نجاح قيس سعيّد في كسب ثقة أغلب الشباب وبناء حركة مساندة حول رؤية الديموقراطيّة المباشرة تلخّص الرغبة في التغيير والتعطّش الى العدالة الانتقاليّة في تونس. بينما تشير أغلب التحاليل السياسيّة الى أنّ فوز المرشحيْن المفاجئيْن يجب أن يُقْرَاَ على أساس كونه غزوة للأنظمة السياسيّة الموجودة، هي أيضا فرصة للمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنيّ ليبرزوا دورهم في إيصال أصوات الأقليات. بالنسبة للحركات النسويّة ومسانديها، تتمثّل المرحلة القادمة في إيجاد سبل لتسليط الضّوء على وضعيّة النساء ومساندة حركة نسويّة متجذّرة في صلب المعركة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة.
حان الوقت للقطع مع الموروث النسويّ المرتبط بالمؤسّسات
في حوار خاص مع سارة بن سعيد، تتساءل رئيسة منظّمة أصوات نساء المهتمّة بالحقوق السياسية للنساء، قائلة: “لا أفهم. لماذا يصوّت العديد من النساء لقيس سعيّد في حين أنّه يقول علنا أنّه ضدّ المساواة في الميراث؟ لتوضح لاحقا؛ ربّما فشلنا، نحن المجتمع المدني، في فهم مشاغلهم. علينا إعادة التّفكير في نماذجنا واستراتيجياتنا.”
تفتح خلاصتها الباب أمام مجموعة من الأفكار التي لا تنتهي: هل تمتلك كل النساء التونسيّات نفس الاهتمامات؟ ولنفترض أنّ المجتمع المدنيّ يمكنه أن يجلب اهتمامهنّ، –بما في ذلك أكثرهنّ هشاشة –إلى أي مدى كان إنشاء مشاريع نسويّة في تونس مسيّرا من طرف المجتمعات على مرّ السنوات التسع الماضية؟
لنعد بعض العقود الي الوراء، النسويّة تمّ استخدامها من طرف الحكومة لإضفاء شرعيّة على نظام بن عليّ المستبدّ. الحركة النسويّة المرتبطة بالدولة، قامت بعد الثوّرة ببناء موروث من خلال اقتراح مجموعة من الإصلاحات التي تهدف الى المساواة بين الجنسين عبر التركيز على الحقوق والحريات الفرديّة دون الأخذ بعين الاعتبار القمع الذي تتعرّض اليه المرأة ودون البحث في الصراعات الاقتصاديّة الاجتماعيّة والتي تمثّل جوهر الهيمنة على المرأة.
كما أنّ المنظّمات النسويّة التونسيّة والمجهودات الوطنيّة كانت دائما مهتّمة بإلغاء الحواجز القانونيّة و”الثقافيّة” التي تميّز بين “الرّجال” والنساء أو “الرجال” والأقليات”. التركيز كان على غياب المساواة في التشريعات وضمان ان يكون للرجال والنّساء نفس الحقوق الفرديّة تطابقا مع القوانين الدوليّة. الهدف كان ضمان نفس الحظوظ للرجال، النساء والأقليّات.
هذا ما يمكن أن يُعتبَرَ خطوة أولى نحو تبرير علاقات الهيمنة في المجتمع، لكن في سياق ما بعد الثّورة، قد يؤدّي ذلك الى عدّة نقائص:
- كيف للحقوق الفرديّة للنساء أن تتحوّل الى واقع عندما تكون الفرض الجماعيّة غير كافية، وفي ظلّ عدم امتلاك الطبقات الهشّة امكانيّة الحصول على الحاجيات الضروريّة؟
- هل يتوجّب على الخطاب النسويّ أن يجعل النّساء، اللاَّتِي يُعانِينَ مِن وضعيَّات هشّة، يتعايشن مع شُح الموارد وتزايد اختلال التَّوازن الاجتماعيّ والاقتصاديّ، أم يتحدّى النظام القائم من وجهة نظر تهدف الى إرساء عدالة اجتماعيّة؟
إهتمامات المرأة التونسية: صراعات متباينة و تجارب متفاوتة
النساء هنّ فئة متنوعة تتباين قواها على الصعيد الإجتماعي. إذن كيف يمكن أن يكون لديهن نفس المصالح؟
إن تجربة النساء التونسيات المتناقضة تعرضهن لحقائق مختلفة ومتشابهة في نفس الوقت.
واقع العاملات الزراعيات في تونس يختلف عن واقع النساء اللاتي يعشن في المدن. في الوقت نفسه ، قد تتشارك بعض النساء في المدينة وفي المناطق الريفية وضعيات مماثلة من الفقر والاستغلال في الوسط الشغلي. قد تتباين تصورات العاملات في الزراعة مع تجربتهن في نفس العمل الزراعي. قد تحصل بعض النساء اللاتي يعشن في العاصمة تونس على خدمات صحية أكبر من أولئك اللواتي يعشن في المناطق الريفية. هؤلاء النساء أنفسهنّ قد تربطهن تجارب متماثلة على صعيد العنف الأسري…
ويمكن أيضا النظر إلى قضايا المرأة فيما يتعلق بالصراعات الاجتماعية الأخرى. على سبيل المثال ، يتم التمييز ضد المرأة كعاملة وكمرأة. إذ تؤدي المرأة عملاً غير مرغوب فيه مثل العمل المنزلي. وهي ممثلة تمثيلا عاليا في الاقتصاد غير الرسمي – الذي يشغّل 83٪ من النساء العاملات تحت سن 40. عندما تشارك النساء في الاقتصاد الرسمي ، فإنهن يتركزن في الصناعات الاستغلالية شديدة خطورة مثل صناعة الملابس ويتحملن قدرا كبيرا من المساومة من قبل أرباب عملهن من الجنسين.
إن احتمال قيام ديمقراطية مباشرة، ورغبة الشباب في تغيير جذري، هي فرصة للحركة النسائية ذات التوجه السياسي لتتخلى أخيرًا عن الرؤية ذات البعد الواحد لتحرير المرأة وتتجاوز انقسام الهوية. إنها فرصة فريدة لتصوير التعقيدات المرتبطة ب”النساء” وترجمة هذه الأصوات التعددية إلى دعوة وطنية.
مستقبل النسوية التونسية ينبغي أن يثير نقاشات وأن يشارك بقوة في معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة على مستوى المجتمع على غرار اختلال ميزان القوى بين الجماعات والأفراد، وتدهور الخدمات الأساسية ، وتقلص الموارد، والقضايا البيئية، هناك حاجة إلى الحركة النسائية غير الحكومية لإعادة التواصل مع المجتمعات والشباب. يبدأ ذلك من خلال التشكيك في العمليات التي قد توسع الفجوات بين المجتمعات ومنظمات المجتمع المدني كالتمويل المشروط ووضع جدول أعمال ينبع من صوت النساء الأكثر هشاشة.
iThere are no comments
Add yours