مع بداية انتشار فيروس كورونا خارج ووهان، وتسجيل أولى حالات العدوى خارج الصين، أصيب العالم بالخوف والهلع. وكانت أسعار النفط أولى ضحايا الفيروس، وبعد الارتفاع النسبي الى حدود 70 دولار للبرميل الواحد عادت للتراجع إلى حدود الثلاثين دولار. هذه الصدمة جعلت خبراء الاقتصاد يتحدثون عن ركود للاقتصاد العالمي، وذهب آخرون إلى أن العالم باتجاه أزمة عميقة ستمس كل مناحي الحياة، وهي لن تكون اقل من أزمة 1929.

مصائب قوم؟

عديد المختصين في مجال الاقتصاد وحتى بعض المسؤولين السياسيين في تونس رأوا في هذه الأزمة فرصة حقيقية للاقتصاد التونسي، ذلك أن فرضيات إعداد الميزانية استندت إلى اعتماد معدل سعر برميل النفط الخام من نوع “البرنت” ب65 دولار للبرميل لكامل السنة، وتراجع سعر البرميل الى أكثر من النصف سيعطي فرصة الانتعاشة للاقتصاد التونسي. لكن الأزمة تبدو أعمق بكثير من مجرد انخفاض أسعار النفط وتتعدى ذلك بحكم أن جميع القطاعات الإقتصادية في تونس سوف تتأثر سلبا وستشهد خسائر تتجاوز بكثير المبالغ التي سيتم تحصيلها من انخفاض أسعار النفط العالمية.

من المنتظر أن يكون لفيروس كورونا تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني حيث سيُسجل قطاع السياحة تراجعا بـ20 بالمائة وقطاع النقل الجوي تراجعا بـ30 بالمائة، والنقل البحري تراجعا ب50 بالمائة حسب دراسة أعدها كل من وزير المالية السابق حكيم بن حمودة والخبير الاقتصادي محمد الهادي بشر نشرت في جريدة المغرب الصادرة يوم 15 مارس الجاري. وبينت الدراسة أن الأزمة الصحية بسبب الفيروس ستُخلّف تراجعا في نسبة النمو ليصل 1.86- بالمائة، كما ستُخلّف أيضا ارتفاعا في نسبة البطالة لتصل 4.15 بالمائة .

ومن المنتظر أن تتأثر تونس بشكل كبير بما يجري في أوروبا بحكم ارتباط اقتصادها كليا بالجانب الأوروبي، فقد صنّفت منظمة الصحة العالمية أوروبا باعتبارها بؤرة عالمية لانتشار فيروس كورونا، والواضح أن بلدان مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وربما أيضا ألمانيا لن تخرج بسهولة من الوباء وأن تجاوز هذه الازمة سيتطلب الكثير من التضحيات الاقتصادية.

شريك في الانعاش

وتعتبر أوروبا، وأساسا البلدان التي تفشى فيها الوباء الشريك الأساسي لتونس. إذ تمثل كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا السّوق الأساسي للسياحة التونسي وتزوّد الفنادق التونسية بأكثر من نصف حرفائها سنويا. كما يعني تواصل الوباء في هذه البلدان تراجع الصادرات التونسية بشكل حاد تجاه هذه المنطقة وقد بدأت بوادر هذا التراجع الظهور من خلال إقدام بعض البلدان الأوروبية كفرنسا على تعليق استيراد المنتوجات البحرية، كما أن التأثيرات السلبية سوف تمس العديد من القطاعات الأخرى كالنقل البحري والجوي بحكم أن الشركات العاملة في هذا المجال تعمل أساسا على خطوط تربط تونس بدول الإتحاد الأوروبي.

على صعيد آخر، ينتظر أن تشهد القطاعات التصديرية الناشطة في التراب التونسي انخفاضا حادا بحكم تراجع الاستهلاك العالمي خاصة لدى الشريك الأساسي لتونس الإتحاد الأوروبي حيث أقدم الكثير من الشركاء الأوروبيين على إلغاء طلبيات تخص النسيج التونسي بسبب التوقف شبه الكامل وحالة الشلل التي تعيشها البلدان الأوروبية. ومن المتوقع إضافة إلى السياحة والنقل والصناعات التقليدية والتجارة الخارجية، تراجع الصناعات التصديرية كالنسيج وصناعة مكونات السيارات والصناعات الميكانيكية والكهربائية.

أما القطاعات التي تهم التجارة الداخلية والخدمات فهي بالتأكيد سوف تتأثر سلبا بحكم الحجر الصحي وتحديد ضوابط استهلاك معين مع وجود حالة خوف وهلع لدى المستهلك مما سيؤثر على قطاعات واسعة تشغل مئات آلاف العملة كقطاعات المطاعم، النزل، النقل، رياض الأطفال والمقاهي. ما سيدفع بهذه المؤسسات إلى التسريح القصري لآلاف العملة والموظفين.