استأنف عمال الحضائر احتجاجاتهم منذ ديسمبر 2019 إثر اقدام عامل حضيرة يُدعى عبد الوهاب الحبلاني على إضرام النار في جسده يوم 29 نوفمبر 2019 أمام مقر معتمدية جلمة بولاية سيدي بوزيد للمطالبة بتسوية وضعيته مع زملاءه. وانتشرت بعدها الاحتجاجات في مناطق أخرى مثل النفيضة وقبلي وسيدي بوزيد والقصرين، وذلك للمطالبة بتسوية وضعية عملة الحضائر في مختلف ولايات الجمهورية.

حكومة الشاهد تنقض العهد

يرتكز المحتجون في مطالبهم على اتفاق  28ديسمبر 2018، الممضى بين الحكومة ممثلة في وزير الشؤون الاجتماعية ووزير المالية ومستشار رئيس الحكومة المكلف بالملفات الاجتماعية من جهة ووفد الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى، والذي ينص على تمكين عملة الحضائر الذين بلغوا 60 عاما من منحة شهرية تضاهي قيمتها المنحة المسندة للعائلات المعوزة التي بلغت 180 دينار مع بطاقة علاج مجاني. كما يسند هذا الاتفاق منحة مغادرة يساوي مبلغها الجملي الأجر الأدنى المضمون لمدة 36 شهرا مع تمكينهم من قرض لبعث مشروع من البنك الوطني للتضامن، بالإضافة إلى تسوية وضعية العملة الذين اثبتت الوزارات التي يباشرون بها قيامهم بأعمال فعلية.

⬇︎ PDF

وتكمن خطورة هذا الملف في أن شريحة من عملة الحضائر اقتربت من سن التقاعد مما يجعلها عرضة لانقطاع مورد رزقها، لذلك يصر العملة على التسريع بتطبيق بنود الاتفاق المذكور. وكان آخر تفاعل حكومي مع الملف تصريح وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي الذي أعلن في 17 ديسمبر 2019 عن تسوية وضعية حوالي 3400 من عمال الحضائر ممن بلغوا سن التقاعد بتمكينهم من إعانة شهرية قارة تساوي المنحة المسندة للعائلات المعوزة.

هذا الملف يتضمن مفارقة كبيرة: نحن عمال الحضائر لسنا تابعين للقطاع الخاص، ولسنا مثل الموظفين العموميين ولا نحصل على راتب محترم ولا نتمتع بالمنح والترقيات والتقاعد. في نفس الوقت، نعمل تابعين لوزارة الفلاحة بالنسبة لعمال الحضائر الفلاحية في حين يتبع عمال الحضائر الجهوية وزارات أخرى كالصحة والتربية والبيئة والتجهيز.

محمد العكرمي، عن مجمع التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر

ويعتبر العكرمي أن “التجاذبات السياسية خاصة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل عطلت تسوية الملف وتطبيق اتفاق 28 ديسمبر وإلى حد الآن لا توجد إرادة سياسية فعلية لإنهاء هذا الملف الذي طال أكثر من اللازم”. وقال العكرمي لموقع نواة إن التنسيقية حاولت تأطير الاحتجاجات حتى لا تنفلت خاصة بعد انتحار الشاب في جلمة وتم التوجه نحو تحرك وطني أمام مجلس نواب الشعب في     15جانفي2020 .

ولم تنقطع احتجاجات عمال الحضائر منذ الثورة رغم كل الوعود التي قطعتها الحكومات المتعاقبة لحل هذا الملف وآخرها حكومة يوسف الشاهد، حيث ينتظر 72 ألف عامل من عمال الحضائر تسوية وضعيتهم وتطبيق الاتفاق الممضى بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل منذ سنتين. وغالبا ما تتجه الحكومة نحو استعمال الحل الأمني لمواجهة هذه الاحتجاجات.

أداة لاحتواء الغضب الإجتماعي

آلية الحضائر ليست وليدة الثورة بل استعملتها حكومات قبل 2011 بهدف امتصاص نسب البطالة المرتفعة خاصة في صفوف اليد العاملة ذات التكوين المتدني، لكنها كانت بالنسبة لحكومات ما بعد الثورة مخرجا لإسكات المحتجين المطالبين بالشغل حيث أدمجت الحكومات تحت الضغط عشرات الآلاف من المعطلين بهدف الحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي.

وعوض التوجه نحو حل تدريجي لهذا الملف، اعتمدت الحكومة سياسة الهروب إلى الأمام عبر تجاهل مطالب عمال الحضائر وعدم تطبيق الاتفاقيات السابقة من جهة، ومن جهة أخرى تستعمل هذه الآليات لمزيد ادماج عمال جدد منهم حاملين لشهائد جامعية رغم أن الهدف الأساسي لإحداث هذه الآلية هو ادماج اليد العاملة ذات التكوين والمستوى التعليمي المتدني. ويشتغل عمال الحضائر في مجال التشجير ومشاريع البنية التحتية والحراسة والتنظيف وغيرها دون التمتع بالحقوق التي يتمتع بها العاملون في القطاع العام.

بعد خمسة أيام من الآن، أي تاريخ التحرك الوطني في  15جانفي الجاري 2020، غير عملة الحضائر إستراتيجيتهم من التظاهر والاعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة بالقصبة إلى التظاهر أمام مجلس نواب الشعب. ويعتبر عملة الحضائر أن التوجه إلى التظاهر أمام البرلمان يعود أساسا إلى أن السلطة التشريعية مسؤولة عن وجود قوانين قديمة غير دستورية وهي مطالبة بتعديلها مثل قانون عدد 32 لسنة 2002 والمتعلق بنظام الضمان الاجتماعي لبعض أصناف العملة في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي. ويؤكد محمد العكرمي ضرورة تنقيح هذا القانون حتى يتماشى مع الفصل 40 من الدستور الذي ينص على أن “العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف. ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل”.

رغم المماطلة التي مارستها الحكومات المتعاقبة منذ 2011 إلا أن المعنيين بتسوية ملف عمال الحضائر لم يوقفوا احتجاجاتهم على المستوى الوطني والجهوي، وقال محمد العكرمي إن “حل الملف يتطلب إرادة سياسية وجرأة نقابية لأن الأمور ستتجه نحو الأسوأ إذا تواصلت الحالة كما هي عليه الآن”. وعبر العكرمي عن استعداد عمال الحضائر لتدويل القضية عبر الاتحاد العالمي للنقابات من أجل الضغط على الحكومة وفرض القطع مع التشغيل الهش في تونس حسب تعبيره.