بقلم فوزي الصدقاوي

إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الإستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والإحتساب الذي لايتسامح فيه.

عبد الرحمان الكواكبي

بحضور الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي السيد أحمد نجيب الشابي و أعضاء المكتب السياسي للحزب وعدد من القيادات السياسية والمدنية وجمع من المناضلين والمناضلات بولاية بنزرت ، إفتتح السيد مراد حجي كاتب عام جامعة بنزرت للديمقراطي التقدمي مساءالسبت08أكتوبر2006 أول إجتماعات مقر الجامعة(40 نهج بلجيكا طابق2 بنزرت) مرحباً بالضيوف ومعتبراً أن هذا المقر على تواضعه سيظل مكسباً للمعارضة التونسية جميعها لاسيما وأن توقيت إفتتاحه يأتي في ظل إستمرار الحصار المضروب على مقر فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ ما يزيد عن السنة . ودعا بهذه المناسبة كل مناضلي بنزرت إلى التكتل من أجل إحياء العمل السياسي بالولاية ،ثم قام بتقديم الهيئة التأسيسية لجامعة الحزب ببنزرت التي تأسست قانونياً في26جوان2006 وضمت السادة والسيدات:

مراد حجي: كاتب عام

خالد بوحاجب: أمين مال

سعاد القوسامي

لمياء الدريدي

رضا المقراني

خالد بوجمعة

محمد الحبيب الحفصي

بشير الجميلي

محمد بلخشين

وأضاف السيد مراد حجي أن جامعة بنزرت منكبّة حالياً على وضع برامج ترجو أن تكون إضافة نوعية في خدمة المواطنين ببنزرت والمصلحة العامة ودفاعاً في الآن نفسه على قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والكرامة الوطنية .

ثم تلت كلمة الأمين العام للحزب السيد نجيب الشابي الذي رحب بدوره بالحضور وبخاصة السادة علي بن سالم(رئيس فرع بنزرت للرابطة – 75سنة) والسيد محمد الصالح البراطلي ( مناضل معروف في صفوف حزب الدستور أيام الإستعمار الفرنسي و رابطي – 78سنة) والسيد محمد الصالح فليس (رئيس سابق لرابطة فرع بنزرت وعضو بالهيئة المديرة للرابطة حالياً -60سنة ) الذين كان قد إجتمع بهم على حد وصفه « في غير هذا المكان…» ( يقصد سجن برج الرومي سنة1968) كما حيي السيد جيلاني عمار ( عضو المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين) والسيد لطفي حجي ( رئيس نقابة الصحافيين التونسيين) والسيد محمد الهادي بن سعيد( الناشط الحقوقي البارز في بنزرت) مشيداً بجهود السيد بن سعيد التي لولاها كما أشار السيد الشابي لم يكن هذا الإجتماع لينعقد.

وفي معرض المداخلة التي قدم من خلالها السيد أحمد نجيب الشابي تحليل الحزب الديمقراطي التقدمي للوضع السياسي الراهن أكد أن الوضع في تونس يتسم بالتحجر والتعطل منذ منتصف الثمانينات راداً السبب إلى إقلاع الحكومة عن كل معالجة سياسية ولجوئها إلى الحلول الأمنية في مواجهة أي ظاهرة من ظواهر المجتمع السياسية منها والاجتماعية والثقافية ،وعدّد بعض تلك المظاهر على وجه الذكر :

  • ما تشهده البلاد منذ مدة من إيقافات في صفوف الشباب بتهمة الإرهاب وقد عجت بهم السجون التونسية .
  • منع القاضية وسيلة الكعبي من السفر قصد المشاركة في مؤتمر دولي حول القضاء وهوما أثار ضجة .
  • منع إنعقاد ندوة كان الإتحاد العام التونسي للشغل يعتزم إحتضانها بالتعاون مع مؤسسة فريديريتش إيبارت(Friedrich-Ebert-Stiftung) رغم حضور 60شخصية من بلدان البحر الأبيض المتوسط لمناقشة قضية التشغيل في بلدانهم.
  • التجمع الذي ضم هذا الأسبوع نحو 300 من الفنانين والمبدعين التونسيين إحتجاجاً على منع السلطة عرض مسرحية « خمسون » لفرقة التياترو للسيد الفاضل الجعايبي والسيدة جليلة بكار..
  • القضاة أنفسهم رفعوا أصواتهم وطالبوا بإستقلال القضاء وإحترام وظيفتهم معترضين على ما تتعرض له منظمتهم من سطو فاضح

فهذا التحجر كان في مواجهة الحركية المشهودة والمتصاعدة التي عرفها المجتمع التونسي منذ 1999/2000 ، فمنذ ذلك الحين لم ينقطع المد سواء مع المجلس الوطني للحريات أو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أو هيئة الحقوق والحريات التي ضمت أكثر من 300كادر من مختلف الهيئات المدنية والحقوقية والأحزاب السياسية ثم توسعها إلى الهيئات الإجتماعية وفي مقدمتها المحامين الذين يعيشون الآن أزمة لمجرد أن دورهم يقوم على حماية حقوق الدفاع بما يكفل حقوق المتهمين الذين توجّه ضدهم شتى التهم . ثم الحركية المطردة التي يشهدها إتحاد الشغل لاسيما بعد مؤتمر جربة في إتجاه إستعادة إستقلاليته والعودة إلى الدور الوطني الذي كان ولا يزال يلعبه ، فقد رفض الإتحاد تحت تأثير بعض القطاعات المتحررة داخله أن يجلس في مجلس المستشارين الصوري الذي لا يعلم أحد أسباب إنشائه ولايبعد أن تكون من بين تلك الأسباب شراء ذمم النخب .

والإضراب عن الطعام الذي شنه منذ سنة عدد من الوجوه الحقوقية والسياسية أثار تعاطفاً منقطع النظير في العاصمة وفي مختلف القطاعات والجهات وقد كانت تصلنا أصداء تحركات مناضلي بنزرت الميدانية معبرين من خلالها عن تمسكهم بالمطالب الثلاث التي رفعتها حركة 18أكتوبر.

  • حرية الصحافة والإعلام
  • حق التنظم الحزبي والجمعياتي
  • إطلاق سراح السجناء السياسيين وسن العفو التشريعي العام.

لكن يستدرك السيد أحمد نجيب الشابي ليقول أن الضغط الذي تمارسه الحركة المجتمعية والسياسية على السلطة لأجل إفتكاك حقوقنا الدنيا زائد الضغط الخارجي من قوى تقدمية سواء أكانت منظمات غير حكومية أو أحزاب سياسية أومؤسسات برلمانية أو صحية وأحياناً حكومية أثار السجلات السلبية في ميدان حقوق الإنسان لم تكفي جميعها لحمله على مراجعة مواقفه وإتخاذ مبادرات لزحزحته عن مواقفه الجامدة وفتح مجال التواصل مع مكونات المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي لوضع تونس على سكة الديمقراطية . ويخلص الأمين العام إلى القول أن هذا الإختلال في القوة بين المجتمع من جهة ودولة تستند إلى قوة أمنية متورمة لايمكن أن يتغير إلا لو إنخرط المواطن في العمل السياسي .

فما هو حال المواطن الآن ؟

يعدد السيد أحمد نجيب الشابي عدد من الظروف راكمت في نفس المواطن مشاعر الخوف لديه وعمقتها

  1. الخوف من معاقبته بإنتزاع ما تحقق له من مكاسب العشريات الأخيرة في مستوى دخله وحقه في العمل لاسيما وأنه يرزح تحت نير المديونية .
  2. أزمة البطالة والتشغيل التي يخشى أن يفقد شغله أو يخسر حقه فيه.
  3. غلاء المعيشة التي وحده المواطن يعلم حقيقة قدرته الشرائية الهزيلة وهو الذي يتعامل بصورة مباشرة مع البقال والقصاب وبائع الخظار.
  4. المواطن يشكو من القمع .
  5. المواطن يشكو من الفساد الإداري .

فإستقالة المواطن عن العمل السياسي لن تكون حالة دائمة لو إشتغلت جميع المعارضة على معالجتها. وأن الإستقرار الذي تتباهى به السلطة هو إستقرار هش ولا يمكن أن يستمر لأن الإستقرار الحقيقي هو الذي يقوم على أساس من الإطمئنان والولاء الطوعي .

وعليه فقد إعتبر السيد الشابي أن الإصلاحات العاجلة التي رفعتها حركة 18 أكتوبر هي الإجراءات التحريرية الضرورية لأجل عودة الحياة السياسية وهي لن تكون هبة من الحكم وإنما نتيجة للضغط والضغط و الضغط كما يقول والتضحية من أجل هذه الحقوق التي ليست هي في واقع الأمر إلا مدخل إنتقالي نحو الديمقراطية .

ويخلص في الأخير إلى القول أن مأساة تونس منذ خمسين عام هو الحكم الفردي المطلق ، فجميع السلطات تتركز في يد شخص واحد سواء أكان إسمه الرئيس بورقيبة أو الرئيس بن علي أو من سيأتي بعدهما .ثم يضيف أن برنامج الحزب الديمقراطي التقدمي هو برنامج حركة 18 أكتوبر في بنودها الثلاث زائد إثنين :

أولاً ـ الإصلاحات الدستورية من أجل إنهاء الحكم الفردي المطلق وإقامة نظام جمهوري يقوم على الفصل بين السلطات والتوازن بينها بما فيها داخل السلطة التنفيذية بين رئاسة الجمهورية والحكومة و مسؤولية الحكومة أمام البرلمان .

ثانياً ـ وما يطالب به الحزب الديمقراطي التقدمي أيضاً هو حل أزمة الشرعية السياسية.فقد ظل بورقيبة يحكمنا بموجب الشرعية التاريخية وإستبد بنا لمدة ثلاثين عاماً ولانزال الآن منذ عشرين عام أخر تحت نفس النظام الذي زاد في شدته وتحجره ، ولا يمكن حل مسألة الشرعية السياسية إلا بالعودة إلى الشعب من خلال إنتخابات حرة ونزيهة .

قد لا تتحقق هذه المطالب سنة2007 أو 2009 أو 2011 لا أحد بإمكانه أن يتكهن بما سيكون ، لكن سيظل ذاك برنامجنا الذي سنعمل إلى غاية بلوغه كاملا مهما تحقق لنا من مكاسب جزئية على الطريق . يبقى على الحزب الذي يرغب أن يشتغل على القضايا الإجتماعية للمواطنين لأجل مقاومة البطالة والفساد أن يعمل من خلال الأطر المختلفة ، مع خريجي الجامعات والنساء والشغالين والمطرودين من العمل والمحرومين أيضاً من العمل وكل أطياف المجتمع التونسي .

لذلك نوصي جامعة بنزرت ونوصي أنفسنا أيضاً في الحزب وفي مختلف جامعاتنا أن نمنح الإجتماعي ليس في الخطاب وإنما في الممارسة بصورة أساسية ،الأهمية التي يستحقها حتى تكون للحركة السياسية ثقلها الإجتماعي .

وقبل ان يختم السيد أحمد نجيب الشابي كلمته أشار إلى أن سبعة من وجوه المعارضة في تونس سافرت إلى سترسبورغ مؤخراً لتلتقي بالمجموعة الديمقراطية الاشتراكية في البرلمان الأوروبي ، وهي قوة مؤثرة في أوروبا وتعمل من أجل التقدم الإجتماعي ومن أجل الديمقراطية وبالرغم من خلافنا معها في عدد من القضايا مثل لبنان والعراق أو فيما كان من موقفها من الحرب في الجزائر…إلا أننا لانبقى مسكونين بخلافات الماضي وننسى ما يمكن أن يتحقق من استفادة مما نلتقي عليه .

وكان الوفد التونسي قد دُعيَ للتحاور معه حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن تدعم الحركة الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا حركة الإصلاح السياسي في تونس لكونها معنية بتقدم الحركة الديمقراطية في العالم لاسيما وأن سجلها حافل بدعم الديمقراطية في إسبانيا على عهد فرانكو ..وفي الشيلي.. وضد الكُلونُلات الذين قاموا بالإنقلاب في الستينات باليونان.

وأفاد السيد أحمد نجيب الشابي أن التونسيون قد إتفقوا على تحرير إعلان يتضمن مطالبهم الأساسية في الإصلاح السياسي في إطار من إحترام للسيادة الوطنية التونسية وستكون الحركة الإشتراكية الديمقراطية على إستعداد لتتبنى مطالب التونسيين وتجعل منها أرضية لتحركاتها الطويلة لدعم الديمقراطية في تونس . وسيظل هذا الدعم فرصة للتونسيين يمكن الإستفادة منه دون الإنخراط في أي أجندة خارجية لأننا وطنيون ولا يمكن لأحد ،كما يشدد أمين العام للحزب ، أن يزايد على غيره بوطنيته ، فالديمقراطية حاجة وطنية نحتاج من أجلها لأي دعم .

كانت تلك كلمة السيد الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي ، تلتها كلمة السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان .مبتدأ كلامه بالقول أن ما جاء في كلمة السيد نجيب الشابي من أن مبتغانا في الحرية والكرامة الوطنية قد لايتحقق في 2007 أو في 2009 أو في 2011 يصيبه بخيبة لأنه يشعر أن العمر ربما لن يُسعفه ليرى حلماً عمل لأجله منذ 60 عاماً ، وهو بالمناسبة يَذكُر كما يَذكُر رفيق دربه محمد الصالح البراطلي يوم كانا لاجئين في ليبيا مع بقية المقاومين زارهم السيد جلولي فارس يطلب منهم تسليم السلاح ، كان يقول لهم : (إنتهى الإستبداد ياجماعة.. ونحن مقبلون الآن على التنعم بالحرية الحقة ) ، لكن حالما عدنا إلى ديارنا لحقت بنا إنتهاكات لم تكن فرنسا قد إرتكبتها على أيامها ، ففرنسا لم تعمد إلى تجويع العائلات لأن أبناء التونسيين كافحوا ضدها أما الآن فقد إتهموا أبناءنا بنية الخروج إلى العراق لمقاومة الأمريكان … فقد تمكنوا من رصد نوايا أبنائنا ممن إعتزم الذهاب إلى العراق للمقاومة لكنهم لم يرصدوا يختاً مسروقاً من خارج البلاد هُرّب إلى موانينا ….!!.

وأضاف أنه كان يعتقد أن الأرض قد تحررت و أن الإنسان فقط لم يتحرر بعد ، لكنه صار على يقين أن الأرض أيضاً لم تتحرر بعد أن تم بيع مؤسساتنا الإقتصادية للأجانب لكنه يستدرك بالقول أنه يعتقد أيضاً أن هذه الحالة لا يمكنها أن تستمر إلى ما لانهاية .

ثم كانت الكلمة الأخيرة للسيد محمد الصالح فليس عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والرئيس الأسبق لفرعها ببنزرت التي أكد من خلالها أن المواطن التونسي تمكن خلال السنين القليلة الأخيرة من زحزحة ركام الخوف من على صدره وبدأ يتنفس بأكثر ثقة وأن هذا يمكن رصده من خلال تعامل الموطن مع جريدة الموقف التي لم يكن يطّلع عليها حتى وإن أعطيته إياها بدون ثمن وقدمتها له في قفة وجئته بها إليه عند عتبة منزله في الظلام الدامس . لكنه الآن يشتريها من المكتبة ويمسك بها في قبضته وهو في طريقه إلى منزله على مرأى من كل الناس مواطنين ورجال الأمن ، بل يستوقفك الخظار والجزار في السوق ليشكرك على ما أثرته في المقال مؤكدا لك أنه قرأ مقالك في جريدة الموقف في عددها الأخير …وهذه الملاحظات على بساطتها تشير إلى مستوى ما تعداه المواطن من حواجز الخوف . ففي الوقت الذي لم تعد الدولة تعتني بحقوق المواطن ولم يعد تلبية إحتياجاته تشغلها لم تعد هيبتها تملأ عيون المواطنين ولم يعد يجدي معه وسائل التخويف لأنه بكل بساطة لم يعد يخشى أن يخسر شيئاً ، لأنه لم يعد لديه شيء يخسره فعلاً .

كانت تلك إذا مجمل المداخلات التي إستغرقها الإجتماع الأول ببنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي يوم السبت 7أكتوبر2006 بمناسبة إفتتاح مقر جامعته ببنزرت والإعلان عن تأسيسه في 26 جوان 2006بصورة رسمية .

عنوان المقر : 40 نهج بلجيكا 7000بنزرت .

العنوان الألكتروني : bizertapdp@yahoo.com