colloque-code-penal-tunisie

الحلقة الأولى:ضرورات التحديث وإكراهات الجمود

متابعة جبريل جالو،

احتضنت العاصمة تونس ندوة علمية دولية يومي 9 و 10ديسمبر الجاري، لتخليد المأوية الأولى للمجلة الجزائية التونيسة وذلك بحضور فقهاء القانون وعمداء حقوقيين وأعضاء الأسرة القضائية و الأساتذة والباحثين والطلاب وضيوف من كل من المغرب والجزائر وفرنسا.

وقال الأستاذ ناصر الواد رئيس الجمعية التونسية للعلوم الجزائية والقانون الجزائي وهي الجهة المنظمة للتظاهرة العلمية بالتعاون مع الجامعة المركزية : إن الرسالة الجوهرية من تخليد مأوية المجلة الجزا ئية هي دعوة صريحة لتحديث هذه المجلة لمواكبة العصر.

وتعرض الأستاذ مصطفى بن جعفر رئيس غرفة بمحكمة التعقيب للمسار التأريخي للمجلة الجزائية في تونس موضحا أبرز المحطات التي عرفتها هذه المجلة منذ فترة الحماية مرورا بالاستقلال ومرحلتي بورقيبة وبن على و كذا الفترة الانتقالية الحالية.
ودعا بن جعفر إلى ضرورة إعداد مجلة أخرى تستجيبُ للالتزامات الدولية ولتطورات العصر.

الأستاذ/ شفيق سعيد

العميد الشرفي لكلية الحقوق والعلوم السياسيىة بتونس تعرض لموضوع تصنيف القانون الجزائي. وقال أنّ القانون الجزائي يدرجُ في إطار القانون الخاص، منذ أزيد من مائة عام..مشيرا إلى أن نشأة تقسيم القانون إلى عام وخاص تعودُ للعهد الروماني. وكان الهدف منها آنذاك تمكين الحاكم من القواعد الآمرة إذ كان التجاذب قويا بين السلطة و الكنيسة.

“إن هذا التقسيم يكرسُ المفاضلة بين الحكام والمحكومين.وهو موضع خلاف كبير بين فقهاء القانون منذ مطلع القرن المنصرم”

فأين نضع القانون الجزائي؟؟

“يعتمدُ القائلون بإدراج القانون الجزائي في إطار القانون العام على مبنى استخدام الردع والقبض الموجه ضد مرتكبي الجرائم.وبناءا على ارتباط دور النيابة العمومية بحماية المواطنين وفقا للدّساتير التي تنص على ذلك.

وقد اقتحم القانون الجزائي المحاكم الدولية والتشريعات بشكل كبير. ونلاحظ تداخل القانون الخاص والعام في ظل التصنيف الثنائي للقانون بين عام وخاص.حيث أنه يوجد صنف يطلق عليه القانون المختلط كالقانون الإجتماعي مثلا.

وختم الأستاذ شفيق سعيد قائلا:” لا يجوز إذا دمجُ القانون الجزائي في التصنيف الثنائي نظرا لما يشتمل عليه من قواعد مختلطة”

الأستاذ /محمد الهادي الأخوة: حكم الغاب على الغابة

“أقصد هنا صدور أحكام غير مبررة؛ منها ما يصدرُ ضد المظنون فيه، حالة غيابه عن المحاكمة.”
فماهي قيمة الحكم الصادر بحق المظنون فيه حال حضوره وغيابه أو غيابه بعد حضور الجلسات؟
وبصيغة أخرى ماقيمةُ الحكم الصادر بحق المظنون فيه غيابيا أو حضوريا أو تقديريا؟

وهل يحق للمحامي الدفاع عن حريفه في حالات غياب الأخير؟؟

للرد على هذه التساؤلات لا بد من إقرار مبدأ وجوب أن توضحَ الأحكامُ الصادرةُ أسبابَ صدورها اعتمادا وذلك بناءا على مبدأ سمو العدالة وعلويته.

وتتعاطى المحاكم التونسية مع هذه الوضعية بثلاثة ترتيبات هي:

– أن المظنون فيه لا يجوز الدفاع عنه في حالة غيابه.
– أن المحامي يقدم دفاعا مكتوبا على المظنون فيه حالة غياب الأخير.
– أن يقدم محامي المظنون فيه دفاعا مقتصرا على الشق المدني دون الجزائي.

ومع أن المبدأ هو أنه لا جزاء بدون نص سابق للفعل المجرم،فإن التنظيم المُتبع للجلسات القضائية اعتبر وفقا لتسلسله أنه لايحقُ للمحامي الدفاع إلا بعد كلام المتهم.كما اعتبر البعض أن تعيين محامي للمظنون فيه حالة غياب الأخير يمكن أن يكون تفضيلا للغائب على الحاضر. وبالتالي يمثل خرقا لمبدأ المساواة أمام القضاء.

” إن المهمة التي يتعهد بها القاضي هي كشف الحقيقة. وليست الإهتمام بالحضور والغياب”
“أما أن يفرض على المحامي الدفاع عن حريفه الغائب بدفاع مكتوب فهو إجراء مناقض مع مبدأ شفوية الإجراءات والدفاع”

“وبخصوص الصورة الثالثة التي تحصر دفاع المحامي عن حريفه الغائب في المادة المدنية التي لا تستوجب الحضور؛ فهو حل مخالف للمنطق ويفتقد للجرأة.
فكيف نمكن المحامي من الدفاع عن موكله مدنيا ونحرمه من ذلك جزائيا؟؟ إننا في هذه الحالة نفرض على المحامي استخدام مصطلحات تحتال على القانون وتحرفه. والنتيجة هي أن هذه المواقف لا تتماشى مع تطور الفقه والقضاء.

وبحسب التشريع الفرنسي فإن الغائبَ مخطئ دوما Les absents ont toujours tort أما في التقاليد العربية الإسلامية التونسية فإن الأعراف جرت على قاعدة أن “من غابت فحجته معه”. وقد أقرت المحكمة الدولية عام 2000 أن مجرد غياب المتهم لا يحرمُه من حق الدفاع. كما غيرت فرنسا هذا القانون في العام 2001. انسجاما مع حقوق الإنسان.و أصبح المحامي يتمع في فرنسا بحق الدفاع عن موكله ولو غاب الأخير عن جلسات المحاكمة دون عذر.

ومن الملاحظ أن محاكمة الغائب تكون جائرة في غالب الأحيان. ذلك أنها تخرق مبدأ البراءة في حين أن هذا المبدأ هو من أركان المحاكمة العادلة.

والخلاصة أنه يجب تعديل هذا القانون وإقناع السّادة القضاة بأن المحامي ليس خصما للقضاء؛إنما هو جزء من الأسرة العدلية. ويجب حملُ المشرع على تحوير الفصل 141 من المجلة الجزائية.وبين هذا وذاك على القضاة مراجعة تأويلهم لهذا الفصل.”

الأستاذ/ عز الدين العرفاوي

وهو رئيس قسم العلوم الإجرامية بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، فأبتدأ مداخلته بأن القانون يقتضي بأن القاضي لا يمكن أن يكون مشرعا بناءا على مبدأ فصل السلطات.

وأضاف أنّ : قاعدة التفسير الضيق للنص الجزائي أعتمدت في تونس في غير مواضعها. بناء على أن القانون الجزائي كامل، لا يمكن أن يحتمل الفراغ وهو محكوم بقاعدتين هما:
التفسير الضيق للنص.وهو عملية ذهنية.
اكتمال النص الجزائي.

“ونحن نشكك في نظرية التأويل الضيق وفي فرضية اكتمال النص الجزائي”

وهنا نذكر بقاعدة :”عدم التأويل مع النص الواضح”.ونذكر بأنه لا مجال للإجتهاد مع النص.كما أن النص القانوني لا يحتمل إلا المعنى الذي تقتضيه عبارته.وقد تم رفض نظرية النص المكتمل في الفقه الحديث.
وختم الأستاذ عز الدين قائلا” إن محكمة ولاية توزر اعتبرت أن دخول المحمودي البغدادي إلى الأراضي التونسية لا يمكن أن يعتبر جريمة ﻷنه كان دخولا اضطراريا” وذلك في إشارة لضرورة توحيد آراء محاكم التعقيب في مختلف النواحي بالجمهورية التونسية.

اﻷستاذ/ حسن ضياب

“يقوم القانون الجزائي على مبدأين هما: التجريم والعقاب.وفقا لما أقرته الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان ومثياق نيويورك ،وقد نصت معظم دساتير الدول العالم على هذا المبدأ

وقد أقر الفصل الأول من المجلة الجزائية ذكر العقاب واشترط أن يكون بنص سابق له. ولم يذكر المشرع ركن التجريم. ما يدفعنا للتسائل هل تنازل المشرع لسلط أخرى كي تشاركه في التجريم كالسلطة التنفيذية والقضائية مثلا؟’

“إن هذا التنازل يعتبر مخالفا لمبدأ فصل السلطات”.

ومن الجدير بالذكر أن المشرع التونسي أقر عدة مصادر للتجريم من بينها الأوامر والمراسيم…
فماهي ملامح الوجه الجديد لمبدأ الشرعية؟

هنا نلاحظ وجود تقنيتن:

  • تقنية الإحالة: وهي إما أن تكون صريحة أو ضمنية وقد تكون داخلية أو خارجية في المادة أو الفصل أو المجلة.
  • تقنية التفويض: ولا يمكن للتفويض إلا أن يكون محددا. وقد يكون تفويضا بالسلطة أو تفويضا بالإمضاء.
  • إذن، وبشكل عام فإن تقنية التحريم تنقسم إلى قسمين: تحريم على بياض وهو محدد بطبيعة الحال. ثم التحريم المفتوح ويكون بالمراسيم والأوامر والمنشورات.

    فما هو خطر الوجه الجديد لمبدأ الشرعية الجزائية؟

    الخرق الشكلي لمبدأ الشرعية: ذلك أن المراسيم والأوامر هي وجه جديد لمنافسة مبدأ الشرعية في ظل تنامي نفوذ السلطة التنفيذية.
    ونورد هنا أمثلة من المراسيم التي شكلت خرقا جوهريا لمبدأ الشرعية :

    1. المرسوم التشريعي عدد 120 لسنة 2011 مؤرخ في 14 نوفمبر 2011 المتعلــق بمكافحـة الفســاد.

    2. المرسوم التشريعي عدد 117 لسنة 2011 مؤرخ في 5 نوفمبر 2011 المتعلق بتنظيم نشاط مؤسسات التمويل الصغير.

    3. المرسوم التشريعي عدد 43 لسنة 2011 مؤرخ في 25 ماي 2011 المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية.

    – الخرق الجوهري أو الموضوعي لمبدأ الشرعية:
    “وفي هذا السياق يجب التمسك بالبناء الشرعي وحصره على المشرع بكل جزم وحزم ويقين”

    الأستاذة/ رشيدة الجلاصي: مفهوم فقدان العقل بين جمود النص وتطور العلم

    “لقد اعتدت القوانين القديمة بالسلوك الاجتماعي دون شخص الفاعل. وتناول الفصل 38 من المجلة الجزائية مبدأ المسؤولية الجزائية لفاقد العقل.كما تناولت عدةُ أوامر عالية ذات الموضوع.حيث أقر الأمر العالي 1913 اعتماد رفع سن المختل عقليا إلى 13 سنة بدل 7 سنوات.”

    كما أقر أمر عال إيداع المختل عقليا في المستشفى دون قرار إداري.

    ومن الجدير بالذكر أن المشرع التونسي حذف مصطلح “العته” في الفصل38 من المجلة الجزائية. وأستبدله بمصطلح “فاقد العقل مع أنه احتفظ بكلمة “معتوه” داخل المجلة ذاتها.

    مفهوم فقدان العقل بين جمود النص وتطور العلم:

    لقد توصل العلم اليوم، إلى ندرة حالة الجنون المطبق .وأثبت وجود حالات اختلال عديدة تفقد نفس الإدراك الذي يُفقده الجنون. وبعض هذ الإختلالات قد تكون عضوية أو نفسية.ومن الواضح أن حالات الغضب الشديد والصرع والسكر لا ترقى إلى مفهوم فقدان الإدراك.

    فماهي الحدود بين فقدان العقل وفقدان الإكراه ؟؟

    بادء ذي بدء فإن عناصر الإرادة هي:

    – الإدراك والتمييز.
    – التقييم والحكم.
    – عقد العزم.

    علما أن فقدان الإرادة لا يفقد العقل، الأمر الذي يعني عدم تطابق غياب الإرادة مع غياب العقل. وقد أقر المشرع الفرنسي هذا الإعتبار.

    “وقد اشترط الفقه الحديث التّزامن بين الجنون والفعل الإجرامي. ويبقى الإشكال متعلقا بالمرض العقلي بعد صدور الحكم ضد المتهم.. وتصطدم هذه الحالات مع تأويلات النصوص في المجلة الجزائية. وقال رشيدة الجلاصي إن أنواع التأويل المعتدّ بها قانونا وهي :
    – التأويل الضيق.
    – التأويل المضيق.
    – التأويل الموسع.

    وغير هذه التأويلات يعتبر خرقا للنص.

    ” ومن الملاحظ اليوم، أن سُجوننا تعجُ بعدد من فاقدي العقل؛ سواء أصابهم ذلك قبل الحكم أو بعده”
    ومن الضرور تقول الجلاصي من الواجب: “حل هذه الوضعيات بناءا على أن دور القاضي لا يقتصر على النطق بالحكم؛لكنه يمتد لنتفيذ.

    وفي الأخير اقترحت الأستاذة رشيدة الجلاصي وضعَ المختلين عقليا داخل مراكز إيواء وجزاء في آن واحد وإخراجهم من السجون.

    الأستاذ/ منصف حمدون: الإجهاض

    وهو رئيس قسم الطب الشرعي بمستشفى شارنيكول قال إن:المشرع التونسي اشترط لإجراء الإجهاض وجودَ خطر على صحة الحامل أو وجودَ تشوه خطير على الجنين.وأضاف أنه تجب الموائمة بين القانون والأخلاقيات الطبية. كما يجب أن تتم عملية الإجهاض في المستشفى. غير أن بعض التشريعات الحديثة أقرت ضرورة تشكيل لجنة تتكون من عدة أطباء إلى جانب أب الجنين وأمه أو أفراد من العائلة للبت في قرار الإجهاض بعد مضي أربعة أشهر على الحمل.كما هو الحال في فرنسا. ويشترط في الإجهاض قانونا أن يكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. غير أن الطّب لا يحسبُ الحملَ بالأشهر وإنما بالأسابيع والأيام. وتعتبر أي تخلصٍ من الحمل بعد مضي أكثر من تسعين يوم توليدا،لأن الإجهاض متعلق بإزالة الجنين وقت التكوين. أما خلاف ذلك فهو توليد سابق عن أوانه.
    وبناءا على ما سبق فإن التساؤل القانوني الذي يطرح نفسه هو ماهي الحالات التي تستوجب الإجهاض وما هي الحالات التي لا تستوجته وما حكم ما بينهما؟
    ومن الجدير بالذكر أن الإجهاض ليس طريقا لمنع الحمل. ولكونه عملية معقدة وخطير على الحامل فإن ينصح بعدم إجراءه أكثر من مرتين في عمر المرأة الواحدة.

    جريمة الزّور/ الأستاذ مصطفى صخري

    لقد خلطت محكمة التعقيب خلطا فظيعا بين الجنايات والجنح.ومحكمة التعقيب ملزمة بتوحيد رأيها في مختلف الدوائر التابعة لها. وقد استعمل المشرعُ التونسي عددا من المصطلحات للدلالة على “الزّور”. مما جعل منه مشرعا بعيدا عن مواكبة العصر وتطوراته” يقول الأستاذ صخري. وقد أوجد الخلط الذي وقعت فيه محكمة التعقيب اتجاهات مخلفة ومتضاربة للتعاطي مع جُرمَي “الزور والتدليس”. فمن المطلوب اليوم أن ينص المشرع على مفهوم الحجة الرسمية وذلك للبتّ في الخلافات الدائرة حولها.

    الأستاذ/ٍتوفيق بوعشبة: التشريع الجنائي والإرهاب وغسيل الأموال

    تتزامنُ مأوية المدونة الجزائية مع عشرية قانون الإرهاب وغسيل الأموال. فهاتان الجريمات حديثتا عهد بالإدراج في التشريع الجنائي.أما الجريمةُ السياسيةُ فقد ظهرت إلى جانب الحق العام.وقد أُستحدثت الجريمة السياسية بهدف تمييز خاص يرمي لتخفيف العقوبة عن الجاني.
    ويعود ظهور الجريمة الإرهابية في التشريع الجنائي إلى مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم.وذلك حين قُتلَ ملكُ يوغوسلافيا ووزير خارجية فرنسا والجنرال جورج عام 1934 في مرسيليا.

    annahar-droit-penal

    “وقد أصبحت جريمة غسيل الأموال اليوم مدرجة في القوانين الجنائية.ويجب ملاحظة أن جريمة غسيل الأموال لا تكون دائما بهدف تمويل الإرهاب بل إنها قد تكون من باب الإثراء بلا سبب.

    وتجدر الإشارة إلى أن مكافحة غسيل الأموال تتمُ بواسطة ترتيبات لا تتسع لها المجلة الجزائية بخلاف قانون الإرهاب.
    وفي الأخير فإنّ المُشرعين أخذوا بمذهبين الأول : إدراج قوانين تجريم الإرهاب في المجلات الجزائية والثاني: هو الفصل بينها.

    يتبع