ثلاثة ملفّات عاجلة أمام الحكومة الجديدة، الملفّ الاول هو إنعاش المالية العمومية المنهارة وتوفير الموارد الضرورية لمواجهة النفقات العاجلة، لا سيّما أجور الموظفين. ثانيا تحقيق تحسينات ملموسة في الخدمات العامة، التي تتراجع يوما بعد آخر، خاصة في مجالات الصحة والنقل والاوضاع المعيشية. وثالثا الاستجابة لطلبات الدائنين ولا سيما صندوق النقد الدولي للقيام بإصلاحات عاجلة وخاصة الضغط على كتلة الأجور بالوظيفة العمومية من خلال التقليص من عدد الموظفين وتجميد الانتدابات وعدم الترفيع في الأجور وإصلاح المؤسسات العمومية. فضلا عن الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات.

شبح الافلاس

تشير آخر إحصائيات البنك المركزي أن رصيد الخزينة العامة للدولة لا يتعدى 848 مليون دينار (300 مليون دولار). وهو مخزون لا يمكّن من التسيير العادي للنفقات اليومية للدولة وخاصة النفقات المتعلّقة بالأجور وحاجيات الدعم. وتبلغ كتلة أجور الموظفين في تونس 19 مليار دينار سنويّا (6.6 مليارات دولار) أي نحو 1.5 مليار دينار (526 مليون دولار) شهريّا، وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على المالية العمومية. وفي 31 جانفي 2020، وقعت وزارة المالية التونسية، اتفاق قرض بالعملة الصعبة مع 17 مؤسسة مالية تونسية لتعبئة 455 مليون يورو (17.1417 مليون دينار) لتعبئة موارد لفائدة ميزانية الدّولة لسنة 2020.

وقالت الوزارة على صفحتها الرسمية بفايسبوك، أن هذه العملية ستمكن من تحقيق الاستقرار على مستوى العملة خاصة أن هذه العملة متأتية في جزء منها من إيداعات غير المقيمين. وتقوم حكومة تصريف الأعمال بتدبّر أمر الأجور  باللجوء الشهري إلى البنوك المحلية لإصدار سندات خزينة تقدر بـ200 مليون دينار. وحسب الإحصائيات الرسمية عن الميزانية الخاصة لعام 2020، فإن الدين العام بلغت قيمته من حيث أصل الدين والفوائد 98.7 مليار دينار (34.8 مليار دولار) وبما يعادل حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي. واللافت أن فوائد الديون تشكل نسبة كبيرة من إجمالي الدين العام، فقد بلغت 32.5 مليار دينار، في حين أصل الدين 66.2 مليار دينار. وهو ما يعني أن تكلفة الديون خلال فترة السنوات التسع الماضية كانت عالية، فهي تمثل نحو ثلث إجمالي الدين العام.

وقد وقعت تونس في ماي 2016، مع الصندوق الدولي اتفاقا بحوالي 2,9 مليار دولار بعد اتفاق سابق ب1,4 مليار دولار. ويتعين الآن التفاوض على اتفاق جديد قبل ماي 2020، تاريخ سداد القرض الثاني. وفي حالة عدم التوصل لاتفاق بين الحكومة الجديدة والصندوق ستواجه الحكومة صعوبة شديدة خلال الفترة القادمة في الحصول على احتياجاتها التمويلية، فالاتفاق مع الصندوق هو البوابة المعتمدة لدى أسواق التمويل الدولية.

شروط صندوق النقد الدولي

في أكتوبر 2019، زار وفد من صندوق النقد الدولي تونس خارج إطار المواعيد الفصلية قصد التأكيد على خطورة الوضع. كان ذلك في خضم الانتخابات التشريعية والرئاسية، وآنذاك صرّح باولو ماورو،  المدير المساعد لقطاع المالية العمومية لصندوق النقد الدولي، الذي جاء لتونس خصيصا في هذه المناسبة:

إن أولوية الأولويات هي تنفيذ إصلاحات هيكلية لفائدة الشركات العمومية المثقلة بالديون والتي تجد صعوبة في الحصول على التمويل وضمان خدمة ديونها دون دعم من الدولة. لوماناجير، تونس 30 سبتمبر 2019.

وقال بشكل صريح أنه يتعين على هذه الشركات العمومية (نقل، اتصالات، صناعة…) المثقلة بالديون أن تعيد بسرعة التوازن إلى حساباتها. وللوصول إلى ذلك في مرحلة من النمو الاقتصادي الضعيف لا يوجد سوى حل واحد وهو تقليص عدد العاملين. كما بيّن الممثل المقيم لصندوق النقد في تونس أن الملفين الرئيسيين المختلف عليهما بين الصندوق والحكومة التونسية هما ملف أجور الموظفين الحكوميين ودعم الوقود.

ويعارض الاتحاد العام التونسي للشغل أي إصلاحات على المؤسسات العمومية يكون ضحيّتها الاعوان والعملة، وفي مقابل مطالبات الصندوق الدولي بالضغط على الأجور في المؤسسات العمومية وفي الهياكل الحكومية، من أجل الضغط على حجم الأجور والحد من التداين، يطالب الاتحاد بالترفيع في الأجور بما يتماشى والتضخّم والارتفاع المهول للأسعار. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل يستفيد شهريا من الاقتطاعات الالية للموظفين والعاملين بالمؤسسات العمومية بعنوان الاشتراك في الاتحاد. وتمثّل هذه العائدات النسبة الهامة والقارة لتمويل الاتحاد واستمرايته.

بين المطرقة والسندان

ستجد حكومة الفخفاخ نفسها بين مطرقة الدائنين، وأساسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبين سندان الشارع والنقابات وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل. بعد أشهر من الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية، وبعد حملات الوعود والأماني التي مارستها الأحزاب السياسية، لتحسين مستوى العيش ومقاومة الغلاء والفقر والبطالة، ينتظر التونسيون بمختلف شرائحم الكثير من حكومة الفخفاخ. وإن لم يثر قانون المالية لسنة  2020ردود فعل أو احتجاجات، فإن السبب الأساسي لذلك يتمثل في انتظار الحاكمين الجدد ووعودهم.

الفقراء ينتظرون تحسين ظروفهم المعيشية، العاطلون ينتظرون فرص عمل في حين يتطلّع الموظفون المتعبون تحسين في قدرتهم الشرائية وزيادة في أجورهم، وينتظر كل التونسيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية تحسين الخدمات العامة، خدمات النقل والصحة وغيرهما. في المقابل يطالب الممولون بالعكس تماما: تجميد الأجور وتسريح الموظفين، ورفع الدعم عن المحروقات. والمشكلة أن حكومة الفخفاخ ليس لها حرية الاختيار، الممولون يعتبرون الإصلاحات ضرورية، والمواطنون بدأوا يفركون أياديهم استعدادا لجني وعود الانتخابات.