يشتمل الرّهان الرّياضي على الخطّ على بُعدَين: بُعد التكهّن بالنتائج والتعويل على الحظّ من جهة، وبُعد النّهوض بالرياضة، الّذي تحتكره الدّولة وكيفيّة تسيير الأنشطة التّابعة له، من جهة أخرى. وعادة ما تتمّ المراهنة على مقابلات كرة القدم وكرة السلّة وكرة المضرب أو سباقات الخيول وغير ذلك من الرياضات عبر مواقع أجنبيّة. هذه المواقع تتيح لمستخدميها فتح حسابات تودع بها المعطيات الخاصّة بكلّ مستخدم، ويتكهّن المتراهنون بنتائج معيّنة ويضعون مبلغًا ماليًّا يُضاعف عند الرّبح. وتُسلَّم الأرباح عبر الحسابات البنكيّة الخاصة بالمشتركين، أو عبر حساب صاحب محلّ الرهان الرياضي، الّذي يكون في أغلب الأحيان محلّ إعلاميّة مُجهّزا بالحواسيب نظرًا لطبيعة نشاطه الأصلي.

 

إطار قانوني غير مُحيَّن

 

وضع المشرّع بعد الاستقلال إطارًا قانونيّا ينظّم ألعاب الرّهان القائمة على التكهّنات، من خلال سنّ المرسوم عدد 20 لسنة 1974 المتعلّق بإقامة معارض الألعاب وألعاب البيت واليانصيب، والّذي تمّت المصادقة عليه بالقانون عدد 96 من نفس السنة. يُجرّم هذا المرسوم في فصله الأول الألعاب التي تقوم على الحظ، ويعتبرها قمارًا تُمنع ممارسته، باعتبارها نشاطًا يقوم على تحقيق ربح دون بذل جهد فكري أو بدني مقابل ذلك. في فصله الثامن، جرّم المرسوم ذاته ألعاب اليانصيب على اعتبار أنّها “كلّ عمليّة تُقدَّم للعموم وتثير لديهم أمل الرّبح عن طريق الحظّ” إمّا من خلال المسابقات أو غير ذلك.
في سنة 1984، أحدث استثناء يهمّ مسابقات التكهّنات الرياضية، عبر سنّ القانون عدد 63 المتعلّق بتنظيم وتنمية الأنشطة البدنيّة والرياضيّة. ينصّ هذا القانون في بابه  السابع على بعث مؤسّسة النهوض بالرياضة “البروموسبور“، وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة صناعيّة وتجاريّة تخضع لأحكام القانون التجاري والقانون المحدث لها، مُكلَّفة بالنهوض بالأنشطة الرياضية عبر المسابقات والتكهّنات الرياضية، تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة.

 

مساعي الدّولة في تقنين قطاع الرهان الرياضي

 

مع انتشار ألعاب الحظّ والرهان الرياضي على الخطّ، أفلتت الرّقابة على هذا النشاط من بين يدَي الدّولة، فحاولت إدراجه ضمن الأنشطة التجارية التي قد تستفيد منها الخزينة العامّة، من خلال إخضاعها للأداءات والمعاليم، مثل الضريبة على الدخل أو على الشركات -حسب طبيعة الشركة أو الشخص القائم بالنّشاط-، والمعلوم على المؤسسات بنسبة 0.2% من رقم معاملاتها، إلى جانب الخصم من المورد على أرباح المتراهنين بنسبة 25%. وقد أقرّت الدّولة في قانون المالية لسنة 2021 إلغاء الخصم من المورد، مقابل فرض معلوم على منظّمي ألعاب الرهان والحظّ بنسبة 15% يُوَظّف على أساس ناتج الاستغلال الخامّ، وهو الفارق بين قيمة الرهانات وقيمة الأرباح. ولكنّ الدّولة اكتشفت صعوبة تنظيم هذا القطاع نظرًا لغياب إطار قانونيّ ينظّمه، فألغت المعلوم المستوجب على الشركات الممارسة للرّهان الرياضي في قانون المالية 2023 ، لتعيد تفعيل الخصم من المورد بنسبة 25% على أرباح المتراهنين.
وفي الإطار ذاته، اجتمع وزير الشباب والرياضة في 25 نوفمبر 2021 مع عدد من الوزراء وبحضور مدير الشركة الوطنية للنهوض بالرياضة عادل الزرمديني وممثل عن هيئة الاتصال السمعي البصري بهدف مزيد تنظيم قطاع الرهان الرياضي الرقمي من خلال مناقشة مشروع مرسوم في الغرض يهدف إلى محاربة الفساد وتبييض الأموال ويسعى إلى الاستفادة من عائدات الرّهان وإعادة إدماجها في الاقتصاد الوطني، ولكنّ المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي استنكر ما سمّاه “انفراد الوزارة” بمناقشة هذا المشروع، على اعتبار أنّها دعت شركة النهوض بالرياضة لمناقشة مشروع هذا المرسوم، الّذي لم يرَ النّور بعد.

أخطبوط الرهان الرياضي

 

تأسّس في 23 جوان 2021 المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي التابع لكنفدراليّة المؤسّسات المواطنة CONECT، برئاسة وليد البلطي. ظهر اسم وليد البلطي لأوّل مرّة في ماي 2021، في قضيّة الوثيقة المُسرَّبة عن رئاسة الجمهورية التي تدعو إلى تطبيق الفصل 80 من دستور 2014، بصفته الممثّل القانوني لشركة beta methods التي ورد اسمها في البيانات الوصفيّة للوثيقة المذكورة.

كما ظهر اسمه مرّة ثانية في ما يُعرف بقضيّة الـ25، وهي قائمة صدرت عن المحكمة الابتدائية بتونس في 28 نوفمبر 2022، تضمّنت خمسة وعشرين اسما وُجّهت إليهم تهمة تكوين وفاق بهدف الاعتداء على الأشخاص والأملاك والتآمر على أمن الدّولة الداخلي وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة، على اعتبار أنّ البلطي أجرى اتصالات سعى من خلالها إلى تغيير الحكومة الحاليّة وإبعاد قيس سعيّد من واجهة الحكم، وفق أخبار تناقلتها بعض وسائل الإعلام.

في 1 أوت 2017، تمّ بعث موقع “بونتو1×2″ الّذي يقدّم نفسه كأوّل موقع للرهان الرياضي في تونس، وكمبادرة فرديّة للتقليل من مخاطر التهرّب الجبائي وتبييض الأموال. بونتو 1×2 هو موقع تابع لشركة كازيوال بت Casual Bet التي تأسست في 17 أفريل 2017 كمؤسّسة ناشطة في مجال الإعلامية، برأس مال بلغ ألف دينار ليرتفع في أفريل 2018 إلى 25 ألف دينار وفق السجل الوطني للمؤسسات ، يساهم في رأس مالها كلّ من رجل الأعمال والمستشار السابق لوزير الشباب والرياضة وليد البلطي بنسبة 60% والمدير التجاري السابق لشركة النهوض بالرياضة عبد الرحمان المحمودي بنسبة 40%. وقد تمّ عزل المحمودي من منصبه بموجب قرار مجلس تأديب صادر في 26 ديسمبر 2016.

كما تأسّس موقع بروموكوت Promocote.com التابع لشركة Tunibets المختصّة في الأنشطة الإعلامية وفق السجلّ الوطني للمؤسّسات، التي تأسّست 21 فيفري 2018 . ويترأّس هذه الشركة خيّام مالك، أحد أعضاء مكتب المجمع المهني لشركات الرهان الرياضي. نشر الموقع بلاغا على صفحته الرسمية يوم 11 ديسمبر 2022 يقول فيه إنّ الوحدات الأمنية داهمت مقرّ الشركة واحتفظت بالعاملين فيها، في إطار تحقيق قضائي يشمل مختلف شركات الرهان الرياضي. وهي ليست المرة الأولى التي تُطلق فيها حملات مشابهة إذ سبق أن نشرت وزارة الداخلية بلاغا في 03 مارس 2022 تقول فيه إنّ قيمة الأموال التي حجزتها في إطار حملة لمكافحة الرهان الرياضي العشوائي بلغت 581 ألف دينار بولايات تونس الكبرى وسليانة والقيروان.
وتعليقًا على العقد الّذي أبرمته شركة النهوض بالرياضة “البروموسبور” مع الشركة الإيطاليّة “سيزال” الرّائدة في مجال الرّهان الرياضي، راسل خيّام مالك رئاسة الحكومة في 04 ديسمبر 2022 يقترح فيها زيادة بنسبة 20% على العرض الذي تقدمت به الشركة الإيطالية Sisal للاستغلال الحصري للرهان الرياضي ليصبح 66 مليون دينار أي بزيادة لخزينة الدولة التونسية 11 مليون دينار، وهو ما يكشف الخلاف الكبير بين شركات الرهان الرياضي الخاصّة وشركة النهوض بالرياضة التابعة للدّولة.
حكم فقه قضاء مجلس المنافسة في مناسبتَين لصالح شركة النّهوض بالرياضة “بروموسبور”، الأولى في قضيّة رفعتها كازيوال بت في 03 أكتوبر 2019، والثانية في قضيّة رفعتها تينيبتس في 19 نوفمبر 2020، على اعتبار أنّ “تنظيم مسابقات التكهنات الرياضية مجال تحتكره الدّولة بصفة حصريّة عن طريق مؤسّسة عموميّة أُحدثت للغرض”. كما أصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في 11 أوت 2020، بلاغا دعت فيه الإذاعات والتلفزات إلى عدم بثّ ومضات إشهاريّة لمسابقات الرهان الرياضي، مستندة في ذلك على المرسوم عدد 20 لسنة 1974 وعلى القانون عدد 63 لسنة 1984. ما يفرض ضرورة إعادة النّظر في القوانين السارية وملاءمتها مع الواقع الرّقمي وفرض إجراءات صارمة لتفادي مخاطر غسيل الأموال، حيث أصدرت لجنة التحاليل الماليّة قرارًا يتعلق بالمبادئ التوجيهية لترصد المعاملات المسترابة والتصريح بها الخاصة بنوادي القمار. قرار شدد على ضرورة التعرف على هوية الحريف ونشاطه في عمليات بيع وشراء أدوات القمار في الفضاء الافتراضي، خاصة تلك التي لا تتم وجها لوجه أو التي تتم من خلال الوسائل أو الأدوات الالكترونية، ما ساهم من ناحية في بعث تطمينات إزاء اعتراف الدّولة بالألعاب والرهانات على الخطّ، مقابل التخوّف من توظيف هذه التوصية لمزيد التضييق على متعاطي هذا النّشاط.