أعلنت الخطوط الجويّة القطرية QatarAirways مؤخرا عن عقد رعاية للنادي الافريقي بقيمة 08 مليون دولار (24 مليون دينار تونسي) على امتداد 04 سنوات سيحمل بموجبها نادي باب الجديد شعار الشركة القطرية على قمصانه طيلة 04 مواسم متتالية. خطوة فاجأت المتابعين لكرة القدم في تونس، واستُقبِلت بارتياح كبير من قبل مسؤولي النادي وجمهوره على حد السواء.

خلفيات صفقة الخطوط القطرية والنادي الافريقي

وعلى الرغم من أن مراحل التعاقد تمت بشكل طبيعي وعلني إلا أن الصفقة حامت حولها شكوك بالتوظيف السياسي والحزبي من قبل حركة النهضة عن طريق رئيسها راشد الغنوشي ووزيرها في حكومة الفخفاخ المستقيلة أحمد قعلول من خلال الوساطة لدى قطر لأجل منح النادي هذه الصفقة وضمان خزان انتخابي سبق وأن استثمره سليم الرياحي في حملته الانتخابية سنة 2014 وساهم في حصول حزبه الاتحاد الوطني الحر على المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية التي جرت في نفس السنة.

هذه الاتهامات بالوساطة والتوظيف السياسي نفاها عبد السلام اليونسي رئيس النادي الافريقي نفيا قطعيا وأكّد على أن المفاوضات التي أدت إلى نجاح الصفقة قادها من الجانب التونسي رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء ومن الجانب القطري رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم حمد بن خليفة بن أحمد. تم ذلك على عدة مراحل إلى أن توصل الطرفان للإمضاء على عقد الاستشهار بين الطرفين.

آفاق واسعة يفتحها هذا العقد أمام النادي الإفريقي الممنوع بقرار من الفيفا من المشاركة في المسابقات القاريّة إلى أن يسوّي قضية الديون الثقيلة بقيمة 5.8 مليون دولار (17.4 مليون دينار) أي تقريبا قيمة ¾ العقد الذي أمضاه مع الخطوط القطرية.

استراتيجية الدبلوماسية الرياضية أو القوة الناعمة

ليست المرة الأولى التي تستثمر فيها شركة الخطوط القطرية في عقود رعاية وتسويق مع نوادي كرة قدم عالمية. فقد سبق لها أن تعاقدت مع نوادي عالمية مثل برشلونة الإسباني وبوكا جونيور الأرجنتيني واي سي روما الإيطالي وغيرها من العلامات الكبيرة في كرة القدم. كل ذلك يدخل، حسب تغريدة للشركة القطرية على تويتر، في استراتيجيتها التسويقية التي تستهدف ”تعزيز تواجدها في أسواق شمال القارة الافريقية عموما وفي السوق التونسي خصوصا“.

الاستراتيجية التسويقية للشركة هي جزء من استراتيجية الدبلوماسية الرياضية الشاملة لدولة قطر التي تجد في الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا مدخلا للبروز على الساحة الدولية وافتكاك موقع مؤثر في المنافسات الكروية العالمية. ولعل شراء صندوق قطر السيادي لنادي باري سان جرمان PSG العريق مثّل أهم استثمار قامت به قطر في ميدان كرة القدم وغطى على استثمارات قطرية أخرى في مجالات اقتصادية داخل فرنسا، إذا جعل اسم هذه الدولة الصغيرة أكثر حضورا في وسائل الإعلام الفرنسية. وبالرغم من الانتقادات الكثيرة التي وُجِّهت إليها على خلفية امتلاك النادي وشرائها لحصص كبيرة في ماركات عالمية وعقارات تاريخية، إلا أن النتائج التي حققها النادي الباريسي داخل فرنسا وخارجها وفرص العمل والاستثمارات المغرية التي فتحتها قطر أمام الفرنسيين من رجال أعمال وموظفين جعلها تكسب موطئ قدم داخل المجتمع الفرنسي بالرغم من الانتقادات الكثيرة من أقصى اليمن واليسار الفرنسيين.

استثمارات قطر لم تقف على كرة القدم فقد سعت بكل نفوذها المالي لغزو ”جميع مجالات الدبلوماسية الرياضية: تنظيم المنافسات الدولية، وتنمية الرياضة داخليًا (الأكاديميات، المراكز الرياضية، البطولات المهمة، البنى التحتية)، ورعاية عدة منافسات أو كيانات رياضية، والحصول على حقوق البث الحصرية للمنافسات الدولية، وشراء كيانات رياضية أجنبية“. كل ذلك بغاية تحقيق الاعتراف الدولي والتموقع في خانة الفاعلين الدوليين المؤثرين في كرة القدم والرياضة العالمية بشكل عام.

قطر لم تكتف بشراء النوادي وتنظيم المنافسات الدولية بغاية فرض وجودها في الميادين الرياضية العالمية، فقد اشتغلت كثيرا على ورقة الاتصال والإعلام ودورهما الهام في نشر الدعاية الرياضية وتلميع صورة الدولة الخليجية التي تلاحقها اتهامات بانتهاكات لحقوق العمال الأجانب وملفات رشوة وفساد في علاقة بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.

استثمار قطر في الإعلام وخصوصا السمعي البصري لم يقتصر على قناة الجزيرة الإخبارية الوثائقية بل شمل أيضا الجزيرة الرياضية التي تغيرت تسميتها فيما بعد لتصبح بي ان سبورBEIN SPORT . هذه القناة تحولت مع الزمن لأحد أذرع الدبلوماسية الرياضية القطر وقطب إعلامي احتكاري يغطي البطولات الرياضية في أغلب مناطق العالم سواء في المنطقة العربية أو الإفريقية أو آسيا أو أمريكا الشمالية، حيث اعتُبِرت أحد روافد استراتيجية الانتشار والتأثير التي تطمح لها قطر في عدة مناطق من العالم ومن بينها تونس.

الباجي قائد السبسي رفقة أمير قطر في قمة تونس 2020 الإقتصادية المدعومة من هذه الإمارة الخليجية.

الحضور القطري في تونس

قطر تعتبر ثاني مستثمر دولي وأول مستثمر عربي في تونس بقيمة 16% من حجم الاستثمارات الأجنبية في بلادنا وتوفّر 120 ألف موطن شغل (ما بين قار وموسمي) أغلبها في قطاع الخدمات (سياحة، بنوك، اتصالات..). هذا المعطى لا يمكن فصله عن عقد الاستشهار والرعاية الذي أمضته الخطوط القطرية بقيمة 24 مليون دينار مع النادي الافريقي، مثلما لا يمكن فصل هذا الحدث عن السياق الزمني الذي جاء فيه. فقد كشف موقعNorthAfricaPost  عن وجود مفاوضات سرية جرت منذ أشهر بين تونس وقطر حول التفريط في نسبة من حصص شركة الخطوط الجوية التونسية لشركة الخطوط القطرية والتي تعطلت وانتهت بإقالة رئيس مدير عام الشركة إلياس المنكبي. وعلى الرغم من أنه لا يوجد ربط مباشر بين صفقة الإفريقي ورغبة الخطوط القطرية في الاستحواذ على حصة من أسهم الخطوط الجوية التونسية، إلا أن الشراكة مع النادي الافريقي كفريق عريق ذو عمق شعبي وامتداد جماهيري في مختلف مناطق الجمهورية ربما يشكل رافعة شعبية ودعما اجتماعيا يمكن أن تستثمره قطر إعلاميا عبر حلفائها السياسيين والإعلاميين في تونس للضغط من أجل إتمام صفقة الاستحواذ على حصص من أسهم الناقلة الوطنية.

منسف المرزوقي حظي بدعم كبير من قناة الجزيرة. (الصورة مقتطعة من حوار تم بثه في فيفري 2017)

خلق رأي عام مساند للمشاريع والاستثمارات التجارية من خلال استراتيجياتها التسويقية والاتصالية ليس جديدا بالنسبة لقطر. والحضور المؤثر في بلادنا لم يكن من قبيل الصدفة بل سبقه ربط علاقات مع مثقفين وإعلاميين ودعم سياسيين وأحزاب (حركة النهضة، حزب المؤتمر، المنصف المرزوقي…) وغيرهم من الفاعلين المؤثرين في جزء من الرأي العام لحماية استثماراتها وتأمين مصالحها في تونس. كلنا يتذكر الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي وهو يحذّر، في احدى تصريحاته، كل من ”يتطاول على قطر يتحمل مسؤولياته أمام ضميره وأمام القانون“.