رئيس حركة النهضة والبرلمان راشد الغنوشي رفقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. زيارة غير رسمية مثيرة للجدل. إسطنبول، 11 جانفي 2020.

قرّر مكتب مجلس نواب الشعب في اجتماع له بتاريخ 28 أفريل 2020 تأجيل الجلسة العامّة ليومَي الأربعاء والخميس 29 و30 أفريل إلى موعد لاحق بطلب من الحكومة، وذلك ”بسبب التزامات مُلحّة لأعضاء الحكومة المعنيّين“ بالاتفاقيّتين. وتتعلّق الاتفاقية الأولى بفتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس، فيما تتعلّق الاتفاقية الثانية بالتشجيع والحماية المُتبادَلة للاستثمارات بين تونس وتركيا. وقد تم إبرام الاتفاقيّتين مع وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدّولي.

وفيما يخصّ إحداث فرع لصندوق التنمية القطري، فقد تمّ إبرام هذه الاتفاقيّة بتاريخ 12 جوان 2019 بين دولة قطر والدّولة التونسيّة بهدف تمويل مشاريع تنموية في مجالات الطاقة والتربية والتكوين والبحث العلمي والصحّة والموارد الطبيعية والفلاحة والصيد البحري والصناعة والسّكن والسياحة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والتمكين الاقتصادي. وتعود هذه الاتفاقيّة إلى سنة 2016 حيث منحت دولة قطر 250 مليون دولار أمريكي لتونس في إطار مؤتمر الاستثمار 20-20 للمساهمة في تمويل مشاريع تنموية بتونس. وتمّ توقيع مذكّرة تفاهم آنذاك بخصوص إنشاء مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس وفق ما ذُكر في وثيقة شرح أسباب مشروع قانون الاتفاقية.

الرئيس السابق الباجي قائد السبسي صحبة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في مؤتمر “تونس 2020″، نوفمبر 2016

وجرت العادة أن يتمّ التداول حول بنود الاتفاقيّات وإمضاؤها بين الطّرفين التونسي والأجنبي على مستوى الحكومة، في حين أنّ ما يصل إلى السّلطة التشريعية هو فقط نصّ الاتفاق الّذي يُحدّد الطّرفين المتعاقدين وتاريخ إمضاء الاتفاق وقيمة المنحة، دون التداول حول بنود الاتفاقية وشروط التفاوض وآجال تسديد فوائض القروض إذا ما تعلّق الأمر باتفاقية قرض.

امتيازات قطرية وتركية

ولكن بخصوص فتح مكتب صندوق قطر للتنمية تمّ تسريب بنود الاتفاقيّة التي تتكوّن من 13 فصلا، كانت محلّ انتقاد من عديد الأطراف السياسيّة والمتابعين، من ذلك مثلا إمكانيّة فتح حسابات بالعُملة الأجنبيّة واسترجاع القروض والمصاريف بالدولار الأمريكي وتحويلها إلى أيّ دولة أجنبيّة، وإلزام الدّولة التونسيّة بعدم اتّخاذ أيّ إجراء من شأنه أن يُعيق بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التنمويّة التي يساهم الصندوق في تمويلها، إلى جانب عدد من الإعفاءات الجبائية لموظّفي الصندوق.

ولدى تداول لجنة الماليّة والتخطيط والتنمية بالبرلمان حول هذه مشروع القانون المتعلق بالاتفاقية أوضح أحد النوّاب أنّ صندوق التنمية القطري سيوفّر تمويلات للمشاريع التي تدخل ضمن اختصاصه بشروط ميسّرة، فيما اعتبر مجدي بوذينة عن كتلة الحزب الدستوري الحر أنّ ضخّ هذه الأموال في هذه الظروف غير مقبول. وقد صوّت أغلبية الأعضاء الحاضرين لصالح مشروع القانون المتعلق بإحداث فرع صندوق قطر للتنمية في تونس، فيما احتفظ نائب وحيد عن هذه الاتفاقية.

أما الاتفاقيّة مع تركيا فهي تتعلق ب”دفع الاستقطاب الاقتصادي المتبادل بين تركيا وتونس بما من شأنه تحفيز تدفق رؤوس الأموال والتكنولوجيا“ مثلما ورد بوثيقة شرح أسباب الاتفاقية. كما تتيح الاتفاقية للمستثمر إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي لفضّ النزاعات، بعد استيفاء مدّة ستّة أشهر للتسوية الصّلحية. وقد تمّ إمضاء مشروع الاتفاقية منذ 2013 وإمضاؤها في ديسمبر 2017. وتداولت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بالبرلمان حول مشروع قانون الاتفاقية بتاريخ 29 جانفي 2020 بخصوص تبعاتها على الميزان التجاري وسعر صرف الدينار التونسي والامتيازات التي تُمنح للمستثمرين الأتراك. وتمّ التصويت بأغلبية الأعضاء الحاضرين على هذه الاتفاقية.

رفض ودعوة للتدقيق والتروّي

هذه التعهدات التي أبرمتها الدّولة التونسية كانت محلّ رفض بعض الأطراف السياسيّة الّتي اعتبرتها اعتداء على السيادة الوطنيّة واستقلال قرارها. وكانت كتلة الحزب الدستوري الحرّ من أوّل المندّدين بهذه الاتفاقيات حيث توجّهت في مرحلة أولى إلى المحكمة الإدارية بتاريخ 28 أفريل 2020 بغرض إيقاف قرار مكتب المجلس المتعلّق بإحالة مشروعَيْ الاتّفاقيَّتَين على الجلسة العامّة، ثمّ قامت في مرحلة ثانية بمراسلة رئيس الحكومة ودعوته إلى ”سحب مشاريع القوانين المتعلقة بالاتفاقيات مع قطر وتركيا […] بصفة نهائيّة“. وإلى ”التدقيق في كافة الاتفاقيات المبرمة من قبل الحكومات السابقة والّتي لم تُعرض بعد على البرلمان“. كما ندّد النائب عن جزب تحيا تونس مبروك كرشيد بالاتفاقيّة المبرمة مع تركيا لأنّها ”مُخلّة بقواعد التكافؤ بين الدّول وفيها نوع من الاستعمار الجديد“.

من جهة أخرى استنكر النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة عبد اللطيف العلوي في تدوينة له على حسابه بفيسبوك ما أسماه ”تحيّلا“ و”استقواء“ على قرار مكتب المجلس من خلال طلب تأجيل الجلسة العامّة المتعلقة بالتصويت على هاتين الاتفاقيّتين، فيما ذكر هشام العجبوني عن التيار الديمقراطي أنّ موقف الكتلة الديمقراطية ليس موقفا إيديولوجيّا بقدر ما أنّه سعي إلى مزيد التروّي في دراسة بنود الاتفاقيّتين ورفع الالتباس حول ما جاء فيهما.

وللتذكير فإنّ البرلمان صادق خلال العهدة النيابية الأولى (2014-2019) على 204 اتّفاقيّات مع دول ومؤسسات أجنبية من جملة 340 قانونا، منها 146 اتفاقيّة قرض و 58 اتفاقيّة دولية تهمّ مجالات أخرى غير المجال الاقتصادي والمالي.