إلياس الفخفاخ في جلسة منح الثقة بمجلس نواب الشعب، 26 فيفري 2019. صورة لأحمد زروقي

يُعرف إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة الجديدة ووزير المالية الأسبق، بأنه من الجيل السياسي الجديد الذي بدأ نشاطه السياسي بعد الثورة، يصنف نفسه ضمن العائلة اليسارية الاجتماعية وضمن أنصار قيم الحداثة والمساواة. لكنه في الآن نفسه وزير في منظومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة، يحمل في وزره مرحلة كارثية من تاريخ تونس عرفنا خلالها تراجعا في جميع المجالات خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أول وزير مالية يوقع اتفاقية القروض مقابل الإصلاحات الهيكلية مع صندوق النقد الدولي.

من الشركات الدولية إلى القصبة

تحصل الفخفاخ، 47 عاما أصيل ولاية صفاقس، على شهادة في الهندسة الميكانيكية من المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس سنة 2005، غادر إثر ذلك إلى فرنسا حيث تحصل على الماجستير في الدراسات الهندسية المعمقة من المعهد الوطني للعلوم التطبيقية بليون وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة إيسون في باريس. عملمديرا في شركة مختصة في صناعة المطاط تابعة لشركة توتال قبل أن يصبح مديرا للإنتاج في فرع الشركة ببولونيا، عاد إلى تونس في 2006 حيث تولى الإدارة العامة لشركة مختصة في صنع قطع غيار السيارات (اوتوموتيف كافيو) وبقي في منصبه إلى غاية دخوله الحكومة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي موفى2011 . مسيرته تشبه كثيرا مسيرة شخصيات مثل مهدي جمعة ويوسف الشاهد من حيث قضاء جزء من حياتهم خارج البلاد والعمل في شركات دولية واهتمامهم بالنشاط السياسي بعد الثورة حيث تقلدوا مناصب وزارية ثم رئاسة الحكومة.

صورة لمالك الخميري

محاولة يائسة لإحياء التكتل

قرر خوض غمار العمل السياسي مباشرة بعد الثورة والتحق التكتل من أجل العمل والحريات وكان أحد قادة حملته في انتخابات المجلس التأسيسي ثم تولى رئاسة المجلس الوطني للحزب في المؤتمر الثالث للحزب سنة 2017. كان مقربا من زعيم الحزب مصطفى بن جعفر مما أهله ليكون وزيرا للسياحة في حكومة حمادي الجبالي في ديسمبر  2011ثم وزيرا للمالية في حكومة علي العريض في مارس 2013 حيث بقى في ذلك المنصب إلى حدود تسليم السلطة إلى حكومة مهدي جمعة. كان من أكثر الوزراء إثارة للجدل في تلك الفترة خاصة بعد أن قرر فرض إتاوة (ضريبة على السيارات في ميزانية الدولة لسنة 2014 مما خلف احتجاجات كبيرة ضده، لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتوقع أن يكون ذلك لوزير مالية اندلعت ضده احتجاجات عنيفة أن يكون يوما ما رئيسا للحكومة.

بعد مغادرته الحكومة عاد إلى عالم الأعمال حيث شارك في تأسيس شركة متخصصة في الاستشارات وتمويل مشاريع البنية التحتية وتثمين النفايات لمنطقة شمال إفريقيا، إلى حين دعوته من قبل الرئيس قيس سعيد لتسليمه رسالة التكليف بتشكيل حكومة جديدة للبلاد.

لم يكن للفخفاخ ظهور سياسي أو اعلامي منذ مغادرة حكومة علي العريض السلطة في جانفي 2014 وإلى حين ترشحه في الانتخابات الرئاسية. أراد من خلال هذا الترشح النفخ في جثة حزب التكتل  وإعادته إلى المشهد بعد اضمحلاله في انتخابات 2014. ظهر في ثوب جديد: أبعد عن المشهد قيادات تاريخية في الحزب مثل مصطفى بن جعفر وخليل الزاوية وأحاط نفسه بمجموعة من الشباب قادوا حملته الانتخابية. تبنى الفخفاخ خطابا سياسيا مغايرا لخطاب حزب التكتل القديم خاصة من حيث الوضوح في المواقف المتعلقة بالحقوق والحريات الفردية والمساواة بين الجنسين وإلغاء الفحص الشرجي وإلغاء عقوبة استهلاك القنب الهندي. هذا الخطاب وهذه الحملة التي خاضها لم تمكنه من تجاوز عتبة الواحد في المئة (0.34) من أصوات الناخبين، وانضم إلى كوكبة المرشحين المصنفين ضمن الصفر فاصل واعتقد الجميع أنه سيختفي من جديد، لكنه كان الناجي الوحيد من جماعة الصفر فاصل.

صديق لدود للنهضة

عاد نجمه إلى الظهور وتصدر المشهد السياسي مع ترشيحه لرئاسة الحكومة من قبل حزب تحيا تونس وتزكية من حزب التيار الديمقراطي. وتم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة من قبل رئيس الجمهورية على قاعدة الأحزاب المساندة لقيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. أبدى موقف متشدد فيما يتعلق برفضه مشاركة حزب قلب تونس في مشاورات تشكيل الحكومة قبل أن يتراجع ويلتقي نبيل القروي في منزل راشد الغنوشي بعد وساطة من هذا الأخير. عاش الفخفاخ أياما من التذبذب وعدم الوضوح في علاقة بانسحاب النهضة من المشاورات بسبب رفضه لحزب قلب تونس، لكنه عاد ليتمسك بموقفه بعد أن وجد دعما من رئيس الجمهورية ومن رئيسي المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف نور الدين الطبوبي وسمير ماجول. مما دفع النهضة إلى القبول بموقف إلياس الفخفاخ مقابل الترفيع في حصتها من الحقائب الوزارية والمشاركة في الحكومة تجنبا لاحتمال حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

لم يكن لرئيس الحكومة الجديد لينال ثقة مجلس نواب الشعب لولا تدخل حاسم من رئيس الجمهورية قيس سعيد. كان يتحرك منذ تكليفه ضمن خط الرئيس حتى وصفه البعض بأنه لن يكون رئيسا للوزراء بقدر ما سيكون وزيرا أولا لدى قيس سعيد. لكنه في الآن نفسه أصر على الظهور في صورة السياسي الذي لا يرضخ للضغوط وانطلق مساعدوه، خاصة كاتب الدولة للشباب في حكومة الترويكا الدكتور فتحي التوزري والناشط في الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا عدنان بن يوسف، في مزيد تحدي النهضة والرفض القطعي لمطلبها بتشريك حزب قلب تونس في الحكومة.

إعادة اعتبار للسياسة بدل منطق التكنوقراط

رغم أن خلفية إلياس الفخفاخ اقتصادية بالأساس، وهو الذي عمل في تونس وخارجها ضمن شركات دولية، إلا أنه يقدم نفسه على أساس شخصية سياسية ذات خلفية اقتصادية خاضت تجربة حزبية وحكومية في فترة حرجة من تاريخ تونس، ولمزيد تثبيت هذه الرؤية أحاط نفسه بشخصيات سياسية بارزة على غرار المحامي والمناضل الحقوقي العياشي الهمامي ومدير ديوانه فتحي التوزري.

لم يبتعد رئيس الحكومة عن تاريخه الحزبي والسياسي، فقد استعان منذ البداية بوجوه منحزب  التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات مثل لبنى الجريبي التي أصر على توزيرها مهما كانت الوزارة والنائب المؤسس جلال بوزيد الذي رافقه طيلة فترة تشكيل الحكومة وكان حضوره لافتاً في كواليس جلسة منح الثقة بمجلس النواب.

ينطلق إلياس الفخفاخ نحو عهدة حكومية تتسم بالصعوبة وكثرة التحديات مع احتمال كبير للفشل نظرا لصعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي مقابل فريق حكومي متنوع حد التناقض يضم شخصيات سياسية وحزبية من الصف الأول.سيكون أمام رئيس الحكومة مهمة الحفاظ قدر الإمكان على تضامن ووحدة فريقه الحكومي والتفاهم مع أحزاب الائتلاف، بالإضافة إلى مهمة أصعب وهي النجاح في تحريك عجلة الاقتصاد وتنفيذ الإصلاحات الكبرى وتحقيق الحد الأدنى من الكرامة وتوفير الخدمات الحياتية للمواطنين والحد من غلاء الأسعار والتقليص من نسب الفقر والبطالة في صفوف الشباب خاصة من أصحاب الشهائد العليا.