تحيين: تعقيبا على بيان مجلس شورى حركة النهضة الصادر بتاريخ 12 جويلية 2020، اعتبر رئيس الجمهورية قيس سعيّد أنّ ما ورد بالبيان من دعوات إلى التشاور من أجل الاتفاق على ”مشهد حكومي بديل“ يُعدّ ”افتراء“ و”مغالطة“. وحسم هذه المسألة بقوله ”لن تحصل مشاورات مع أيّ كان مادام رئيس الحكومة كامل الصلاحيّات”، وذلك خلال لقائه رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم الاثنين 13 جويلية 2020.

كما أصدرت رئاسة الحكومة بيانا في اليوم ذاته أعلن فيه إلياس الفخفاخ عن قراره إجراء تحوير وزاري ”يتناسب والمصلحة العليا للوطن“، وذلك بسبب إقدام حركة النهضة على ما أسماه ”انتهاكا صارخا للعقد السياسي“ مع الأطراف السياسية المكونة للحكومة الحالية و”الإخلال بمبدأ التضامن الحكومي“. وهو ما يُعزّز فرضيّة استبعاد وزراء حركة النهضة من التشكيل الحكومي القادم.

صورة لمالك خميري

مع نهاية الأسبوع، بادرت أربع كتل برلمانية هي الكتلة الديمقراطية (تضم حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب) وكتلة تحيا تونس والكتلة الوطنية وكتلة الإصلاح للقيام بإجراءات لسحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي. وذلك لما اعتبرته هذه الكتل من وجود خروقات جسيمة في إدارة راشد الغنوشي لأعمال المجلس.

تغيير ”المشهد الحكومي“

جاء ردّ مجلس شورى حركة النهضة بتكليف المكتب التنفيذي ورئيسه راشد الغنوشي ”بإطلاق مشاورات مع الرئيس قيس سعيد وبقية الأحزاب والمنظمات للاتفاق على مشهد حكومي جديد وأن حركة النهضة تعتبر أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في تونس لا يُمكن أن تواجهها حكومة تلاحق رئيسها شبهات تضارب مصالح“.

ومع الإعلان صراحة من قبل حركة النهضة على ضرورة إسقاط حكومة الفخفاخ، ورد حلفاء الفخفاخ بضرورة سحب الثقة من رئيس مجلس النواب، تتجه البلاد إلى أزمة سياسية حادّة، تتغذّى أساسا من الصّراع بين حركة النهضة مدعومة بجناحين هما ائتلاف الكرامة وقلب تونس من جهة، ورئيس الجمهورية ومن ورائه رئيس الحكومة وحلفائه وأساسا حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب من جهة أخرى.

صورة لأحمد زروقي

لم تتخذ حركة النهضة أي إجراء عملي لإسقاط حكومة الفخفاخ من خلال سحب وزرائها أو الانطلاق في سحب الثقة، واكتفت بتفويض رئيس الحركة للتفاوض مع رئيس الجمهورية والأحزاب والمنظمات الوطنية لتغيير الفخفاخ وتحقيق مشهد حكومي جديد. حسابيا، وبعد أن تأكد أن رئيس الحكومة لن يذهب أبدا في خيار تقديمه لاستقالته وتدعمه في ذلك مجموعة من الأحزاب والكتل والقوى السياسية والاجتماعية، يصبح سحب الثقة هو الخيار الوحيد الذي سيبقى أمام حركة النهضة إذا أرادت إسقاط حكومة الفخفاخ.

وحسب الدستور، فإن خيار سحب الثقة من الفخفاخ عبر أغلبية برلمانية لا يمكن لحركة النهضة أن تسير فيه إلا بعد انتهاء 6 اشهر من تاريخ تولي الحكومة لمهامها، وفي هذه الحالة على النهضة الانتظار اشهر أخرى وعليها أن تقترح حكومة جديدة وأن تتقدم بلائحة سحب ثقة لمجلس النواب يكون فيها التصويت مزدوج على سحب الثقة من الفخفاخ وتركيبة حكومية جديدة تحظى بدعم 109 من النواب على الأقل.

حسابات النهضة

بلغة الأرقام، تمتلك حركة النهضة وحلفائها المفترضين 100 نائبا (54 نهضة و27 قلب تونس و19 ائتلاف الكرامة). أما الكتل الأخرى المساندة مباشرة للفخفاخ أو المناهضة لتوجهات حركة النهضة والتي لن تصوت على أي لائحة سحب ثقة تقدمها فتضم 101 نائبا موزعين كالتالي (38الكتلة الديمقراطية و16 كتلة الإصلاح و11 الكتلة الوطنية و11 كتلة تحيا تونس و9 كتلة المستقبل و16 الحزب الدستوري الحر).

أما النواب غير المنتمين إلى كتل وعددهم 16 نائبا وأغلبهم معارضين لحركة النهضة وللحكومة في نفس الوقت، وهو ما يعني منطقيا أنه وباستثناء نائبين أو ثلاثة فالباقي لن يصوتوا تصويتا مزدوجا يدعمون من خلاله حكومة تقدمها حركة النهضة وهم اللذين لم يصوتوا على الحكومة الأولى (الجملي) والثانية (الفخفاخ). هذه الارقام تؤكد أن حركة والنهضة لن تستطيع الذهاب إلى خيار سحب الثقة من الفخفاخ، في المقابل فإن الحصول على 9 أصوات من النواب غير المنتمين هي عملية ممكنة لسحب الثقة من راشد الغنوشي كرئيس لمجلس نواب الشعب.

يدرك مجلس شورى حركة النهضة جيدا حقيقة هذه الحسابات لذلك لم يتجرّأ على الإعلان عن انسحابه من الحكومة عبر سحب وزرائه، ولا إلى إطلاق طلب لسحب الثقة من الفخفاخ، واكتفى بما اسماه تفويض رئيس المكتب التنفيذي إلى التشاور من أجل تغيير المشهد الحكومي، علما أنه لا وجود في الدستور التونسي ولا حتى في القاموس السياسي لهيكل يسمى بالمشهد الحكومي.

صورة لأحمد زروقي

ابتزاز سياسي

لا تريد حركة النهضة أن تجد نفسها خارج الحكم لأول مرة خاصة وان عديد الدعوات انطلقت مؤخرا من أوساط وكتل داعمة للفخفاخ لمراجعة الموقف من حزب قلب تونس وضمه للحكومة ومنع حركة النهضة من استخدامه للابتزاز السياسي وارباك العمل الحكومي والوضع السياسي. وهي تعرف اليوم أنه لا يمكن أن تسحب الثقة من حكومة الفخفاخ وستذهب في النهاية إلى تفاهمات لمزيد ابتزاز الفخفاخ في التسميات والسيطرة على الإدارة.

ولكن إذا كانت حركة النهضة تدرك جيدا أنها لا تمتلك الإمكانيات الضرورية لتغيير الحكومة، وهي غير قادرة على عزل رئيس الجمهورية، واذا كان سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية بعد حل البرلمان ستكون نتائجه كارثية بدرجة أولى على حركة النهضة وحليفيها الكرامة وقلب تونس، لماذا إذن تسعى إلى إرباك المشهد السياسي وتلويثه وزعزعة الاستقرار الحكومي؟

الواضح أن حركة النهضة لم تتعود المشاركة في إدارة الحكم، وهي إما أن تحكم بشكل منفرد مع ”شركاء“ تحكم بهم لا معهم مثلما كان الأمر في الترويكا الأولى مع حزبي التكتل والمؤتمر اللذين انتهيا إلى الاضمحلال، أو تسعى إلى إضعاف وضرب شركائها من الداخل كما حدث مع نداء تونس الذي حكم معها بالتوافق بعد انتخابات2014.

وهي تحاول اعتماد سياسة حافة الهاوية هي سياسة يُقصد بها تحقيق مكاسب معيّنة من طريق تصعيد الأزمة إلى ابعد الحدود مع إيهام الخصم أنها تأبى التنازل أو الرضوخ ولو أدّى ذلك إلى اجتياز هذه الحافة الخطرة. وفي الأثناء يبقى مصير الفخفاخ مرتبطا بنتائج التحقيق في قضية تضارب المصالح، وعدا ذلك لا يمكن لأي طرف إسقاط حكومته خاصة وهو لا يزال يحظى بثقة الرئيس. ويبقى مصير البلاد التي تمر بأصعب أزمة اقتصادية في تاريخها رهين طبقة سياسية لا هم لها سوى التموقع وحصد مزيد من المكاسب الآنية.