في هذا الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد ومع وصول عدد الحالات إلى 909 حالة إصابة بفيروس كورونا، بدأت جولتنا من الضاحية الجنوبية في اتجاه العاصمة عبر الطريق السيارة، عدد السيارات والعربات في طريق المدخل الجنوبي للعاصمة كان قليلا جدا يشبه ما نشاهده أيام الأعياد والعطل الرسمية. نقطة التفتيش الأولى في الطريق السيارة لا توقف كل السيارات بل يختار الأعوان بطريقة عشوائية من يوقفون ويمر البقية بعد تخفيض طفيف في السرعة. في المدخل الجنوبي (على مستوى مدخل مقرين وسما دبي) فوجئنا باكتظاظ مروري خانق يشبه اكتظاظ ساعات الذروة في الأيام العادية، كان نقطة تفتيش أمنية توقف جميع العربات ولا تسمح بمرور إلا من استظهر بالترخيص للمهن المستثناة من الحجر الصحي. مررنا بعد الاستظهار بالترخيص ودخلنا العاصمة عبر ساحة 14 جانفي وشارع الحبيب بورقيبة.

كان عدد السيارات قليلا جدا في شارع الحبيب بورقيبة والشوارع المحيطة به، عدد قليل من المواطنين المارين في هذه الشوارع وجميع المحلات (مقاهي ومطاعم ومحلات بيع الملابس وغيرها) مغلقة، مع طوابير منتظمة حافظ فيها المواطنون على مسافة الأمان أمام فروع البنوك المختلفة وأيضا أمام شركات الاتصالات ومكاتب البريد. عناصر الأمن منتشرون في أنحاء شارع الحبيب بورقيبة ومداخل الشوارع المتفرعة عنه وأعوان النظافة يقومون بواجبهم فيهم من يستعمل أدوات بدائية كالمكنسة والحاوية ومنهم من يستعمل الشاحنات المخصصة للتنظيف، خلال جولتنا لم نلاحظ وجود الشاحنات التي تعقم الشوارع.

تتحدث أميرة، موظفة في شركة اتصالات، عن معاناتها مع التنقل في هذا الحجر

لا املك سيارة خاصة ووجدت نفسي مضطرة لاستعمال التاكسي أثناء التنقل ذهابا وإيابا، صحيح أن إدارة الشركة وفرت لنا كل المستلزمات للوقاية والتعقيم ومسافة الأمان مع الحرفاء وموظفين مهمتهم تنظيم الطوابير وابعاد الناس عن بعضهم بعضا، لكن نعتبر أنفسنا أكثر عرضة لخطر العدوى نظرا لاتصالنا المباشر بالحرفاء.

لاحظنا أن نهج ابن خلدون المتفرع عن الحبيب بورقيبة هو أكثر مكان توجد فيه سيارات رابضة، في حين كان شارع باريس شبه فارغ باستثناء بعض السيارات وعشرات المارة بالإضافة إلى طوابير صغيرة أمام فروع البنوك الموجودة في الشارع المذكور. محيط محطة الحبيب ثامر (الباساج) فيه بعض الحافلات وبعض السيارات، في حين تجمع عشرات المواطنين ينتظرون الحافلات التي ستنقلهم إلى مكان سكناهم، لم تكن المحطة مكتظة باعتبار أن توقيت خروج الموظفين لم يحن بعد.

كان مكتب البريد بنهج روما (المحاذي لمبنى ولاية تونس) أكثر الأماكن اكتظاظا بالمواطنين، لكن وجود أعوان الشرطة كان عاملا مساعدا في تنظيم الصفوف واحترام مسافة الأمان بين المواطنين. مررنا بعد ذلك عبر باب بحر إلى نهج الجزيرة، في الأوقات العادية هو أحد أكثر أنهج العاصمة اكتظاظا بسبب الأسواق والانتصاب الفوضوي والمحلات، كان فارغا باستثناء بعض محلات المواد الغذائية يقف أمامها المواطنون ضمن طوابير (ليست طويلة) للتزود. محلات ساحة باب دزيرة أيضا مغلقة وينتشر أعوان الأمن في مفترق الساحة يوقفون السيارات المارة ويطالبون بالترخيص، عربات الشرطة رابضة على كامل الساحة من جامع سيدي البشير إلى نهج الجزيرة، لا ترى سوى مترجلين من هنا وهناك، عدد منهم يرتدي القناع الواقي.

أثناء خروجنا من العاصمة عبر باب عليوة رأينا محطة سيارات الأجرة (اللواج) فارغة تماما، كما أن محطة الحافلات المقابلة لها أيضا كانت فارغة إلا من بعض المارة، لكن المنطقة التي تقع بين مقبرة الجلاز والمستشفى العسكري تتميز بحركية كبيرة سواء من حيث عدد السيارات أو عدد المترجلين. ومن هنا يظهر الفرق شيئا فشيئا بين العاصمة وبين المناطق المحيطة بها، كلما اقتربنا من الضاحية الجنوبية للعاصمة تتغير ملامح الحجر الصحي الشامل، في مدينة بن عروس مثلا تظهر تجمعات المواطنين هنا وهناك، طوابير أمام المغازات والمحلات والمخابز مع تواصل معركة شراء المواد الأساسية (خاصة السميد والفارينة)، باعة الخضر والغلال ينتصبون في كل مكان، حتى الشباب من سكان الأحياء تجدهم يتجولون دون سبب ويقفون في شكل مجموعات على الأرصفة هنا وهناك، وفيهم من بقى وفيا لعاداته اليومية واختار الوقوف أمام المقهى المغلق بسبب الحجر.

يعتبر محمد (بائع خضار وغلال) في بن عروس أن انتصابه في الشارع هدفه توفير المواد للمواطنين خاصة بعد غلق السوق الأسبوعية بسبب الحجر الصحي،

نحاول توفير بدائل للأهالي حتى لا يضطرون إلى التنقل خارج المنطقة لشراء الخضار والغلال، نحن لا نخرق الحجر الصحي بل نساعد الدولة ونساهم في عدم تنقل الأهالي إلى مناطق أخرى، كل الزبائن هنا يبتعدون عن بعضهم البعض ويحترمون الاجراءات ولم يغادروا منازلهم إلا للتزود بما يلزمهم.

صحيح أن سيارات الشرطة تجوب شوارع المدينة طوال النهار، لكن ذلك لم يغير شيئا من حالة اللامبالاة لدى المواطنين الذين اختاروا الخروج إما للتزود أو للتجول. هذه المظاهر تكاد تكون منعدمة في الشوارع الكبرى لمدينة بن عروس، فشارع الحبيب بورقيبة وشارع الجمهورية لا تجد فيهما سوى السيارات وعدد قليل من المواطنين أمام فروع البنوك وشركات الاتصالات ومكاتب البريد، لكن الأنهج الداخلية (نهج أولاد حفوز، نهج بنزرت ونهج باريس) لا تكاد تخلو من الحركية.

وغير بعيد عن وسط مدينة بن عروس، يشهد طريق مرناق (الفاصل بين الياسمينات والمدينة الجديدة) حركية كبيرة وهو أحد أهم الشوارع في المنطقة من الناحية التجارية لما يحتويه من مغازات وبنوك وشركات اتصالات ومحلات ومطاحن ومطاعم ومقاه وباعة متجولين للخضر والغلال، حافظ هذا الشارع على ما يُعرف عنه من انتصاب فوضوي على طرفي الشارع وبقي باعة الخضر والغلال في أماكنهم لا يغادرونها إلا مع بدأ توقيت حظر التجول. مئات المواطنين بين سيارات ومارة وطوابير يزورون يوميا هذا الشارع الكبير، حتى الوجود الدائم لقوات الشرطة لم يغير من سلوك الناس، كأنك تتجول في مكان غير خاضع للحجر الصحي.