انتظرنا لأكثر من ثلاثة أسابيع حتى تعقد الحكومة اجتماعا وزاريا بتاريخ 13 أفريل صدر عنه بيان فيه حزمة من الإجراءات المتعلقة بالحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد، ومن المنتظر أن تصدر هذه الإجراءات في شكل مراسيم تباعا. ومنذ فرض الحجر الصحي الشامل تعاملت الدولة مع الوضع الوبائي العام ومع المخالفين لقواعد حظر التجول والحجر الصحي وفقا لاجتهادات الوزارات المختلفة دون أي سند قانوني.

ضرورة وضع إطار قانوني لمعاقبة المخالفين

إن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لفرض الحجر الصحي الشامل وحظر التجول ليلا لم تكن متلائمة في البداية مع احتياجات المواطنين، مما دفع بالمئات منهم إلى التجمهر أمام مراكز البريد خاصة بالنسبة للمتقاعدين والعائلات المعوزة، بالإضافة إلى تجمهر الناس في محلات التزود بالمواد الغذائية. كما تم اللجوء إلى إيقاف المخالفين للحجر الصحي وحظر التجول مما يعني تجميعهم بطريقة أخرى في مراكز الإيقاف (مركز بوشوشة على سبيل المثال يشكو من اكتظاظ مزمن). وهنا تؤكد المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في بيان لها أن معاقبة المخالفين للحجر الصحي ينظمه القانون رقم 92 لسنة 1992في فصله 18 والذي ينص على أنه ”يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام كل من يتعمد بسلوكه نقل عدوى المرض المصاب به إلى الغير”، كما نص القانون على أنه ”يعاقب بالسجن من شهر إلى ستة أشهر كل من يغادر المستشفى الذي أودع به وجوبيا ولو لفترة وجيزة طبق الفصل 19 من القانون“، ويقضي العقاب في الحالتين في سجن استشفائي.

ويُذكر أنه مع بداية الحجر، وقبل أن تقرر الحكومة إصدار مرسوم يمكنها من فرض خطية مالية قدرها 50 دينار في حال عدم احترام تدابير الحجر الصحي، تعاملت بعض عناصر الشرطة مع المخالفين والمتجولين دون مبرر باستعمال العنف اللفظي والبدني كما ورد في مقطع فيديو انتشر على شبكة فيسبوك يبين الطريقة التي استعملتها قوات من الشرطة بمنطقة باردو لفرض الحجر ودفع المواطنين للعودة إلى بيوتهم.

وتستند الدولة التونسية في تطبيق الحجر الصحي الشامل وحظر التجول على الأمر 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ والذي يمنح وزير الداخلية (في فصوله 4 و5 و6 و7) صلاحيات استثنائية تشمل حظر تجول الأشخاص والعربات وتحديد إقامة الأشخاص ومنع التجمعات وغلق المحلات ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والتلفزي والعروض السينمائية والمسرحية دون وجوب الحصول على أذون قضائية مسبقة.

لكن المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تعتبر أن وزارة الداخلية لجأت إلى عقوبات لا تستند إلى أي قانون منها ”حجز رخص السياقة وحجز البطاقات الرمادية وحجز العربات ذاتها“ في الوقت الذي تنص فيه مجلة الطرقات على أن سحب الرخص يكون في حالات محددة ليس منها مخالفة الحجر العام. لذلك توصي المنظمة بضرورة الإسراع بتقنين مخالفات الحجر الصحي وإخراجها عن موضوع الاجتهادات حسب نص البيان.

تعسف على مهن مستثناة من الحجر

تعتبر تونس دولة متخلفة في مجال التجارة الالكترونية والمعاملات المالية التجارية، مقارنة بالدول المتقدمة وأيضا بدول عربية وافريقية تطورت فيها هذه المجالات التي كانت ستعفي المواطنين مشقة التنقل للتزود وسحب الجرايات من البنوك ومراكز البريد. لكن بعض الشركات التي حاولت أن تقدم هذه الخدمات تعرضت إلى مضايقات أثناء عملها، واعتدى عناصر من الشرطة، الجمعة 27 مارس على سائق دراجة نارية يعمل في خدمة إيصال الطلبات إلى المنازل رغم أنه تحصل على كل التراخيص اللازمة لذلك. وحين اشتكى من الاعتداء وقام بتصوير فيديو يتحدث فيه عن تعرضه للضرب من قبل عناصر من الشرطة، تدخلت غرفة العمليات وطلبت منه الذهاب إلى المركز الذي تم فيه الاعتداء لاستعادة وثائقه، لكنه فوجئ عند ذهابه يوم الاثنين 30 مارس بتحرير محضر في حقه وإيقافه بتهمة بث البلبلة ونشر أخبار زائفة بعد استشارة النيابة العمومية.

حتى عمليات جمع التبرعات لفائدة لمستشفيات والعائلات المعوزة التي يقوم بها متطوعون في مختلف ولايات البلاد لم تسلم من مضايقات من قبل أعوان التنفيذ في بعض الحالات، لعل أبرزها حالة إيقاف رئيس منظمة أنا يقظ أشرف العوادي وهو بصدد جمع تبرعات في شكل أدوية كان ينوى إرسالها في سيارة إسعاف لولاية جربة. لقد تم إيقاف العوادي في مركز بوشوشة بتهمة خرق حظر التجول والحال أنه كان يدعم المجهود الوطني للوقاية من فيروس كورونا وكان له الفضل في تجهيز عدد من المستشفيات بمواد التعقيم وأدوات الوقاية والأدوية وغيرها.

إيقاف مدون وإعتداء على صحفي

وكان للصحفيين والمدونين نصيب من هذه الممارسات التعسفية، وهنا لن نتحدث عن التضييقات المعتادة أو طلب تراخيص التصوير في أماكن غير موجبة للترخيص، فقد أوقفت قوات الشرطة في ولاية نابل مراسل إذاعة شمس أف ام بالولاية منتصر ساسي بعد أن حاول تصوير عملية إعادة رجل أعمال وزوجته كانا قد غادرا الحجر الصحي الاجباري بطريقة غير قانونية. الصحفي منتصر ساسي واكب العملية الأمنية وأوقفته قوات الأمن أثناء قيامه بعمله واحتجزته لمدة ساعتين وطالبته بفسخ الصور ومقاطع الفيديو التي صورها بحجة أنه لم يستظهر بترخيص للتصوير في تلك المنطقة.

وفي منطقة حلق الوادي أوقفت قوات الشرطة المدون الشاب والطالب محمد أمين سعدو بتهمة إثارة البلبلة والتحريض، وذلك بعد أن صور مقطع فيديو نشره على شبكة فيسبوك يتحدث فيه عن مواد التعقيم التي تستعملها بلدية حلق الوادي. هذا الإيقاف جاء على خلفية شكوى تقدمت بها بلدية حلق الوادي بتاريخ 25 مارس في حق الشاب حيث بقي ليومين في مركز الإيقاف ببوشوشة قبل أن يتم إطلاق سراحه مع تواصل مسار القضية. وبالإضافة إلى القضية التي تتابع محمد أمين سعدو بمجرد أنه نشر فيديو على فيسبوك يتحدث فيه عن عدم جدوى مواد التعقيم التي تستعملها البلدية (بغض النظر عن صحة قوله)، فإن إيقاف المدون لمدة يومين في بوشوشة جعله عرضة لانتقال العدوى خاصة وأن مركز الإيقاف لا تتوفر فيه أدنى شروط السلامة والكرامة الإنسانية.

إن الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس لا تبرر بأي حال من الأحوال تجاوز السلطة والتعسف واستعمال العنف في حق المواطنين، ولا أحد هنا يقلل من خطورة المرحلة وحساسيتها وما يمكن أن ينجم عنها من تجاوزات. ولكن على الدولة، إن كانت تسعى إلى تضامن مجتمعي كامل لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا، التعامل مع المواطنين على أساس الشراكة لا التعسف.