علاوة على إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وإقرار الاقتراع على الأفراد، ينصّ المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المنقّح للقانون الانتخابي على ضرورة حصول المترشّحين على  400تزكية معرّفة الإمضاء من الناخبين، يكون نصفهم من الإناث ونصفهم الثاني من الذكور، شريطة ألاّ يقلّ عدد المزكّيات والمزكّين من الشّباب دون  35سنة عن 25%. التعريف بالإمضاء إجراء عطّل العمليّة الانتخابية منذ انطلاقها وأثار انتقادات أساتذة القانون وناشطي المجتمع المدني والسياسيّين. في المقابل، يقول محمد العوني، رئيس دائرة أريانة العليا ورئيس دائرة المنزه السادس بالنيابة لنواة، إن كلاّ من بلديّتَي أريانة العليا والمنزه السادس خصّصتا شبابيك إضافية لقبول التزكيات تحسّبًا للضغط الّذي قد يحصل على عمل الإدارة البلدية. ولكن لمتساكني أريانة آراء أخرى.

انتظار وتعطيل لمصالح المواطنين

“عملية التعريف بالإمضاء لا تستغرق وقتا كبيرا، أنا لا أفهم لماذا كل هذا البطء في إنهاء الإجراءات اللازمة من قبل موظفي البلدية” تتذمّر هالة بملامح يعلوها الاستياء وتواصل: ” العالم يتقدّم ونحن ما زلنا في عهد البيروقراطية، حيث يجب على المواطن أن يقضي يومه أمام طوابير الإدارات التونسية لساعات طويلة، هذا مخجل جدًّا.”

لم تكن هالة إحدى مزكيات مرشحي الانتخابات التشريعية، ولكنّها بقيت تنتظر لمدة ساعة ونصف أمام بلدية دائرة أريانة العليا لتتمكن من إمضاء عقد عملها الجديد. أمّا رانية، فقد بقيت تنتظر 45 دقيقة حتى يأتي دورها في طابور عملية التعريف بالإمضاء أمام بلدية أريانة المدينة. هي تمقت الانتظار خاصة حينما يتعلق الأمر بقضاء شؤون إدارية. استغلت رانية عطلة أسبوعها الاعتيادية يوم الجمعة لتزكية صديقتها المترشحة على دائرة أريانة المدينة، مؤكّدة أنّ عمليّة جمع التزكيات كانت صعبة ولم تتمكن صديقتها من جمع العدد المطلوب إلى حدّ الآن:

أعتبر شرط التزكيات معرقلا لعملية ترشح أكثر عدد ممكن من المواطنين للانتخابات التشريعية وضمان مشهد سياسي أكثر تعدّدية، ونحن في أمسّ الحاجة لذلك بعد التجارب السابقة. أعتبر المرور بالبلدية للتعريف بالإمضاء مهزلة، خاصة أن خدمات البلدية بطيئة جدا. كما أن فترة جمع التزكيات قصيرة جدا، ولم أتوقع شخصيا أن تكون الأمور معقدة بهذا الشكل. أرجو فعلا أن تتمكن صديقتي من جمع العدد الممكن من التزكيات فهي تمثلني شخصيّا وفي حال لم تتمكن من الترشح سأقاطع الانتخابات.

الانتقادات التي توجّهت لشرط التزكية والتعريف بالإمضاء لدى البلديات لم تقتصر فقط على المواطنين الراغبين في قضاء شؤونهم الإدارية أو على الراغبين في إيداع تزكياتهم معرّفةً بالإمضاء، بل شملت كذلك المترشّحين أنفسهم.

جمع التزكيات: السهل الممتنع

في محادثة هاتفية قبل يوم من غلق باب الترشحات للانتخابات التشريعية، يبدي حبيب، أحد المترشحين للانتخابات التشريعية على دائرة أريانة، انزعاجه الشديد من جمع التزكيات. ويقول لنواة إنّه كاد يجمع العدد المطلوب للتزكيات، لولا اكتظاظ مقرّ بلدية أريانة المدينة منذ الإعلان على شرط التعريف بالإمضاء لتزكية المرشحين:

جمع التزكيات عملية شاقة جدا ومعقدة بالنسبة إلى كل المترشحين على دائرة أريانة المدينة، خاصة وأن التعريف بالإمضاء يتمّ خلال التوقيت الإداري الّذي لا يتماشى مع وقت العمل للراغبين في تزكية المرشّحين، وهو ما حال دون وصولي للعدد المطلوب من التزكيات إلى حد الآن، وجعل عددا ممّن كانوا يرغبون في تزكيتي كمرشح يعدلون عن القيام بذلك.

وفي نفس السياق، أكد حبيب أن البلديات ليست متعاونة بشكل جيد، مُشيرا إلى أنّ إحدى النساء واجهت صعوبة مع بلدية النصر، حيث رفض العون المسؤول على التعريف بالإمضاء القيام بمهامه مبررا ذلك بوجود مكاتب تقوم بذلك مجانا.

في المقابل أكد محمد بلال، أحد المترشحين للانتخابات التشريعية وعضو المجلس البلدي بالمنيهلة، وفي نبرة صوته نوع من الفخر، أن عملية جمع التزكيات لم تكن بالمعضلة الكبيرة بالنسبة إليه. وحسب تصريحه لنواة، فقد اعتمد على مساندة عائلته وأصدقائه، مضيفًا أنّه فضّل إيداع ترشّحه المشفوع بقائمة المزكّين في المعتمديّة بدلا عن مقرّ البلديّة، رغم أنّه مساعد رئيس بلديّة المنيهلة.

التعريف بالإمضاء: شرّ لا بدّ منه؟

أكد الخبير بالعمل البلدي أحمد قيدارة في تصريح لنواة أن إجراء التعريف بالإمضاء يتطلب مجهودا إضافيّا من البلديات ويؤثر على إسداء الخدمات للمواطنين، نظرا لعدد التزكيات المطلوب من كل مترشح. كما أشار إلى الاتهامات الّتي تُوجَّه لرؤساء بلديات، في سعي منهم لاستمالة بعض المزكّين وتغيير مسار تزكياتهم من مترشح إلى آخر. أمر من شأنه أن يؤثّر سلبًا على شفافية العملية الانتخابية. وذكّر قيدارة أن التعريف بالإمضاء هو الشكل القانوني الوحيد المتاح للتأكد من سلامة التزكية.

في المقابل أشار الخبير، أنه كان من الممكن اعتماد وسائل أخرى مثل الإمضاء الإلكتروني لتفادي إشكالية الاكتظاظ في البلديات وتسهيل الأمور على المترشحين.

بعد غلق المكاتب الرئيسية للترشحات يوم 24 أكتوبر الجاري في السادسة مساءً، بلغ العدد الجملي للترشحات 1249 ترشّحا وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. هذا الرقم يُشبه في رمزيّته عدد المقبلين على الاستشارة الوطنية التي شارك فيها 534 ألف شخص، والتي تُوّجت بدستور صوّت عليه 30% فقط من جملة المسجّلين في دفاتر الهيئة. مؤشّرات تؤكّد تعثّر المسار منذ انطلاقه وضبابيّة الرؤية بالنّسبة إلى المترشّحين والناخبين على حدّ السواء.