تقول “دامينو” في تصريح لـ”نواة”: “استجوبوني وسط الحشد الأمني الكبير بلهجتهم المعتادة، وهددني أحدهم بأنهم سيفعلون بي ما يريدون في غياب رفاقي. حاول أمنيون نزع الكمامة عن وجهي والقبعة عن رأسي ليتبيّنوا هويتي. وقال أحدهم ساخرا : “أنت راجل والا مرا؟” وآخر قال أريد التقاط صورة لك لأصنع منها “ميمز” وأنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وقفت “دامينو” وسط المحتجين وشاركتهم شعارات رفعت ضد النظام  وضد المنظومة الفاسدة بعد حملات إيقاف طالت 1400 شخص بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو تدوينات بخصوص التحركات الأخيرة، حسب تقديرات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

لفظتهم الدولة…

تنشط “دامينو” ضمن “المجموعة التونسية للبينيين.ات جنسيا”، وهو الاسم الذي تفضله “أ.ع” لأنه يذكرها بجنسها الأول قبل أن تتغير هويتها قانونيا. البينيون جنسيا هم أشخاص مختلفون من الناحية الفزيولوجية مثل الخصائص الجنسية والأعضاء التناسلية أو تحكمهم هرمونات أو نموذج كروموزومي لا يتوافق مع التعريفات الكلاسيكية للذكورة أو الأنوثة، ويمكن ظهور هذا الاختلاف قبل الولادة أو بعدها أو عند البلوغ. “المجموعة التونسية للبينيين.ات جنسيا” تسعى للدفاع عن حقوقهم بما فيها حقهم في اختيار هويتهم الجندرية.

شاركت “دامينو” خلال الاحتجاجات التي بدأت في أحياء في تونس العاصمة، وتقول “البينيون جنسيا التونسيون لفظتهم الدولة مثلما لفظ بعضهم أجسادهم بعد إجراء عمليات على أجسامهم رغما عنهم لينالوا رضا المجتمع. الكويريون والبينيون جنسيا سيدافعون عن كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية للتونسيين رغم أن الدولة لا تعتبرهم بشرا  بسبب اختلافهم عن الأشخاص الآخرين”.

لا يوجد في تونس قانون يمنع وجود البينيين جنسيا لذلك ترك الأمر برمته إلى وجدان القاضي للحكم مثلما حصل في قضية “أمير” الذي تبين بعد بلوغه أنه أنثى وما يعرف بقضية سامي سامية في العامين 1990 و1993 ببن عروس وتونس، حيث رفضت المحكمة مبدأ تصحيح أو تغيير الجنس بالاستناد إلى حكم القاضي الذي استند بدوره إلى الآية الثامنة من سورة الرعد وإلى حديث نبوي. لذلك تعتبر “دامينو” أن معركة البينيين جنسيا وبقية الكويريين ضد الجهاز العدلي ووزارة الصحة التونسية بالأساس والنظام برمته بشكل أشمل. وتتبنى “المجموعة التونسية للبينيين.ات جنسيا” مطلب إسقاط النظام، وقد دعت أيضا كل الناشطين البينيين.ات جنسيا على صفحته الرسمية على موقع فايسبوك إلى المشاركة في المظاهرات الأخيرة.

تقول دامينو لـنواة:  “نحاول إثبات وجودنا بالتدريج عن طريق “المجموعة التونسية للبينيين.ات جنسيا” أو جمعيات مثل “موجودين من أجل  والمساواة”، علينا أن نعرّف بهويتنا وبمعنى أن تكون بيني جنسيا بطريقة علمية مبسّطة”.

الادماج التدريجي في الحراك الاحتجاجي

كان يوم “دامينو” عصيبا لحظة احتجازها الثلاثاء الماضي خلال احتجاجات باردو، لكن ما هوّن عليها ما حصل أنها وقفت بأمان وسط حشود من المتظاهرين الشباب من مختلف الأحياء دون خوف من أن يسخر منها الجمع أو أن يطالها عنف ممن تتقاسم معهم المطالب ذاتها وهو الأقسى بالنسبة لها.

لم تكن “دامينو” الوحيدة من النشطاء الكويريين الذين ظهروا في مقدمة الاحتجاجات، فقد أثارت صورة الناشط الكويري “فراس” وهو يقبل صديقته أمام دروع من الشرطة خلال الاحتجاجات الأخيرة في شارع الحبيب بورقيبة، يوم السبت 23 جانفي، ردود فعل متباينة بعضهم  أيدها والبعض الآخر اعتبرها تقليدا للبنانيين والفرنسيين، خلال احتجاجاتهم فيما أطلق آخرون أحكاما أخلاقية واستنكروها.

منذ انتشار تلك الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح فراس يخشى المشي في الشارع  وحيدا خوفا من اعتقاله. يقول لنواة : “يمكن اعتقالك وأنت تمشي في الشارع بمجرّد أن تتبيّن الشرطة اختلافك، فتلفق لك تهم إثارة الشغب”. رغم خوفه، يشعر فراس بفخر كبير بسبب الظهور اللافت للمجتمع الكويري في الشارع خلال الاحتجاجات ويقول ل”نواة” “ظهورنا اللافت في التحركات الأخيرة هو نتيجة لتراكمات بدأت منذ العام 2011. لقد واجهنا مشكلا كبيرا وهو احتكار الشارع من قبل الأشخاص المطابقين جندريا. ففي تلك الفترة إلى غاية العام الماضي كان مجرد الظهور في الفضاء العام بالنسبة للكويريين مشكلا كبيرا أو ربما هو خطرا عليهم، سواء كان ذلك ظهورا عاديا أو خلال الاحتجاجات”.

منذ احتجاجات أكتوبر الماضي ضد تمرير مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، تكرّرت عمليات اعتقال الناشطين الكويريين حمزة نصري وسيف العيادي  في جمعية “دمج للعدالة والمساواة”. وتصدرت صورهما “واجهات” صفحات فايسبوك، وكان التعاطف معهما خاصة   لمشاركتهما بقوة في احتجاجات أكتوبر. فقد قللت هذه المشاركة النضالية من وقع حملات التشويه التي تطال في كل مرة نشطاء كويريين على صفحات النقابات الأمنية أو الأشخاص الموالين لها أو للأحزاب الحاكمة، وخدم ظهورهما المتكرر باعتبارهما في مقدمة الاحتجاجات التي رفعت شعارات الحرية وإسقاط النظام إضافة إلى المطالب الاجتماعية، كثيرا قضية مشاركة النشطاء الكويريين في الفضاء العام وفي مقدمة المحتجين.

يقول “فراس” لنواة: “رغم أننا تقاسمنا المطالب ذاتها، واجهنا نوعا من الإقصاء في بداية حملات التحضير للمظاهرات ضد الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وخلال حملات “فاش تستناو” و”مانيش مسامح” كان وجودنا في الواجهة غير مرغوب فيهم، وقيل لنشطاء كويريين “موش وقتو”، فقد كانت بعض المشرفين على تلك الحملات يخشون تشويه الحراك والدعاية المضادة لهم بمجرد وجودنا. أما الآن الحراك عفوي ولا يمكن لأي طرف سياسي أو مدني القول إنه هو من أججه، لذلك كان ظهور نشطاء كويريين ينتمون إلى جمعيات مثل “دمج” و”موجودين” قويا.

في الخامس والعشرين من جانفي الماضي، أي قبل يوم من تاريخ احتجاجات باردو، وقعت أربع وثلاثون منظمة بيانا دعت فيه التونسيين إلى يوم غضب يوم 26 جانفي وإلى الخروج للتظاهر أمام البرلمان. كانت من ضمن هذه الجمعيات النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكانت جمعية “دمج للعدالة والمساواة” ومبادرة موجودين للمساواة” ضمن الجمعيات الموقعة على البيان.

يفخر فراس بحضور الجمعيتين القوي إلى جانب منظمات وطنية، ويعتبر أن مبادرة موجودين وجمعية دمج فرضتا وجودهما بسبب دورهما في الاحتجاجات. ويقول”أصبح وجودنا  في الاحتجاجات قويا ودون حواجز ، وأصبحنا محركا أساسيا في الحراك  لا مجرّد مشاركين،  بل أن دورنا أهم من بعض الأحزاب السياسية الذين طالهم الرفض بسبب اتهامهم بالركوب على الحراك في الشارع”. في المقابل، كان هناك قبول أكبر لوجودنا خلال الاحتجاجات الأخيرة، حتى أن بعض المحتجين الذين لا ينشطون ضمن الجمعيات المدافعة عن حقوقنا  تدخلوا مرات كثيرة حين رفعت شعارات دون قصد منهم فيها خطابات عنصرية مثل “يا ميبون”. عصا البوليس لا تستثني أحدا وأعتقد أن الدولة يقلقها كثيرا توحدنا، لذلك يتفنن جهازها التنفيذي في تفريقنا  عبر التشويه أو معاملتنا معاملة لا إنسانية بسبب اختلافنا”.

شاركت جمعيات كويرية في الدعم القانوني للموقوفين والموقوفات، ويتشارك “فراس” و”دامينو” الأمل في أن يحصد الكويريون دعما أكبر حتى يتمتعوا بالحرية التي أهدتها الثورة والتي غنم بها جزء من التونسيين فقط ممن يقبلهم المجتمع.