أسامة الخليفي (قلب تونس) بين سيف الدين مخلوف وعماد دغيج (ائتلاف الكرامة). صورة لأحمد زروقي، جوان 2020

مع جلسة الحوار مع الحكومة المنعقدة أمس الخميس 24 جوان، أعلن كل من حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة عن نيتهما تقديم لائحة لوم ضد حكومة إلياس الفخفاخ وإسقاطها، وذلك على خلفية قضية تضارب المصالح المتهم فيها رئيس الحكومة عبر مساهمته في شركة تتعامل مع الدولة. هذا التنسيق بين قلب تونس والكرامة ظهر جليا في الندوة الصحفية المشتركة بينهما والتي تم الإعلان فيها عن تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في القضية المذكورة. وبطبيعة الحال ما يتم تداوله بين الأحزاب سواء في الحكم أو المعارضة هو اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة أخرى تتكون أساسا من النهضة وقلب تونس والكرامة.

هذا التمشي المعتمد من قبل قلب تونس والكرامة ليس وليد اللحظة، وهو ليس بطارئ استجد مع قضية تضارب المصالح. بل يتطابق تماما مع رؤية حركة النهضة، رؤية تعتبر أن التحالف الحكومي لا يتناسب مع التحالف البرلماني مما يستوجب توسيع دائرة الأحزاب المشاركة في الحكومة وإدخال حزب قلب تونس. هذا التوجه عبر عنه صراحة رئيس البرلمان ورئيس النهضة راشد الغنوشي في حوار له مع قناة نسمة في 8 جوان. كانت حجته في ذلك أن الأحزاب الأولى في البرلمان يجب أن تكون هي المكون الرئيسي لأي تحالف حكومي وأن الوضع لا يمكن أن يستمر في ظل الخلافات بين الأحزاب الحاكمة خاصة بعد تصويت حركة الشعب لفائدة اللائحة الرافضة للتدخل الأجنبي، وخصوصا التركي في الأراضي الليبية، وهو ما اعتبرته النهضة عملا معاديا لها ويضرب مبدأ “التضامن الحكومي” رغم أن قلب تونس صوت لفائدة نفس اللائحة.

حب ووئام بين لطفي زيتون المقرب من الغنوشي وأسامة الخليفي. صورة لأحمد زروقي، جوان 2020

سيناريو متوقع منذ إسقاط حكومة الجملي

هذا السيناريو كان متوقعا بالنسبة للمتابعين لمفاوضات تشكيل الحكومة، خاصة حين تمسكت النهضة بتشريك حزب قلب تونس في مشاورات تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ، بل واحتضن بيت راشد الغنوشي لقاء جمع فيه الفخفاخ والقروي دون نتيجة تُذكر. لقد اقتربت المفاوضات من حافة الانهيار آنذاك مع تمسك الفخفاخ ومن ورائه قيس سعيد باستبعاد قلب تونس من الحكومة، لكن النهضة قبلت بالأمر الواقع في اللحظات الأخيرة ورضيت على مضض بالمشاركة في حكومة دون قلب تونس، وبقيت “تستنى في الدورة” حسب ما دونه القيادي السابق في النهضة عبد الحميد الجلاصي في نص استقالته من الحركة. هذا يعني أن حركة النهضة أكرهت على القبول بالمشاركة في حكومة الرئيس رغم أنها لم تكن موافقة على تركيبتها ولا على رئيسها، هذا القول أيده راشد الغنوشي عندما علق على هذا السؤال بأن “للسياسة اكراهاتها”.

سيف الدين مخلوف ونبيل القروي في مأوى السيارات بمجلس نواب الشعب

ملامح هذا الاتفاق بين النهضة وقلب تونس ومعهم ائتلاف الكرامة بدأت تظهر مع جلسة انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب، حيث صوتت هذه الأحزاب لفائدة راشد الغنوشي الذي فاز بالرئاسة بالأغلبية المطلقة ضمن ما اعتبرته حركة النهضة آنذاك بفصل المسار البرلماني عن المسار الحكومي، أي ننتخب رئاسة المجلس ثم على ضوء ذلك نتفق على ملامح التحالف الحكومي. لكن النهضة اختارت حليفها، وإن بعد حين، قلب تونس ليكون شريكا لها في الحكم رغم كل المناورات والتصريحات الرسمية الرافضة لدخوله في الحكومة. وهو ما يُفسر انقلاب موقفها كليا مع اختيار الفخفاخ لتشكيل الحكومة حيث أصبحت تدعو صراحة لأن يكون قلب تونس مشاركا في أي ائتلاف حكومي مرتقب.

ويمكن تفسير دعوة راشد الغنوشي التي أطلقها على قناة نسمة بأن الوضع داخل التحالف الحكومي ليس مريحا بالنسبة للنهضة. فهي التي اعتادت أن يكون لها تأثير على رئاسة الحكومة ورأي حاسم في كل القرارات الكبرى. لذلك كانت تمارس نوعا من المعارضة ضد حكومة الفخفاخ خاصة عندما رفضت في البداية التفويض بشهرين الذي طلبته الحكومة من مجلس نواب الشعب لمجابهة الأوضاع القائمة في البلاد مع انتشار فيروس كورونا. وتجلى هذا التوجه المعارض للحكومة عندما تحدث وزير أملاك الدولة عن ملف رجل الأعمال مروان المبروك وتواطئ الدولة في تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بمصادرة أملاكه، حيث عبرت “عن قلقها حيال تنامي خطاب التحريض ضد رجال الأعمال، وشيطنة الرأسمال الوطني” حسب بيان لها.

رؤية راشد الغنوشي للتحالف الحكومي الذي ينشده كانت واضحة: يجب على الائتلاف الحكومي أن يتكون من الأحزاب الأربعة الأولى في مجلس نواب الشعب، وهي طبعا النهضة وقلب تونس والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة.

نبيل القروي مع سيف الدين مخلوف وعماد دغيج

خدمات متبادلة

بناء على ما سبق، يبدو جليا أن حركة النهضة تتحرك داخل مجلس النواب في دائرة بعيدة عن التحالف الحكومي، تنسق مواقفها غالبا مع قلب تونس وائتلاف الكرامة، صحيح أن الدورة الحالية لم تُمرر القوانين المقترحة من النواب وكانت الأولوية لقوانين الحكومة والالتزامات المالية للدولة، إلا أن بعض القوانين التي تم اقتراحها تحظى بدعم من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة على غرار مقترح لإضافة فصول تمنع السياحة الحزبية ومشروع قانون للاتصال السمعي البصري.

المقترح الأول ينص على أنه “إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه أو الكتلة التي انضمّ إليها، فإنه يفقد آليا عضويته في المجلس. ويؤول الشغور في كل ذلك إلى الجهة التي استقال منه”، وصادق عليه نواب النهضة وقلب تونس والكرامة في لجنة النظام الداخلي وتحفظت عليه بقية الكتل لأنه يصب مباشرة في مصلحتها باعتبار أن حزب قلب تونس تهدده الاستقالات. جاءت هذه المبادرة في سياق يستعد فيه النائب عن حزب قلب تونس حاتم المليكي للاستقالة من الكتلة النيابية للحزب وتأسيس كتلة أخرى، وقد طُرحت قضية السياحة الحزبية من قبل ائتلاف الكرامة ووافقت عليها النهضة كبادرة حسن نية تجاه خصمها السابق قلب تونس.

بنفس هذا المنطق، قدم ائتلاف الكرامة أيضا مقترحا لتنقيح المرسوم 116 المتعلق بالاتصال السمعي البصري يتضمن إضافة فصل جديد للمرسوم يتمّ بمقتضاه إحداث قنوات تلفزيّة من خلال تصريح بالوجود لدى الهيئة عوضا عن إسناد إجازات بثّ وفق كرّاس شروط، كما يدعو الفصل إلى إلغاء التراخيص فيما يتعلّق بإحداث القنوات التلفزيّة والمحطات الإذاعيّة. هذا التنقيح تستفيد منه النهضة وقلب تونس مباشرة نظرا لأن كل حزب منهما لديه قناة تعمل لصالحه وهما نسمة والزيتونة.

مهما كانت خلفيات موقف النهضة الداعي إلى تشريك حزب قلب تونس في الحكومة، وسواء كان مطلبا حقيقيا أو مناورة لتحسين شروط التفاوض مع شركاءها في الائتلاف وتحصيل نصيب معتبر من تعيينات الولاة والسفراء والمديرين العامين، فإن ما تدعو له النهضة كشف للرأي العام ممارسة سياسية يؤسس لها شق متنفذ داخلها وتقوم على أن الحكم وصياغة التوافقات مريحة أكثر مع النظام القديم أو رموزه أو مع أصحاب السوابق والملفات القضائية.