loi-antiterrorisme-tunisie2

بقلم خولة العشي،

قانون لمكافحة الإرهاب طرح للنقاش صلب لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي سيعوض قانون الإرهاب الذي سنه بن علي سنة 2003.وقد تخلى التأسيسي عن مقترح إدخال مقترحات تعديلات كبرى على قانون الإرهاب السابق باعتباره قانونا ظالما لا يتماشى مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور، إلا أن العمليات الإرهابية المتتالية التي حدثت في تونس أجبرته على الشروع في مناقشة مشروع قانون عدد 09 لسنة 2014 الذي تقدم به علي العريض أثناء توليه منصب رئيس حكومة ويتضمن 136 فصلا.

وفي تصريح لنواة أكدت رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين أن المشروع عدد 09 لسنة 2014 جاء لتعويض مشروع القانون 75 لسنة 2003 الذي يجري به العامل حاليا. حيث سيتميز المشروع الجديد بتحديد المفاهيم بدقة أكبر كما أنه سيسحب الإختصاص في النظر للجرائم الإرهابية من المحاكم العسكرية ويحيلها للمحاكم العدلية. كما سيحدد هذا القانون لكل جريمة عقوبة خاصة عكس القانون القديم الذي يعمم مفهوم الإرهاب.

وبالنظر إلى فصول مشرع هذا القانون فقد تم تضمين بنود تنص على خلق آليات جديدة للتصدي للإرهاب كإرجاع النظر في مطالب التنصت إلى القضاء وإلزام المحامي بكشف السر المهني إذا اقتضى الأمر إضافة إلى إحداث “اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب” التي ستقوم بالتعاون مع جهات داخلية وخارجية بنفس الإختصاص من أجل تركيز الرقابة على منافذ ومعاقل الإرهاب. من جهة أخرى يسعى القائمون على مناقشة هذا القانون إلى ضمان أقصى التدابير من أجل المحافظة على احترام المعاهدات الدولية فيما يتعلق بحقوق الانسان.

لجنة التشريع العام ولجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية تعملان بالتوازي على منح هذا القانون الوقت الكافي للنقاش وقد تمكنت إلى حد هذا التاريخ من مناقشة الفصول الثلاثة الأولى من هذا المشروع وهي تنص على الاتي:

يهدف هذا القانون الى الوقاية من الإرهاب وتمويله وغسل الأموال المتتالية من الجريمة وردع مرتكبيهم كما يدعم المجهود الدولي في هذا المجال وذلك في اطار الإتفاقيات الدولية الإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية. الفصل 1

على السلط العمومية المكلفة بتطبيق هذا القانون احترام الضمانات الدستورية والإتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية في مجال حقوق الانسان وحماية اللاجئين والقانون الدولي الإنساني.
الفصل 2

يتعلق بتعريف بعض المصطلحات مثل تنظيم إرهابي، وجريمة عبر وطنية وطائرة في حالة طيران، وطائرة في الخدمة، والمنصات الثابتة القائمة في الجرف القاري، والأموال، والتجميد، والمواد النووية والمرفق النووي.
الفصل 3

قانون الإرهاب خيار سياسي أم أمني؟

وقامت لجنة التشريع العام لدى مناقشتها لمشروع هذا القانون بتنظيم جملة من جلسات الإستماع لعلّ أهمّها جلسة الإستماع إلى وزير العدل حافظ بن صالح الذي أكد في تصريح إعلامي أن خيار إعادة قانون الإرهاب إلى طاولة النقاش هو “خيار سياسي”. وصرّح وزير العدل أنّ “خطورة الإرهاب على المجتمع والأمن العام يوجب تشديد العقوبات على رعاة الإرهاب والعمل على إحداث استثناءات على مستوى الإجراءات القانونية. فالأساس في مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب يبقى في أن القانون الجنائي العادي لا يتلاءم ولا يسمح بالتصدي للإرهاب بالنجاعة المطلوبة. كما أن هذا القانون الجديد سيراعي الحقوق والحريات على قاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته.”

نقاشات حادة احتدمت صلب اللجان التي تناقش مشروع هذا القانون أبرزت تباين آراء مختلف الكتل النيابية حول كيفية التعاطي مع هذا المشروع لضمان عدم المس بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور ومقاومة الإرهاب في نفس الوقت. بالإضافة إلى تقديم مقترحات تصب في خانة تجنب سلبيات قانون الإرهاب الذي تبنته تونس سنة 2003 والذي عرف تحفظا من طرف ناشطين سياسيين وحقوقيين. وقد ناقش النواب مسألة إمكانية استغلال السلطات لهذا القانون للحد من الحريات وملاحقة الخصوم السياسيين من خلاله مثلما كان الحال في فترة حكم بن علي.

النهضة تقترح قانون “التوبة”

قانون التوبة الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي في أحد تصريحاته طرح خلال نقاشات مشروع قانون مكافحة الإرهاب وقد تبناه عدد من نواب حركة النهضة. وكان الوزير المكلف بالأمن لدى رئيس الحكومة رضا صفر قد أطلق منذ أسابيع مضت فكرة مشروع قانون “التوبة والرحمة” لصالح المقاتلين التونسيين العائدين من سوريا. وحسب ما جاء في تصريح صفر فهذا القانون الخاص يقضي باستثناء بعض الشبان “المغرر بهم”، حسب قوله، من العقوبات المضمنة صلب قانون الإرهاب. وجاء هذا المنطق من منطلق أن بعض الشبان التونسيين اليافعين والذين قامت منظمات إرهابية باستقطابهم نظرا لحالتهم الإجتماعية السيئة هم ضحايا لا يجب استئصالهم بل إصلاحهم وإعادة إدماجهم.

هذا المقترح تبناه النائب عن حركة النهضة نجيب مراد الذي طالب بالتنصيص في قانون مكافحة الإرهاب على ضرورة فتح حوار مع الإرهابيين وفسح المجال أمامهم للتراجع عن سلوكهم الإرهابي الذي أرغمتهم الظروف على انتهاجه، وذلك على غرار ما حصل في عدد من البلدان ومن بينها الجزائر ومصر. وقال مراد أن هذا الحوار يتم عبر وساطة يقوم بها سياسيون بين الحكومة والإرهابيين المتحصنين بالجبال.

هذه الاستثناءات التي تسعى حركة النهضة إلى تضمينها بقانون الإرهاب تدعو للتساؤل حول كيفية التمييز بين من تم “التغرير بهم” ومن كان الإرهاب اختيارهم الشخصي. كما أن هذا السعي إلى إنقاذ “بعض” الإرهابيين من العقوبات الصارمة التي يعد بها قانون الإرهاب الجديد تطرح أكثر من تساؤل أيضا حول إمكانية تورط عناصر منتمية لحركة النهضة في عمليات إرهابية بليبيا وسوريا خصوصا بعد ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن مشاركة أحد أشقاء نائبة حركة النهضة سنية بن تومية في تهريب شبان محاربين إلى سوريا. فهل سيكون قانون مكافحة الإرهاب على مقاس بعض الأحزاب السياسية؟

من جهة أخرى لم يلق هذا القانون ترحيبا من عدد من الناشطين في المجتمع المدني الذين عبروا عن تحفظهم تجاهه خلال تصريحات متلفزة باعتباره لا يقطع مع ممارسات نظام بن علي خصوصا وأن التجاذبات السياسية طغت على أشغال مناقشته منذ الجلسات الأولى. كما عبر الناشطون على أن مقاومة الإرهاب تتطلب إرادة سياسية وتماسكا لدى الجهاز الأمني خصوصا وأن قانون الإرهاب لسنة 2003 مازال جاريا العمل به ولم ينجح في الحد من الضربات الموجعة التي وجهها إرهابيون إلى تونسيين عزل. هذا ما تعرفه مجريات قضايا الإرهاب من غموض وتعتيم على المعلومات وعلى حقيقة منفذيها مثلما حصل في قضيتي اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي واغتيال عدد من الجنود في جبل الشعانبي.