يا سيادة السفير أن تستقبل وزارة السياحة التونسية ضيوفك بدلاً من سفارة بلادهم في تونس؟ وأليس من المخزي أيضاً أن تخبر المحتجزين الثلاثين في مطار قرطاج أن حل قضيتهم يكمن في ترحيلهم إلى لبنان؟ بكل ما يعنيه هذا الترحيل من مخاطر أمنية وإعادة قسرية محتملة إلى سوريا؟ ثم يدخل المحتجزون البلاد بعد يومين، أي تخل عن المسؤوليات هذا؟
من الجدير بالذكر أيضاً حادثة سابقة في معرض العام الجاري تم على إثرها ترحيل 13 لاجىء فلسطيني من سوريا باتجاه الجزائر بعد عدم مساعدة سفارتكم لهم.
إلا أن الأكثر فداحة، معالي السفير، هو أنكم لم تزورا ضيوفكم العالقين في الحمامات وقد مضى شهر على تخبطهم في المجهول.

أرجو أن تلقى هذا الرسالة بالاً من قبلكم

إلى مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين في تونس،
أكتب إليكم اليوم إثر استغرابي لعدم استجابتكم لمأساة فلسطينيي سوريا القادمين إلى والعالقين في تونس، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين أمضوا خمس ليال في مطار قرطاج الدولي منتصف الشهر الماضي قبل أن تمنحهم السلطات التونسية تأشيرة دخول لمدة شهر واحد.

لطالما كان الشعب التونسي سباقاً في التضامن مع اللاجئين من أينما أتوا. إذ لازلت أذكر بوضوح دعم التونسيون للاجئين الليبين إثر اندلاع الحرب الليبية، عندما فتحوا منازلهم لإخوانهم الفارين من ليبيا وتحرك المجتمع المدني التونسي، ذلك قبل أن يتحرك الجيش التونسي للمساعدة وقبل أن تتدخل المفوضية العليا لتقديم الخدمات المنوطة بها، هذه المعلومة التي خبرتها بأم عيني في مخيمات رأس جدير وشوشة أثناء ايصالي للمعونات.

إن عدم متابعتنا كمجتمع مدني تونسي لأداء المفوضية في متابعة عدة قضايا سابقة أدى إلى ما حصل اليوم من عدم استجابة من قبلكم لمعانة فلسطينيي سوريا في تونس، إذ أنكم لم تتكلفوا عناء زيارتهم في مكان اقامتهم في منطقة الحمامات السياحية حيث لا يملكون أية أوراق ثبوتية ليتمكنوا من التحرك بحرية، هذا كان أقل ما يمكن للمفوضية فعله، أو على الأقل توجيه النصح والمعونة بمخاطبة السلطات المسؤولة في حال عدم قدرتكم على العون المباشر.

إلى منظمات المجتمع المدني التونسي،

لقد استطعنا القيام بالكثير سابقاً ولكن اليوم دورنا أكبر وأكثر الحاحاً وعليه ينبغي على منظمات المجتمع المدني التونسي أن تسارع لدعم العالقين الثلاثين في منطقة الحمامات خاصة بعد توارد أخبار من مصادر ضمن المجموعة عن توقف تزويدهم بالطعام من قبل وزارة السياحة وعدم وضوح الجهة المسؤولة عن اطعامهم في الوقت الراهن.

إلا أن الضغوطات يجب ألا تكون آنية ومطلبية فقط، حيث من واجبنا أن نحث الحكومة على انهاء هذه المعانة المستمر منذ قرابة شهر لمجموعة بينها ثلاثة أطفال وسيدة مسنة والكثير من القصص الحزينة، الضغط يجب أن يكون باتجاه ايجاد حل مستدام للعالقين ولمن سيأتي لاحقاً في ظل اشتداد وتيرة العنف في سوريا.

إلى الإعلام التونسي:

مازال إعلامنا يختار المواضيع التي يشاء أن يغطيها دون غيرها، إعلام في أعظميته يحب “البلبلة” فقط، أما في القضايا المصيرية فلا إعلام ليغطي؟
لقد مضت مع الأسف تلك الفترة التي ظننت أننا تحررنا خلالها من ديكتاتورية رؤوساء التحرير، “باعث القناة”، والإعلام الموجه… لصالح الصحفيين المستقليين والصحافة الاحترافية والاستقصائية وما إلى ذلك، إلا أن العودة إلى المدونة تبدو ضرورة لا غنى عنها لنكتب ما لا تكتبه الصحافة.

إن تجاهل القضايا التي ينبغي أن تعالجها السلطة الرابعة لا يثمر في حل على حد تعبير الصحفي طارق الغوراني الذي ساهم بفعالية في تسليط الضوء على معاناة الثلاثين فلسطيني سوري الذين كانوا عالقين في مطار قرطاج الدولي منتصف شهر أيار الماضي أثناء عبورهم الأراضي التونسية باتجاه ليبيا.

لم يعلم بهم في البداية أحد، أو بالأحرى لم يرغب أحد في أن يعلم، هل سيتحرك الإعلام نحو العالقين في منطقة الحمامات الآن؟ هنا يكمن السؤال المفصلي
أيها التونسيون: مواطنون، حكومة، إعلاماً ومنظمات حقوقية:

إن مهزلة احتجاز فلسطيني سوريا في تونس يجب أن تنتهي.
مطالبهم معقولة: “إقامة مؤقتة واستعادة لجوازات سفرهم التي تحفظت عليها السفارة الفلسطينية”، يضاف إلى ذلك ضرورة فتح مكتب أو توفير جهة رسمية لتسيير أعمال السوريين والفلسطينين السوريين اللاجئين في تونس، فهذه حالة من عشرات الحالات التي لا نعلم بها.
علينا التحرك الآن.