المشكل الرئيسي الذي يشتكي منه صغار الفلاحين، الذي يمثلون 90 بالمائة من مربي الأبقار والطيور، هو ارتفاع تكلفة إنتاج اللحوم والحليب، والتي لا تتناسب مع أسعار البيع، مما لا يترك للفلاحين إلا هامشا قليلا للربح وأحيانا يتم البيع بسعر التكلفة.

عبد الكريم داود، رئيس نقابة الفلاحين، قال لـنواة 

المشكلة أيضا أننا ركزنا على الأعلاف المتكونة من الذُرة والصوجا التي يتم توريدها بالعملة الصعبة، وأسعارها تتأثر بالأسعار العالمية، ولذلك نحن ماضون في اتجاه الزيادة في الأسعار.

وأضاف “التغذية الحيوانية تمثل تقريبا 70 بالمائة من كلفة الإنتاج سواء بالنسبة للتر الحليب أو كلغ اللحم، وبالتالي كل زيادة في سعر الأعلاف الحيوانية تنعكس سلبا على كلفة الإنتاج، وتتطلب بالمقابل زيادة في سعر الحليب واللحوم حتى لا يتضرر الفلاح”.

إلى ذلك، لا يوجد دعم من الدولة موجه للفلاح الصغير في حال ارتفعت تكلفة الإنتاج وغاب هامش الربح عند قبول الحليب مثلا. الدعم العمومي موجه فقط لنوعين من الأعلاف وهما السداري والشعير ولا يشمل أغلبية الأعلاف الخشنة الضرورية لإنتاج الحليب واللحوم مثل الصوجا والفصة والذُرة التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة عن طريق الخواص وتخضع لتقلبات الأسعار في السوق العالمية ونسبة التضخم الاقتصادي والمضاربات الداخلية بين كبار التجار والمجامع المهنية.

هذا وقد بيّن لنا رئيس نقابة الفلاحين كيف أنه وصل الأمر بالفلاح لخسارة 150 مليم في سعر اللتر من الحليب “ولهذا على الدولة أن تفكر جديّا إما في دعم الفلاح عند عدم تلاءم تكلفة الإنتاج مع سعر البيع أو دعم المستهلك في هذه المادة الحيوية”.

من يحتكر إنتاج الأعلاف وتوزيعها في تونس؟

“المسألة لها علاقة بالسيادة الغذائية التي تضررت بسبب استيراد الأعلاف من الخارج بالعملة الصعبة، من غير المعقول أن البلاد تعيش عدة أزمات اقتصادية ومالية وغذائية وتسمح بإخراج العملة الصعبة لشراء الأعلاف للأبقار”، هذا الموقف الذي أشار من خلاله، العضو المؤسس لمرصد السيادة الغذائية والبيئية، حبيب العايب، بطريقة غير مباشرة، إلى تبديد المجامع المهنية الخاصة للعملة الصعبة من أجل جلب العلف للحيوانات يشكل مدخلا مهما لفهم آلية انتاج الأعلاف المركبة وتوزعيها وطريقة تحديد أسعارها.

تهيمن شركات إنتاج الأعلاف الخاصة على مختلف مسالك استيراد وإنتاج وبيع الأعلاف منذ دخولها لتونس في حالتها الأولية حتى رحيها وخلطها ووضعها في الأكياس. وبالإضافة للاتهامات الموجهة لهذه الشركات بالتلاعب بالأسعار وكميات الإنتاج، فإن البعض منها يتلاعب بتركيبة هذه الأعلاف وخلطها بمواد غذائية أخرى غير علفية مثل المعجنات، “بل وصل بهم الأمر لخلطها بالرمل والحصى” مثلما أفادنا به فلاحون من أولا جاب الله وهو ما عاينته نواة على عين المكان.

نشير في هذا السياق بأننا حاولنا أكثر من مرة وبأكثر من طريقة الاتصال بمدير قسم الإنتاج الفلاحي في وزارة الفلاحة لتقديم موقف الوزارة من كل هذه المسائل، إلا أنه رفض الإجابة على اتصالاتنا تماما. هنالك شكوك واتهامات موجهة لبعض المسؤولين في الوزارة المعنية بالتواطؤ مع منتجين الأعلاف المحتكرين للسوق عبر الصمت على التجاوزات على مستوى جودة الأعلاف وطريقة توزيعها.

اثنا عشر شركة من بينها 7 شركات تتبع لمجمع “بولينا” والبقية موزعة بين شركة “ألفا” و”الشركة المتوسطية للحبوب”، تورد 80 % من الأعلاف في حين تورد الشركات الأخرى الـ20 % المتبقية، بحسب تصريح سابق لمدير الموارد العلفية والمراعي بوزارة الفلاحة، كمال خليفة لجريدة الصباح. وهذا ما يخول لها مجالا واسعا لتحديد الأسعار لا بحسب تقلبات السوق العالمية فقط ولكن كذلك بحسب استراتيجياتها الربحيّة، وهذا تحديدا ما يجعلها مستفيدة في كل الأحوال سواء خلال إنتاج وبيع الأعلاف أو عند إنتاج اللحوم والدواجن مثلما هو الحال مع شركة “بولينا”.

وبالتالي، فإن المجامع المهنية الكبرى المحتكرة لاستيراد وإنتاج وتسويق العلف، لها ربح مضاعف من إنتاج الأعلاف، بما أنها لا تكتفي بتجارة الأعلاف فقط، وإنما تستفيد من التكلفة المنخفضة لإنتاجها، عبر شركات اللحوم التي تمتلكها.

الاحتكار في قطاع إنتاج وبيع الأعلاف لا يقتصر فقط على هذه الشركات، بل وصل لأعتاب وزارة الفلاحة. فأعلاف مثل السداري، المدعومة من قبل الدولة التي تشرف على توزيعه عبر ديوان الحبوب لم يعد يباع للفلاحين بشفافية ولا يعطى حسب الحصص الطبيعية للجهات والفلاحين المعنيين. مثلما كان يحصل في السابق أخذا بمقاييس أعداد القطعان والتلاقيح. بل تحوّل “السدّاري إلى منظومة فاسدة، إذ كان يعطي من قبل بالبونوات عن طريق ديوان الحبوب، ولكن منذ تدخل اتحاد الفلاحين وجهات أخرى، أصبحت عمليّة التوزيع كارثية وتتم بطريقة غير عادلة”، مثلما أوضح لنا كريم داود. بالمقابل، أردنا الحصول على إجابات من رئيس اتحاد الفلاحين أو أي عضو في الاتحاد إلا أننا لم نحصل على أي رد من قبلهم.

اتحاد الفلاحين متهم ليس فقط من نقابة الفلاحين، وإنما كذلك من الفلاحين الصغار الذين يتهمونه بالتواطؤ والصمت على احتكار إنتاج الأعلاف وارتفاع أسعارها.

هل من بدائل ؟

العديد من الاقتراحات والمقاربات طرحت لحل قضية الأعلاف بهدف إنصاف الفلاح الصغير وقف نزيف إهدار العملة الصعبة لاستيراد مواد يمكن انتاجها محليا وبأقل تكلفة وبنتيجة مرضية لجميع الأطراف التي لها علاقة بقطاع الأعلاف. ولكن تبقى الحلول، حسب خبراء القطاع، مرتبطة بمدى تفاعل الدولة مع المقترحات والمبادرات المقدمة.

حبيب العايب، من مرصد السيادة الغذائية والبيئة، يرى أن سبب أزمة الأعلاف في تونس هي “سياسة الدولة التي شجعت على تربية قطعان الأبقار والماشية ثم تأتي الآن لتقول لهم أنه لا يوجد أعلاف”. وأضاف

أرى أنه يجب التقليل من انتاج اللحوم واستهلاكها، وهو ما سيؤدي للتقليل من إنتاج الأعلاف المركبة ومن توريدها، وبالتالي تخفيض من كميات العملة الصعبة التي تخرج من تونس من أجل شراء الأعلاف.

وأشار العايب إلى أن المشكلة تكمن في التركيز على اللحوم كمادة غذائية أساسية “يجب على الدولة أن توقف استيراد الأعلاف على مدى ستة أشهر أو سنة، وإعلام الفلاحين بذلك حتى يتصرفوا في قطعانهم بالبيع أو أي شيء آخر”.

من جانبه، اعتبر كريم داود أن الحل يوجد في دعم الإنتاج العلفي وتأطير الفلاحين لكسب الخبرات والمهارات اللازمة لزيادة الإنتاجية والإنتاج.وتابع

تنقصنا المراعي والقرط المنتج بجودة عالية، لا بد من استراتيجية مستقبلية تدعم انتاج الأعلاف خاصة الخشنة التي تدر الحليب مثل الفول المصري والبقوليات والأعلاف الخضراء، وهو ما سيؤدي في النهاية لانخفاض أسعار الأعلاف.

بالرغم من المشاكل والاحتكار الذي يهيمن على قطاع إنتاج وبيع وتوزيع الأعلاف في تونس، إلا أن الحلول والاستراتيجيات موجودة ومتعددة، فقط تنقصها الحلقة الأهم في هذه السلسلة، وهي الدولة الغائبة الحاضرة.