غادرت نادية عكاشة قصر قرطاج، وكانت قد أعلنت عن انتهاء مهمتها بكلمات مقتضبة تحدثت فيها عن “وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للبلاد. وتربط تقارير صحفية وبعض ما يبوح به الحزام المقرب للرئيس هذا الخلاف بتوفيق شرف الدين، الذي قيل إنه كان الغريم الأقوى لعكاشة.

محام يتجنب السياسة

في شهر سبتمبر 2020، فاز توفيق شرف الدين بمنصب وزير الداخلية ضمن لائحة أعضاء الحكومة الجديدة تحت إدارة هشام المشيشي التي صوت لها البرلمان. لكن لم تمض ثلاثة أشهر حتى أقال المشيشي شرف الدين في 5 جانفي 2021، إثر سلسلة من الإعفاءات قام بها وزير الداخلية آنذاك دون الرجوع إلى رئيس الحكومة السابق. وكانت تلك الإقالة بمثابة إنذار حرب بين سعيد ورئيس حكومته، والتي أدت إلى إقالة المشيشي في 25 جويلية 2021. بعد شهرين من الإقالة، كافأ  قيس سعيد توفيق شرف الدين بتعيينه على رأس الهيئة العليا لحقوق الإنسان، وهو منصب شرفي، بامتيازات وزير .

تشبث قيس سعيد بتوفيق شرف الدين  وأعاده إلى منصبه على رأس وزارة الداخلية في  شهر أكتوبر الماضي، وبدا أن الرجل أكثر قربا من الرئيس مما يتوقع، فهو لم يكن مجرد ورقة تصفية حسابات بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة المشيشي. ورغم أنه كان يخشى الصراعات السياسية والتجاذبات، إلا أن شرف الدين  قبِل بمنصب وزير على رأس أكثر الوزارات المثيرة للجدل. في حين أنّه لم يتحمل حين كان محاميا، التجاذبات السياسية داخل فرع هيئة المحامين بسوسة وترك منصبه بالفرع، في الوقت الذي رماه قيس سعيد داخل أتون تغذيه التجاذبات ، هو وزارة الداخلية.

تموقع جهوي

يقول محام بفرع هيئة المحامين بسوسة، فضّل التحفظ على هويته، في تصريح لنواة إن توفيق شرف الدين كان عضوا في فرع الهيئة بسوسة في 2013، لكنه استقال بعد بضعة أشهر من منصبه بسبب خلاف مع بعض أعضاء الفرع. ويضيف المحامي المذكور : “لم يكن توفيق شرف الدين منغمسا في السياسة، بل لم تكن له أنشطة أو مواقف سياسية تذكر، حتى أن استقالته كانت بسبب عدم تحمله التجاذبات والخلافات السياسة داخل فرع الهيئة بسوسة”.

ووصف محام آخر في تصريح لـنواة توفيق شرف الدين بأنه محام غير معروف سوى في جهة سوسة، وبأنه لم يسجّل له أي موقف بارز يُذكر، ولكنه عُرف في مجالين ضيقين وهما قيادته حملة الرئيس قيس سعيد في الجهة، وكرة القدم الخاصة بالمحامين، رغم أنه بدأ حياته المهنية في العام 1996، أي في أوج سلطة الرئيس الأسبق بن علي، فترة خاض فيها المحامون معارك سياسية وقطاعية كبرى. ويبدو من خلال تصفح سيرته الذاتية المقتضبة أنّ توفيق شرف الدين خيّر السّير في الظّل، حتى أنّ حصوله على الماجستير المهني كان في 2011، وذلك في تخصص العقود والخدمات بكلية الحقوق بسوسة.

في المقابل، فاق طموحه الرياضي في مجال كرة القدم طموحه السياسي وحتى المهني، فهو عضو باللجنة القانونية لرابطة الوسط لكرة القدم  منذ العام 2016، كما ساهم في “بعث وتنظيم أول بطولة لكرة القدم للمحامين في موسم 2018 و2019” حسب ما نصت عليه سيرته الذاتية، إضافة إلى إنجازات رياضية أخرى أبرزُها  الحصول على أول كأس إفريقية لكرة القدم للمحامين، ومشاركات كثيرة في دورات دولية في كرة القدم في أوروبا، منها دورات كأس العالم لكرة القدم للمحامين.

فُتح الباب للوزير “الرياضي” على مصراعيه ليكون أكثر الفاعلين في حكومة بودن رغم غياب خبرته السياسية، بل وخوفه منها. يقول محام في تصريح لـ”نواة” : “نعلم أن توفيق شرف الدين هو  صديق قيس سعيد الذي درّس في كلية القانون في سوسة. كما أن علاقة شرف الدين القوية بسعيد ترجع إلى علاقته بالمحامية عاتكة شبيل، المقيمة في سوسة، وهي  شقيقة إشراف شبيل زوجة الرئيس سعيد”.

اكتفى قيس سعيد بقرب شخصي من توفيق شرف الدين في الوقت الذي تحدث فيه موقع “أفريك إنتيليجنس”، عن دفع كبير يتلقاه توفيق شرف الدين على أساس جهوي. فهو وإن ولد في إحدى قرى القيروان فقد ركز عمله بسوسة كما تربطه علاقات صداقة بأصيلي الساحل مثل عاتكة شبيل شقيقة زوجة الرئيس وهي أصيلة طبلبة من ولاية المنستير، ولطفي براهم الأمني الطموح ووزير الداخلية السابق أصيل ولاية سوسة.

لطفي براهم، ظل توفيق شرف الدين

في 28 جانفي 2022، نسب موقع حقائق أونلاين خبرا  إلى مصادر موثوقة يقول إن قيس سعيد سوف يجري تحويرا وزاريا قريبا وأن لطفي براهم قد يتسلم حقيبة الداخلية. في المقابل، تداولت صفحات على فايسبوك خبر تعيين لطفي براهم مديرا عاما للأمن الرئاسي. لم يخفت اسم لطفي براهم الذي أقاله رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في العام 2018، بعد مأساة غرق مركب مهاجرين غير نظاميين في سواحل قرقنة. بينما ترجع وسائل إعلام أجنبية تلك الإقالة إلى معلومات تتهم براهم بالتخطيط لانقلاب على الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي بدعم من الإمارات.

لم يظهر لطفي براهم جنبا إلى جنب مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين. لكنّ العديد من المصادر تتفق على ذلك، فلطفي براهم وزير الداخلية الأسبق في حكومة يوسف الشاهد أبدى طموحا  سياسيا كبيرا ولقي دعم من أبناء الساحل خلال  “معركة” إزاحة ابن جهته عبد الرحمان الحاج عليى الذي كان يشغل منصب المدير العام للأمن الوطني من فرصة تعيينه في منصب وزير داخلية حكومة الشاهد في 2017، كما لم يغب اسم براهم عن الساحة السياسية منذ إقالته من قبل الشاهد، حتى أن اسمه طرح ثلاث مرات لتقلد مناصب أمنية عليا، الأولى حين كان سعيد يبحث عن بديل لإلياس الفخفاخ في منتصف 2020، والثانية في بداية 2021، حين تحدثت وسائل إعلام تونسية عن إمكانية عودة براهم في منصب مدير عام للأمن الرئاسي، والثالثة في جانفي الماضي. يقول أحد المقربين من الحزام الضيق الذي يحيط بالرئيس في تصريح لنواة إن “علاقة لطفي براهم بتوفيق شرف الدين لا تتعدى مجرد استشارة براهم في الملفات الأمنية بالنظر إلى خبرة هذا الأخير في مجال الأمن وإدارته”.

قرب لطفي براهم من توفيق شرف الدين لا ينفيه مقربون من الرئيس في الوقت الذي يتحدث فيه بعضهم بغضب كبير عن نادية عكاشة غريمة شرف الدين التي قد تكون لها علاقة بيوسف الشاهد غريم لطفي براهم.

حرب باردة ضدّ نادية عكاشة

لا يخفى على متابعي شؤون قصر قرطاج أن يدا قوية قد كسرت الود الكبير بين الرئيس قيس سعيد ونادية عكاشة. وينسب موقع “أفريك إنتيليجنس” تلك اليد إلى وزير الداخلية توفيق شرف الدين، حتى أن الحديث عن وجود شقّين في القصر يتزعّم أوّلهما توفيق شرف الدين، فيما يُنسَب الثاني إلى نادية عكاشة، بات جد محتملٍ خاصة بعد خروج نادية عكاشة من القصر والذي تضاربت المعلومات بخصوص توصيفه ما إذا كان استقالة كما زعمت عكاشة أم إنهاء مهامّ كما بيّن الرائد الرسمي. حسب موقع “أفريكا أنتيليجينس”، فإن توفيق شرف الدين تولى بنفسه تقديم لائحة جهات محتملة على اتصال بعكاشة بما في ذلك قطر في صيف 2021، وهو ما تسبب في إقالتها.

وحسب الموقع نفسه، فإن توفيق شرف الدين كان قد استجاب لطلب قيس سعيد باقتراح لائحة لتعويض أغلب قيادات وزارة  الداخلية وهم مدير الأمن الوطني والأمن العمومي ووحدات التدخل والوحدات الخاصة في 19 أوت 2021، قبل تنصيبه وزيرا للداخلية بقرابة الشهرين، و استخدم الرئيس سعيد القائمة التي أعدها توفيق شرف الدين بدلا من قائمة قدمتها نادية عكاشة قبل ذلك.

يقف مقربون من الرئيس قيس سعيد، وهم محرار تقريبي لما يحدث في القصر الرئاسي، في الخط ذاته الذي يقف عليه توفيق شرف الدين حين وُضعت نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي السابقة في مرمى الاتهامات، حتى أن وجوها ممّا يسمى بالحزام المقرب من الرئيس سعيد أعلنوا في مجالس خاصة عن غضبهم من عكاشة ووصل القول بهم إنها “تستحق الطرد وبأنها كانت ضمن حملة انتخابية لحزب قلب تونس نبيل القروي وأن الاستعلامات قد كشفت تنسيقها مع قطر إضافة إلى علاقتها بيوسف الشاهد”.