دخلت تونس منذ أسبوعين في مسار جديد لحلّ مشكل النفايات الإيطالية بعد أن توقّف مسار اتفاقية بازل الدولية بشأن التحكم في نقل النفايات الخطيرة عبر الحدود والتخلص منها، بما أن المادة الثامنة من المعاهدة الدولية تنص أنه على الدولة المعنية بإعادة النفايات أن تضمن إرجاعها إلى دولة التصدير عن طريق المصدر، إذا تعذر وضع ترتيبات بديلة للتخلص منها بطريقة سليمة بيئياً خلال 90 يوماً من تاريخ قيام دولة الاستيراد بإبلاغ دولة التصدير والأمانة أو خلال فترة زمنية أخرى تتفق عليها الدول المعنية.

مسارات قانونية

إلا أن اتفاقية بازل لم تقتصر على المادة الثامنة فقط لمعالجة هذا النوع من المشاكل بين الدول حول التعامل مع النفايات المصدرة، إذ تعطي المادة عشرين من نفس الاتفاقية نافذة ثانية لحل الخلاف بين تونس وإيطاليا بالطرق القانونية المستحقة، خصوصا وأن عملية تصدير 12 ألف طنا من النفايات مخالفة للمعاهدات الدولية حسبما ما جاء في الصحيفة الإيطالية DinamoPress. لكن هذه النافذة لن تكون مفتوحة لحل هذه المعضلة البيئية بالطرق الطبيعية التي يكون فيها القانون في صالح بلادنا، فالموقف الرسمي يتجه نحو تسوية النزاع عبر التفاوض الدبلوماسي بين البلدين، وإذا لم ينجح الطرفان في التوصل لحل في هذا الإطار يتم اللجوء ساعتها لمحكمة العدل الدولية والتحكيم الدولي، مثلما أقر بذلك يوسف الزيدي مدير البيئة الصناعية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة.

موقف متخاذل

وزارة البيئة في تونس قامت بالتنسيق مع الجانب الإيطالي منذ أكتوبر 2020 لإعادة النفايات وقدمت طلبا في ذلك مرفوقا بكل المستندات الضرورية التي تبين مخالفة عملية تصدير النفايات لتونس للقوانين الدولية، ولم تجبها السلطات الإيطالية إلا في نوفمبر عندما بدأت تسأل وتطلب معطيات حول الموضوع. وفي 09 ديسمبر، طالبت الشركة المصدرة بإعادة استرجاع النفايات غير أن الشركة الإيطالية اعترضت على هذا الطلب وعكست الهجوم واشتكت بوزارة البيئة الايطالية وبكل الأطراف المعنية أمام المحكمة الإدارية الايطالية لتحميلهم المسؤولية وتوقيف التنفيذ أو تأجيله، بحسب ما جاء في كلام يوسف الزيدي مدير البيئة الصناعية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة خلال مقابلة أجرته معه إذاعة شمس اف ام.

ويضيف يوسف الزيدي بأن القضاء الإيطالي فتح بحثا لمزيد التثبت في الموضوع، وأن الدولة الإيطالية طلبت من تونس القيام باختبار للتثبت من نوعية النفايات يقوم به خبراء ايطاليون وتونسيون. إلا أن تونس رفضت قطعيا هذا الطلب لأنها ليست في مجال إثبات النفايات وإنما ارجاع النفايات، كما طلبوا شركة تونسية مختصة لحرق النفايات والتخلص منها ودفع التكاليف لكن تم رفضه ورفض أي طريقة لحل الملف غير إرجاع النفايات بكاملها إلى الجهة الإيطالية، “وكان اتجاه الحكومة التونسية يقوم على اعتماد الطرق الدبلوماسية”.

عضو الهيئة المديرة بالمنتدى الاجتماعي والاقتصادي التونسي، منير حسين، قال لنواة أن الموقف الرسمي التونسي متخاذل والطرق الدبلوماسية مشكوك فيها ولن تؤدي لنتائج، وستنتهي بالقبول بتعويضات لصرفها في التخلص من النفايات، مشيرا إلى أنه لن تقبل أي شركة نقل بحرية بإيصالها لأنها عملية محفوفة بالمخاطر إذ يمكن أن لا يتم قبولها من الدولة المستقبلة كما لا يحق للشركة الناقلة إلقائها بالبحر.

لماذا الغموض والتكتم؟

وزارة البيئة والشؤون المحلية لم تقدم الكثير من المعطيات منذ بداية الأزمة ما عدى بيان صدر بتاريخ 27 جانفي 2021 لتقدم فيه معلومات متداولة حول تواصلها مع السلطات الإيطالية لإعادة تصدير النفايات والتنسيق مع أمانة اتفاقية “بازل” وأمانة “اتفاقية باماكو” لإعلامهما بالمستجدات، كما أشادت فيه بمجهودات مصالح رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الخارجية وسفير تونس في إيطاليا لإيجاد حل لهذا المشكل. كما أصدرت بلاغا، في 23 ديسمبر، تستنكر فيه ربط موضوع النفايات بتقرير دائرة المحاسبات و”حشر” أسماء موظفيها في هذا الموضوع عبر نشر بياناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالإضافة لهذا الغموض في الموقف الرسمي من إعادة النفايات الإيطالية، لا يوجد تنسيق أو عمل مشترك على هذا الموضوع بين وزارة البيئة ووزارة الخارجية والمنظمات المعنية بالبيئة والمجتمع المدني. وقد سبق وأن عبرت “شبكة تونس الخضراء” في بيان لها عن استيائها من صمت السلطات التونسية بشأن مصير آلاف الأطنان من النفايات الإيطالية القابعة على التراب التونسي منذ سبعة أشهر. كما أبدت الشبكة اندهاشها من “دفن القضية” على الرغم من كل المخاطر التي تمثلها هذه النفايات على صحة الشعب التونسي، واتهمت الشبكة وزارة البيئة “بالإرهاب البيئي” منتقدة “المنظومة التي ينخرها الفساد وتتحكم فيها لوبيات نافذة”.
هذا واعتبر منير حسين أن هنالك “شبكات فساد داخل وزارة البيئة والديوانة والشركة المستوردة ولوبيات النفايات في تونس مستفيدة من هذا الملف وليس من مصلحتهم أن يتم تسليط الضوء عليه”.

وتابع “لوبيات الفساد هم الذين أدخلوا النفايات الإيطالية لتونس سواء الشركة التي قامت بتوريدها أو الديوانة التي سمحت لها بالدخول للميناء أو شركة الشحن والترصيف، كلهم سهلوا دخولها للميناء وإلا لما كنا نسمع عن هذه القضية ولعادت النفايات من حيث أتت قبل أن تصل لميناء سوسة”.

وأوضح عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن منظومة الفساد المستفيدة من اقتصاد النفايات ترتكز على ثغرة أساسية في طريقة تعامل الدولة مع النفايات المنزلية والمشابهة وهي تقنية ردم القمامة. هذه التقنية جعلت من السهل التخلص من النفايات التي تأتي لتونس عبر دفنها في المصبات، مشيرا إلى أنه توجد شركتان كبيرتان تحتكران ردم النفايات في تونس وتجنيان المليارات من الدولة والبلديات لردم القمامة دون تثمينها عبر الاقتصاد الدائري الذي يتم فيه إعادة رسكلة وتدوير ما نسبته 80 بالمائة من النفايات المنزلية وردم ال20 بالمائة المتبقية منها، وهو ما سيتسبب في خسارة هذه الشركات الاحتكارية لحصة كبيرة من أرباحها لصالح شركات الاقتصاد الدائري الصديقة للبيئة “. هذا الأمر لا يناسب لوبيات النفايات التي تحتكر هذه الأسواق وتأخذها من عند الوكالة الوطنية للتصرف في النفاياتANGED، وهم ليسوا مرتاحين لفكرة الانتقال البيئي في مجال النفايات”.

وتوقع منير حسين أن يؤدي التفاوض عبر القنوات الدبلوماسية بين تونس والجانب الإيطالي إلى صفقة لدفن النفايات في تونس بمقابل مالي، “ويلموا الموضوع”.