يبدو أن مهمة المشيشي ستكون صعبة للغاية، وعلى عكس الفخفاخ الذي انطلق في تشكيل حكومته في بداية شهر مارس الماضي بدعم ثلاثة أحزاب سياسية هي التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس ثم التحقت حركة النهضة وكتلة الإصلاح، وكان يمكن لهذا الدعم السياسي أن يتوسع أكثر، فإن المشيشي يبدأ مشوار مفاوضات رسم ملامح حكومته بلا أي دعم حزبي. ويجد رئيس الحكومة المكلف نفسه في صراع ضد الكل، حيث يسعى كل طرف إلى فرض اللّون الذي يريده للحكومة المستقبلية. وإذا أراد المشيشي استكمال كل مشاوراته وتحديد تركيبة حكومته في الوقت المخصص له، عليه أن يخوض سباق الحواجز قبل نهاية شهر أوت الجاري.

حواجز الحلفاء والخصوم

الحاجز الأول هو كيفية التوصل لرؤية وتصور مشترك حول شكل الحكومة وتركيبتها مع الحلفاء المحتملين وهما التيار الديمقراطي وحركة الشعب. التيّار والشعب اللذان يشكلان الكتلة الديمقراطية (38 نائبا) يعتبران أن المشيشي يجب أن يستكمل نفس المسار الذي بدأته حكومة سلفه الفخفاخ التي حققت الكثير في ظرف وجيز، وكان يمكن أن تمثل انطلاقة لتونس الديمقراطية والمتقدمة لولا مؤامرات حركة النهضة وحلفائها، حسب اعتقادهم. لذلك على المشيشي مواصلة السير لتحقيق مطالب ” الدولة القوية والعادلة”، وتذهب حركة الشعب أبعد من ذلك بقليل ويوافقها التيار بأن هذا المسار يجب أن يستثني بالكامل حركة النهضة وتابعها ائتلاف الكرامة. وبناء” عليه، يرى هؤلاء أنه لا مناص من حكومة سياسية تستثني “الإخوان” و”التجمعيين”. وحتى إن لزم الحديث عن حكومة ذات كفاءات ومصغّرة، فيجب أن يكون نصفها على الأقل من الكفاءات السياسية. أكثر من ذلك، لا يعتقد التيار أنه قد يتبنى تشكيلة حكومية دون أن يحصل على وزارات مثل الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد.

في المقابل تصر النهضة على مسألتين، حكومة سياسية تكون هي من ضمن مكوناتها إضافة الى قلب تونس ولما لا ائتلاف الكرامة، وهي في هذه الحالة مستعدة للتعايش مع الجميع بما في ذلك التيار والشعب وحتى الدستوري الحر. وفي حال تم استبعاد حكومة سياسية والاتفاق على حكومة كفاءات مستقلة فإن النهضة تشترط أوّلا أن لا تضم هذه الحكومة أي وجه سياسي (ينتمي الى حزب معين) وأساسا أن لا تضم وزراء من التيار الديمقراطي او حركة الشعب. وثانيا تشترط في حكومة الكفاءات المستقلة أن لا تضم أي شخصية معادية لحركة النهضة أو لها مواقف نقدية معلنة تجاهها في من تصنفهم بالشخصيات الاستئصالية.

الأسوأ هو مواصلة الفخفاخ

لكن مهما يكن من تحفظات لدى حركة النهضة حول شكل التركيبة القادمة إلا أنها تعتبر الأسوأ هو مواصلة الوضع المؤقّت الحالي، ومواصلة إلياس الفخفاخ في حكومة تسيير الأعمال وهو أكثر السيناريوهات ازعاجا لحركة النهضة. فالفخفاخ الذي لازال يضمّد جراحه بسبب ضربات حركة النهضة من المنطقي أن يبحث في كيفية الثأر لنفسه من راشد الغنوشي وحركته، وهذا الأخير يتوقّع الأسوأ دائما من الفخفاخ، وأن هذا الأسوأ سيأتي كلما نال الفخفاخ مزيدا من الوقت.

هذه الاعتبارات ستجعل حركة النهضة تؤجّل أي تصادم مع المشيشي، وهي ستمنح الثقة لأي تركيبة سيقدمها، والسبب ليس فقط لأن رئيس الجمهورية قد يدعو الى انتخابات برلمانية مبكرة، فسيناريو إعادة الانتخابات ليس الأسوأ بالنسبة للنهضة، على الرغم من انه قد يجعل من عبير موسي وحزبها القوة الأولى في البلاد. السيناريو الأسوأ بالنسبة لحركة النهضة هو أن لا يلتجئ رئيس الجمهورية (حسب تأويله للدستور) إلى إعادة الانتخابات. وأن يمتد زمن حكومة تسيير الأعمال الى أجل بعيد يمكن الفخفاخ من الثأر وكيّ النهضة بنفس النار التي اكتوى بها، وهي نار ملفات الفساد وسوء التصرف. وربما فتح ملفات أمنية، خاصة ما يعرف بالجهاز السري، سيما وأن رئيس الجمهورية قدم في أكثر من مناسبة تصريحات وتلميحات تصب في هذا الاتجاه.

 نفس الأمر ينطبق على نبيل القروي وما تبقى من حزبه قلب تونس. والذي عمل رفقة النهضة على إسقاط حكومة الفخفاخ، وهو يدرك أن يوم إضافي لهذا الأخير على رأس الحكومة هو تهديد حقيقي له، بالإضافة إلى أن نبيل القروي وحزبه هما أكبر الخاسرين في حال إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وهو ما يؤكد أن قلب تونس سيمنح الثقة لأي حكومة يقدّمها المشيشي.

حكومة تمرّ، وتستمر؟

التحدّي الحقيقي للمشيشي ليس تكوين حكومة تستطيع المرور ونيل ثقة البرلمان، فهذا شبه حاصل بالنظر الى أن أغلب الأطياف السياسية لا مصلحة لها في إعادة الانتخابات وستكون متضررة إذا سقطت حكومة المشيشي واختار رئيس الجمهورية (حسب تأويله للدستور) أن تستمر حكومة تسيير الأعمال إلى وقت أطول.

تحدي المشيشي الحقيقي هو القدرة على تكوين حكومة لا تسقط بعد أشهر قليلة من منحها الثقة، هذا أولا. وثانيا، الحصول على الضمانات والدعم أن الحكومة القادمة لن تكون أسيرة البرلمان وتقدر على تنفيذ رؤيته بالخروج من البلاد من المأزق الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيش فيه. ذلك أن حكومة بلا دعم برلماني كاف سيجعلها مشلولة غير قادرة على تمرير القوانين الضرورية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يدرك المشيشي أن حركة النهضة وحلفائها سيعملون على إسقاط الحكومة في أول مناسبة سانحة لاستعادة الأحقية في تشكيلها بعد ذلك. هذه الاعتبارات ستكون حاضرة في حسابات رئيس الحكومة المكلف، مما يجعل من مهمته بمثابة سباق الحواجز في طريق من الألغام.