صورة لأحمد زروقي

مع انتهاء كل مراحل الحجر الصحي العام، واقتصاره على الحالات المشتبه بها، ومع بداية العطل الصيفية، بدا وكأن التونسيين قد طبّعوا نهائيا مع الوباء، حيث اختفت تقريبا مظاهر التوقي من خلال وضع الكمامات واحترام مسافة التباعد الاجتماعي. وعلى الرغم من تواتر أخبار ارتفاع عدد المصابين فقد واصل التونسيون حياتهم بشكل طبيعي في مراكز الاصطياف وفي مختلف الفضاءات العامة. وعلى الرغم من إعلان الحكومة عن البروتوكول الصحي وما يستوجبه من وسائل توقي اجباري إلا إن هذا البروتوكول لم ترافقه إجراءات ردعية لكل مخالف.

تطبيع مع الوباء

من جهة أخرى مثلت الإجراءات الرسمية بفتح الحدود، على أمل إنعاش قطاع السياحة المنهك، فرصة إضافية للوباء لمزيد الانتشار. وعلى الرغم من تشديد السلطات على ضرورة التزام الوافدين بالبروتوكول الصحي، وخاصة ضرورة إجراء تحاليل تثبت خلو الوافد من الفيروس قبل 78 ساعة من القدوم إلى تونس وإلزام الفنادق بالإجراءات الوقائية إلا أن كل هذه الإجراءات لم تمنع من تفادي المحظور.

في مقابل كل ذلك تراجعت السياسة الحكومية لمقاومة وباء كوفيد 19 وتُرك المختصون من إطارات طبية وشبه طبية يواجهون مصيرهم في مكافحة الوباء. وبدا جليا أن تكليف شخصية مثل وزير الشؤون الاجتماعية الحبيب الكشو بملف وزارة الصحة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها حكومة الفخفاخ لتصريف الأعمال. فالكشو إضافة لكونه يفتقد الإلمام بملف على غاية من الأهمية مثل الصحة، فإنه أثبت أنه لا يمتلك أي رؤية لهذا الملف، وهو الذي ارتكب كثير من الأخطاء في ملف الشؤون الاجتماعية، وأساسا في علاقته بوباء كورونا، على غرار سوء إدارة توزيع المساعدات الاجتماعية خلال فترة الحجر الصحي. كما تفتقد وزارة الصحة تحت إدارة وزير الشؤون الاجتماعية لاستراتيجية اتصالية لتحسيس المواطنين بخطر الوباء و فرض احترام إجراءات البروتوكول الصحي، وتحولت الوزارة الى مجرد مركز لاحصاء عدد الإصابات والوفيات جراء الوباء.

الحكومة استسلمت؟

يبدو أن حكومة تصريف الأعمال قد استسلمت للوباء، وهي بصدد تطبيق “مناعة القطيع” وذلك تحت ذرائع مختلفة على رأسها الأزمة الاقتصادية التي تتطلب استئناف النشاط في مختلف القطاعات بالشكل المعتاد. ومع ارتفاع عدد المصابين واتساع رقعة انتشار المرض ترك جنود الصحة بمفردهم في المعركة. ويؤكد خبراء الصحة أن حالة التراخي وعدم الوعي بخطورة انتشار المرض قد يقود البلاد إلى أزمة صحيّة حقيقية، سيّما وأن المركز الوحيد للحجر الصحي الإجباري بالمنستير لم يعد قادرا على استيعاب مصابين جدد حيث بلغت طاقة استيعابه حدها الأقصى. وينتظر أن تتفاقم الحالة الوبائية مع نهاية العمل بنظام الحصة الواحدة وعودة الحياة الطبيعية، خاصةً الفترة التي تسبق العودة المدرسية وما تتسم به من حركية تجارية واجتماعية مكثّفة.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن خلال الفترة الماضية عن تسجيل بلاده أول لقاح ضد فيروس كورونا في العالم، وأن هذا اللقاح وقع تجربته على ابنته، وأنه سيكون جاهزا للتسويق في شهر سبتمبر القادم. وعبرت عديد الدول، من ضمنها الأردن، عن رغبتها في اقتناء اللقاح بحجم حوالي مليار جرعة.

وقد بلغ حجم الإصابات بوباء كوفيد 19 على مستوى العالم أكثر من 21 مليون إصابة مؤكّدة وعدد الوفيات حتى نهاية الأسبوع الماضي أكثر من 771 ألف حالة وفاة، وتركزت أكثر الإصابات والوفيات في كل من الولايات المتحدة الامريكية بأكثر من خمسة مليون إصابة وأكثر من170  ألف حالة وفاة وفي البرازيل بأكثر من ثلاثة مليون إصابة وأكثر من 107 ألف حالة وفاة، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

في انتظار المشيشي

ويعتبر ملف الصحة من أكبر الملفات الحارقة التي تنتظر رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، حيث من المنتظر أن يتزامن استلام المشيشي لمهامه على رأس الحكومة، إذا ما تم منحها الثقة من البرلمان، مع ذروة انتشار الوباء محليا ودوليا. وعلى الحكومة الجديدة أن تضع على رأس أولوياتها سياسة صحية للتصدي لوباء كورونا ولمواجهة حالة الإنهاك التي تعيشها المنظومة الصحية، والتي تعمّقت مع وباء كورونا. وهي سياسة يجب أن تضع في الاعتبار إجراءات استعجالية لمواجهة الوباء والأزمة الاقتصادية الخانقة، وأيضا على المدى المتوسط والبعيد بالعمل على إعادة الاعتبار للصحة العمومية.

ومن الضروري أن تضع الحكومة القادمة من ضمن أولوياتها، سياسة اتصالية ناجعة، لإلزام المواطنين باحترام الإجراءات الوقائية لمواجهة الوباء، ووضع حد لحالة التراخي واللامبالاة في التعامل الجدي مع الوباء، أو الاستعداد لتكون تونس في الكوكبة الأولى من البلدان التي ستقتني اللقاحات التي سيتم تسويقها خلال الفترة القادمة.