وقد طلبت الحكومة رسميا من صندوق النقد الدولي في 19 أفريل 2021 برنامجا تمويليا بناء على برنامج إصلاح اقتصادي ستعرضه على الصندوق خلال زيارة الوفد الحكومي لواشنطن في 3 ماي.

مطبات على الطريق

أجرت الحكومة التونسية بالشراكة مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام التونسي للشغل وخبراء اقتصاديين، منذ 17 مارس وعلى امتداد ما يقارب شهر ونصف، ما أسمته ” حوارا اقتصاديا” للبحث عن حلول لمشاكل الاقتصاد التونسي وإصلاح المؤسسات العمومية ورفع منظومة الدعم عن الطاقة والمواد الأولية وخفض كتلة الأجور، إلا أنه عرف انسحاب الأمين العام للاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي.

هذا ويعيش الاقتصاد التونسي، منذ عشر سنوات تقريبا، صعوبات هيكلية كبيرة تتعلق أساسا بالمؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية المثقلة بالديون غير المسددة، وتراجع الاستثمار والتصدير وخلق الثروة، وهو ما اضطر الحكومات المتعاقبة لطلب القروض الداخلية (المؤسسات المالية والبنوك التونسية) والخارجية (صندوق النقد الدولية، البنك العالمي، دول الجوار والدول الأوروبية…).

كما أن العثرات الاقتصادية أدت لتراجع تصنيف تونس الائتماني من B2 إلى B3 مع الاحتفاظ برؤية أو توجه سلبي للمستقبل، وهو ما يعتبر تصنيفا خطيرا جدا يأتي درجة واحدة قبل تصنيف المخاطر العالية C وإعلان الإفلاس، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الترقيم مودييز في 23 فيفري 2021.

وتحصلت تونس في عدة مناسبات، ومنذ سنة 2013، على عدة قروض من صندوق النقد الدولي والدول المانحة وصناديق تنموية إقليمية إلا أنها لم تستجب لكامل تعهداتها الدولية ما دفع صندوق النقد الدولي لوضع شروط كثيرة وصعبة التحقيق أمام الدولة التونسية في حال تقدمت بمطلب لبرنامج تمويلي.

وكان القرض الذي حصلت عليه تونس في سنة 2016 من صندوق النقد الدولي أبرز مثال على غياب الاستراتيجية طويلة الأمد في التعامل مع القروض الأجنبية وعدم قدرة البلاد على تقديم جميع التنازلات التي يتطلبها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، خصوصا فيما يتعلق ببرنامج رفع الدعم والتخفيض في كتلة الأجور وبيع مساهمة الدولة في المؤسسات العمومية.

للتذكير، نص اتفاق 2016 بين صندوق النقد الدولي والحكومة التونسية على منح تونس تمويلات تبلغ قيمتها 2,9 مليار دولار على مدى أربع سنوات، لتنمية اقتصادها الذي عرف ركودا في السنوات الأخيرة، إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بعض المنشآت السياحية وأثرت مباشرة في الاقتصاد التونسي، إلا أن حكومة يوسف الشاهد لم تنفذ كامل بنود الاتفاق من خلق مواطن شغل مستدامة ودفع عجلة النمو للمحافظة على استقرار اقتصادي نسبي، وهو ما أدى في نهاية الأمر لتخلي الصندوق عن تمويل بقية البرنامج المقدرة قيمته بــ 1.2 مليار دولار.

كما حصلت تونس في سنة 2020 على قرض بقيمة 745 مليون دولار لدعم اقتصادها المتضرر بسبب جائحة كورونا، إذ قدم صندوق النقد الدولي تسهيلات في الدفع وتعهدت الحكومة التونسية بإصلاحات أخرى إلا أنها لم تلتزم بها فيما يخص دعم قطاع الصحة والاهتمام بالفئات الضعيفة و الشروع بإيجاد حل لكتلة الأجور في الوظيفة العمومية وإصلاح منظومة الدعم والمؤسسات العمومية، بحسب الخبير الاقتصادي عز الدين السعيداني الذي يرى كذلك إن عدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي يضع تونس في مواجهة صعوبات شديدة خلال الفترة القادمة.

مُقرض الملاذ الأخير

يرى عز الدين سعيدان، في حديث لـ”نواة” أن استفحال الدين العمومي والدين الخارجي هو ما جعل تونس تصل لوضعية التداين غير المستدام، مما يعني الشك في قدرة تونس على سداد ديونها.

في 2013 بدأت الأوضاع المالية والاقتصادية والمالية تسوء، وبدأت إمكانية الاقتراض من السوق المالية والدولية تصعب، ومستوى الدين العمومي الخارجي بدأ يرتفع بنسق سريع، فالتجأت تونس لصندوق النقد الدولي من جديد، هو جزء من منظومة الأمم المتحدة ومُقرض الملاذ لأخير، وهذا يعني أنه إذا لم يقدم الصندوق قروضا لدولة ما فإنه لن يتم إقراضها من أية جهة أخرى، “لذلك يطلب الصندوق برنامج إصلاحات مسبق لأنه يريد التأكد من أن التسهيلات المالية تؤدي لإنقاذ الاقتصاد المعني بها”.

وأشار سعيداني أنه لما قام صندوق النقد بمراجعة ملف تونس في 2021 أصدر تقريرا تحدث فيه عن المساعدات المالية التي قدمها لتونس ولكنها لم تلتزم بها، ووضع خمسة شروط لاستئناف التعامل مع بلادنا فيما يخص برامج التمويل. أولها مصارحة الشعب التونسي بخطورة الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد. وثانيا، اتخاذ إجراءات حازمة فيما يخص كتلة الأجور (يوسف الشاهد رئيس الحكومة السابقة ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي تعهدا للبنك الدولي بأن كتلة الأجور لن تتجاوز 12.4 من الناتج الداخلي الإجمالي إلا أنها الآن أكثر من 17 بالمائة). ثالثا، التخفيض من قيمة الدعم على المحروقات لمستوى 1.5 كحد أقصى ليصل مع حكومة المشيشي إلى 5 بالمائة، وهو ما لاحظناه في الزيادات المرتفعة في أسعار الوقود بقيمة 100 مليم للتر البنزين مثلا.

خامسا، إعداد مشروع إستراتيجية إصلاح اقتصادي كاملة وشاملة اشترط الصندوق أن تصادق عليها الحكومة والبنك المركزي والمجتمع المدني (اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ومجلس نواب الشعب وشركاء تونس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة).

ورأى المحلل الاقتصادي أنها تعتبر “شروط صعبة جدا”،  مضيفا “وقد راسل رئيس الحكومة صندوق النقد في 19 أفريل للمطالبة بتسهيلات مالية وكانت إجابة الصندوق واضحة بأنه لن يفعل شيئا بهذا الخصوص قبل أن ترسل الحكومة التونسية برنامجها للإصلاح وتدرسه لجنة فنية ثم يعرض على الهيئة التنفيذية للصندوق قبل اتخاذ القرار”.

موقف رسمي مشتت واضطرابات سياسية في الأفق

تونس مطالبة بدفع 16.3 مليار دينار من القروض المستحقة من ميزانية 2021، في المقابل فإن الدولة  في حاجة لقروض جديدة بقيمة 18.7 م د منها 13.1 م د من الخارج بالعملة الصعبة.

في هذا السياق، يعتبر عز الدين سعيداني أن التصنيف الائتماني 3 B ذو التوجه السلبي لتونس وغياب الموقف الموحد أمام المانحين الدوليين وصعوبات سنة 2020 بسبب جائحة كورونا ونسبة النمو السلبية 8.8 -بالمائة مع تفاقم نسبة البطالة والفقر، كلها عوامل ستصعب من عملية الاقتراض خصوصا إذا لم يكن لبلادنا برنامج إصلاح اقتصادي ملائم لصندوق النقد الدولي.

ونبّه سعيدان إلى أن الاستجابة لشروط الصندوق يمكن أن تؤدي لاضطرابات سياسية وتبعات اجتماعية صعبة جدا خاصة في ظل انخفاض كبير في المقدرة الشرائية وارتفاع نسبة الفقر، وتساءل ” كيف للمواطن التونسي أن يتحمل هذه الأوضاع إذا اتجهت تونس لمزيد من إجراءات التقشف”.

وخلص للقول بأن الحل لهذه المعضلة سياسي بالأساس “لأننا نخاطب الجهات المانحة بخطاب مشتت من عدة جهات رسمية (الحكومة والبنك المركزي واتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية(، مضيفا “لقد سبق وأن اقترحنا هدنة لكي يعيد الاقتصاد التقاط أنفاسه لكن هذا الأمر لم يحدث”.

بالرغم من أن مشاكل البلاد العميقة هي اقتصادية بالأساس لكن يبدو أن حلها لن يخرج من المربع السياسي، فمهما كانت نجاعة ما يسمى بـ”برامج الإصلاح الاقتصادي” ومهما كانت مقبوليتها لدى المانحين الدوليين إلا أنه لا مناص من الاستقرار السياسي من أجل إنقاذ البلاد.