جريمة متشعّبة، فيها السّياسي والمالي والقضائي، كشفت عن تفاصيلها هيئة الدّفاع عن الشهيدين في ندوة صحفيّة عقدتها يوم 09 فيفري 2022، وفي ندوة أخرى نظّمتها بجينيف في 22 نوفمبر 2022.

“الاغتيالات السياسيّة هي جهاز الكشف الحقيقي للقضاء التونسي”، تقول المحامية إيمان قزارة، عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي في تصريح لنواة، مضيفةً أنّ مزيدًا من المعطيات حول ملفّ الاغتيال “سيتمّ الإعلان عنه في ندوة صحفيّة”.

الجهاز السرّي والغرفة السوداء: طُعم الاغتيالات السياسية

في 23 ديسمبر 2022، أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائيّة بأريانة بطاقتَي إيداع بالسّجن ضدّ المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب بالقرجاني محمّد الخريجي ومدير حفظ الوثائق بالإدارة العامة للمصالح المختصة بوزارة الداخلية بوبكر العبيدي في قضيّة الغرفة السوداء بوزارة الداخلية، وهو مكتب داخل الوزارة أخفيت به وثائق هامة، تمّ نقلها من مدرسة تعليم سياقة على ملك مصطفى خضر إلى وزارة الداخليّة بطريقة سريّة.

مصطفى خضر هو قيادي عسكري سابق حوكم في قضيّة برّاكة الساحل الّتي اتُّهم فيها الجيش بمحاولة الانقلاب على نظام بن علي، وهو في الآن ذاته مُقرَّب من قيادات بارزة في حركة النّهضة. وقد حجز قاضي التحقيق المتعهد بقضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي هذه الوثائق بتاريخ 12 نوفمبر 2018.

كما أصدرت المحكمة الابتدائية بأريانة المتعهّدة بملفَّي الغرفة السوداء والجهاز السرّي أحكامًا بتحجير السّفر على 34 متّهمًا في قضيّة الجهاز السرّي في 27 ماي 2022، وعلى رأسهم راشد الغنّوشي. وتفجّرت قضية الجهاز السري لحركة النهضة في أكتوبر 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة جهازا سرّيا أمنيا مواز للدولة، متورط في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم حركة النهضة.

إفادات إضافية لهيئة الدفاع

كشف رضا الردّاوي عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين في ندوة بجينيف يوم 22 نوفمبر 2022 عن شبكة علاقات متورّطة في الاغتيالات، حيث أفاد أنّ إمام جامع الرّحمة شكري بن عثمان أفتى بقتل شكري بلعيد، وكان خلال فترة إمامته يستقبل كلّ المتورّطين في اغتيال شكري بلعيد، وهم محمّد العكاري وعز الدين عبد اللاوي وكمال القضقاضي وياسر المولهي ومحمّد علي دمّق. “من المفروض أن يكون شكري بن عثمان مُتّهمًا ولكن تمّ الاستماع إليه كشاهد من طرف قاضي التحقيق بشير العكرمي في 19 جوان 2013، وقد غادر باتّجاه السعودية في سبتمبر 2013″، يقول عضو هيئة الدفاع، موضّحًا أنّ وكالة الأسفار “ريماس للرحلات” بالحمّامات قد أعدّت وثائق السفر لشكري بن عثمان، المتمثّلة في شهادة عمل وتذكرة السّفر، مُذكّرًا بعلاقاته المشبوهة بكلّ من أبي عياض القيادي بتنظيم أنصار الشريعة المحظور وراشد الغنوشي.

وأفاد رضا الردّاوي أنّ إلغاء عقد مؤتمر تنظيم أنصار الشريعة، الّذي كان مُقرَّرًا يوم 21 ماي 2013 بالقيروان جاء في إطار صفقة بين أنصار الشريعة وحركة النهضة، إثر رصد مكالمة هاتفيّة جرت في 08 ماي 2013 بين القيادي حبيب اللّوز وشخص من أنصار الشريعة يُدعى حسن بن بريك، وهو المسؤول عن الجناح الإعلامي عن التّنظيم. المطلوب آنذاك هو إلغاء مؤتمر أنصار الشريعة مقابل “تكفّل حركة النهضة بضمان مغادرة شكري بن عثمان وعدم توجيه الاتهام إليه”.

كما تحدّث الردّاوي عن شخص يدعى نور الدين قندوز، الذي سبق أن قضى 16 سنة سجنًا بسبب نشاطه مع النهضة. عنصر مقرّب من راشد الغنوشي وأبي عياض، توسّط لفائدة حركة النهضة لإلغاء اعتصام السلفيين بكلية منوبة في أكتوبر 2011. في 2018، طلبت هيئة الدّفاع الاستماع إليه لتقديم إفادته حول ارتباطه بأنصار الشريعة. وزارة الدّاخلية نفت معرفتها به، لكنّ أحد المتهمين في اغتيال شكري بلعيد أفاد في سبتمبر 2022 أنّ قندوز كان المشرفع لى المجموعة التي خططت للاغتيال، إضافة إلى تمويل بعض أفرادها.

ذُكر اسم كمال البدوي ضمن الأربعة والثلاثين اسمًا المتورّطين في قضيّة الجهاز السري لحركة النّهضة المشمولين بإجراء تحجير السّفر. ولكنّ رضا الردّاوي عضو هيئة الدّفاع عن الشهيدين قال إنّ البدوي هو الوحيد الّذي لم يُنفَّذ فيه إجراء التحجير، رغم أهميّة دوره في حلقة الاغتيال، إذ تمّ رصد مكالمة هاتفيّة بينه وبين مصطفى خضر في الليلة الفاصلة بين 24 و25 جويلية 2013، تاريخ اغتيال محمّد البراهمي.

عندما سُئل قيس سعيّد خلال حملته الانتخابية (حوار مع نواة) عمّا سيفعله في قضيّة الاغتيالات السياسيّة الّتي يطغى الجانب السياسيّ منها على البعد القانوني والإجرائي، وعن استقلال القضاء، غضّ سعيّد الطرف عن الجزء الأوّل من السؤال وتوسّع في الجزء الثاني مقدّما تصوّره للمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية. في الأثناء، لم يُحسم ملفّ الاغتيالات السياسيّة، رغم القرائن التي أضافتها قضية الجهاز السري وتمسك هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي بالوصول إلى الحقيقة كاملة.