تحتفل مختلف دول العالم مع بداية شهر ماي من كل سنة باليوم العالمي لحريّة الصحافة. جهات رسميّة شبه رسميّة تشيد بالإنجازات الحكوميّة المتعلّقة بحريّة الصحافة، ومنظمات حقوقيّة وبعض الأحزاب السياسيّة تحاول الكشف عن الوجه الآخر وفضح الانتهاكات المسجّلة في حق الإعلاميين وأصحاب الأقلام الحرة…

أمّا في تناولنا لهذه القضيّة فإنّنا سنحاول التركيز على ضحيّة حرية الرأي والتعبير ولكن كفاعل منتصر، تحرّر من سلطة الرقابة والمتابعة، وذلك من خلال ما يسمّى بالإعلام البديل. فماذا نعني بالإعلام البديل؟ ولماذا نلجأ إليه؟ ومن يستعمل الإعلام البديل؟ وما هي التحديات التي أصبح يواجهها؟
الإعلام البديل، هو إعلام موازي لما هو رسمي، يميّزه بخاصيّة التكيّف مع مختلف التطوّرات التي تعرفها وسائل الاتصال وأيضا تقنيات الرقابة والضغوطات الاجتماعيّة والسياسيّة، إضافة لقدرته على التشكّل إذ يظهر في أشكال مختلفة حسب المرحلة التاريخيّة التي يمر بها المجتمع ونوعيّة مستعملي هذا الشكل الإعلامي. ومن أبرز تلك الأشكال نذكر:

الإشاعات والنكت الشعبيّة والسياسيّة والتي تعتمد عليها بعض الفئات الاجتماعيّة عندما تشعر أن الإعلام الرسمي لا يمنحها فرص التعبير عن مواقفهم وتطلّعاتهم، أو لا يستجيب لرغباتهم، وتجنّبهم المسائلة القانونيّة. إذ ترتبط النكت الشعبية بالتهميش الاجتماعي وبالشعور بعدم تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، فمثلا انتشرت في الستينات والسبعينات ظاهرة النكت الشعبيّة التهكّمية والاستهزائيّة من “البلدية” (أهل العاصمة)، فبعد التهميش الاجتماعي والاحتقار الذي شعرت به فئة “النزوح” لم تجد هذه الفئة أمامها سوى هذا الإعلام البديل لتدافع عن وجودها. وفي نفس السياق نجد اليوم العديد من النكت الشعبية حول أهالي المناطق الراقية (المنزه والمنار…).

أمّا بالنسبة للنكت السياسيّة فإنّ ما يميّزها هو ظهورها الموسمي والمرتبط أساسا بالتظاهرات السياسيّة الكبرى مثل الانتخابات والتظاهرات، والزيارات الرسمية… وعادة ما يكون موضوعها معاكسا لما نجده في الإعلام الرسمي. وهو لاحظناه في كل الدول العربيّة التي كانت لنا فرصة عيش أجواءها الانتخابيّة (الانتخابات الرئاسيّة والتشريعية التونسية، والمصريّة، واليمنية، والبحرينية، والمغرب…)، حيث لعبت فيها النكت السياسيّة دورا رئيسيّا في الحملات الانتخابيّة وعبّرت من خلالها العديد من الشرائح الاجتماعيّة عن نوعيّة تفاعلها مع هذه الأحداث.

الإرساليات القصير (SMS) كشكل من أشكال الإعلام البديل، تمكن من خلالها ضحايا حريّة التعبير تحقيق هامشا من الحريّة، إذ لم تعد وظيفتها اليوم تقتصر على التخاطب والتواصل عن بعد، بل أصبحت تستخدم في إرسال دعوات التظاهرات السياسيّة والحقوقيّة والتعبير عن التضامن مع بعض الضحايا، أو نشر المعلومات بطريق سريعة… كما تحوّلت إلى وسيلة فعّالة تستعمل في الحملات الانتخابيّة، كما هو الحال بالنسبة للانتخابات البرلمانيّة البحرينيّة الأخيرة، حيث تمكّنت عبرها الأحزاب المواليّة للسلطة من الإطاحة بالمرشحة “منيرة فخرو” كأبرز وجه من وجوه المعارضة.

الانترنت، وهو أهمّ فضاء تمكّن من خلاله ضحايا حريّة الرأي والتعبير تكسير حواجز الرقابة التقليديّة والخطوط الحمراء، ومن بين الأشكال التي تمّ فيها استثمار وتوظيف هذا الإعلام البديل نذكر:

الصحف الالكترونيّة والتي لم تعد رهينة تأشيرة الحكوميّة، والضغوطات والقيود القانونيّة، وهي تشكّل اليوم المجال الأكثر تجاوزا للعراقيل المفروضة من قبل السلطة، بل أصبح الضحية هو الذي يقوم بمراقبة ومحاسبة من كان بالأمس يراقبه ويحاكمه ويتتبع خطاه.

المواقع الالكترونيّة: فعلى الرغم الإمكانيات الماديّة والبشريّة الضخمة لمراقبتها وحجبها، إلاّ أنّ أصحاب المواقع لازالوا صامدون، فعبر استعمال “البروكسي” Proxy” وتقنيات أخرى مشابهة، تمكّن من كان بالأمس ضحيّة (صاحب الموقع أو الزوّار) من الإبحار في هذا العالم بعيدين عن أعين الرقابة.

البريد الإلكتروني: فبعد أن تمكّنت السلطة عبر تقنياتها المتطوّرة من فتح وتشويه البريد الإلكتروني للضحيّة وتحويل وجهة رسائله… أصبح الضحيّة عبر إتقانه لفنّ التعامل مع عالم الانترنت قادرا على إعاقة الرقيب. كما أنّ العديد من الصحف الالكترونيّة ومحتويات المواقع المحجوبة أصبحت تصلهم عبر رسائلهم الالكترونيّة، مثل “تونس نيوز” و”أقلام أون لاين” وغيرها.

أمّا المدوّنات Blog ، أو ما يطلق عليها اليوم بالإعلام الشعبي الحديث، والتي هي عبارة عن مواقع الكترونية شخصية، فقد تمكنت العديد من الشرائح الاجتماعيّة كالمهمّشين وضحايا حريّة الرأي والتعبير استثمارها لتعوضهم ما حرموا منه، من نشر الأخبار، إلى الكتابات الشخصيّة التي لم تأخذ حظّها في وسائل الإعلام الرسميّة…

ونظرا لنجاح المدوّنات واستجاباتها لرغبات وتطلّعات هذه الفئات تكاثر عددها في الفترة الأخيرة، فمثلا مع الضغوطات التي تقوم بها السلطة الإيرانيّة وصل عدد المدوّنات بإيران اليوم إلى ما يقارب 250 ألف مدوّنة، وفي مصر تجاوزت الـ 30 ألف مدوّنة، أمّا في تونس فقد سجلنا في الفترة الأخيرة ما يقارب 500 مدوّنة.

من يستعمل الإعلام البديل؟

يرتبط عادة استعمال الإعلام البديل بثلاث فئات اجتماعيّة وهي:

– المهمشين والفاقدة للزاد المعرفي والتعليمي، حيث تمثّل الإشاعة والنكت الشعبية والسياسيّة إعلامهم البديل المفضّل ، وذلك لما يوفره لهم من حماية وحصانة وتجنّبهم المسائلة القانونيّة، لأنّ تناقل النكت والإشاعات لا تتضمّن اسم منتجيها، إضافة إلى إمكانية تحويرها من متقبّل إلى آخر ومن جهة إلى أخرى.

– النخبة، إذ نظرا لامتلاكها للزاد المعرفي والتعليمي والموقع الاجتماعي المتميّز فإنّ إعلامها البديل يكون أكثر تطوّرا وأكثر انسجاما مع مستحدثات المجتمع الذي يعيشون فيه، لأجل ذلك نراهم يفضّلون الانترنت كإعلام بديل.

– النخبة الشبابيّة المهمّشة، وتحديدا خرّجي الجامعات والمعاهد العليا والفئات الشبابيّة داخل مكوّنات المجتمع المدني، والتي تعاني من تهميش مزدوج: من السلطة ، ومن المجتمع المدني، وهو ما جعلها في مفترق الطريق، إذ لا تنمي للصنف الأوّل نظرا لامتلاكهم للزاد المعرفي والتعليمي، ولا للصنف الثاني وذلك لحرمانها من المواقع الاجتماعيّة المرموقة سوى داخل المجتمع أو داخل المجتمع المدني… لأجل ذلك العديد منهم يستعملون الانترنت كإعلام بديل وعادة ما يكون بأسماء مستعارة، ليتجنّبوا المسائلة من السلطة وأيضا من بعض مكوّنات المجتمع المدني.

ففي الوقت الذي تمكّن فيه ضحايا حريّة الرأي والتعبير وضحايا التهميش الاجتماعي من خلق مجال حريتهم عبر مختلف أشكال الإعلام البديل ، حاولت السلطة بدورها ملاحقتهم في هذا المجال، إذ لم تكتف بإعلامها الرسمي، بل خلقت هي الأخرى بديلها للإعلام البديل. فالإشاعات والنكت الشعبية والسياسيّة، واجهتها السلطة بإشاعات ونكت مضادة، ويتم تسخير وسائل الإعلام الرسميّة لهذا الغرض. كما شدّدت رقابتها للإرساليات القصيرة. أمّا بالنسبة لكل ما يتعلّق بالانترنت فقد بقيت في حالة أخذ وردّ تارة يجد الضحيّة نفسه عاجزا عن استعماله كإعلام بديل، وتارة أخرى يتمكّن من التحرّر والانفلات من الرقيب.

توضيح من موقع نواة: لقد وصلنا هذا المقال على عنواننا البريدي من طرف منظمة حرية و إنصاف التونسية و لا ندري من هو كاتب المقال.