لم تكن صورة المحامية ورئيسة الحزب الدستوري الحرّ، وهي تمتطي صهوة فرس في 14 مارس 2019، أثناء افتتاح مكتب جديد لحزبها في مدينة القلعة الكبرى وسط الأهازيج وخطابات الترحيب، سوى اختزالا لمسار الأحداث في تونس بعد 14 جانفي 2011. فالمحامية التّي ظلّت تدافع عن حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ حتّى لحظة النطق بالحكم في 02 مارس 2011، سرعان ما تجاوزت تلك المشاهد التّي عجّت بها مواقع التواصل الإجتماعي، وهي تغادر قاعة المحكمة مطرودة من قبل زملائها وتحت حماية أعوان الأمن الذّين نقلوها بعيدا عن المكان في حافلة تابعة لوزارة الداخليّة، فتثأر لخسارة معركتها القضائيّة من بوّابة العمل السياسيّ.

قبل 10 سنوات ونصف، كانت المسيرة السياسيّة لرئيسة الحزب الدستوري الحرّ، تبدو في غاية الروتينيّة وهي تتدرّج في بخطى حثيثة صلب هياكل التجمّع الدستوري الديمقراطي وأذرعه الجمعياتيّة والمهنيّة، لتتقلّد عدّة مهام على غرار مساعدة رئيس بلدية أريانة وعضوة المنتدى الوطني للمحامين إضافة إلى مسؤولية الكتابة العامة للجمعية التونسية لضحايا الإرهاب. القفزة الكبرى جاءت بعد تعيينها أمينة عامّة مساعدة مكلّفة بشؤون المرأة صلب الإدارة المركزيّة للحزب في 10 جانفي 2009. منصب نقلها من الصفوف الخلفيّة إلى الإدارة المركزيّة لحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي، لتشرف من موقعها على الذراع النسائيّة للحزب. دور ظلّت عبير موسي تستميت في تنفيذه بتفان، وهي تلقي كلمة في مقرّ التجمّع الدستوري الديمقراطي في أواخر شهر ديسمبر 2010، تشيد فيها بزيارة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لمحمد البوعزيزي و”برحابة صدره إزاء طيش شاب غُرّر به” و”حنانه وكرمه الذّي غمر به شباب تونس”. إلاّ أنّ تسارع الأحداث بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، لم يسعف آخر أمينة عامة مساعدة في التجمّع الدستوري الديمقراطي في الحفاظ على منصبها، لتغيب عن الساحة السياسيّة والإعلاميّة تلاحقها قضيّة اعتداء بالعنف على أحد زملائها وقرار مجلس التأديب التابع للهيئة الوطنية للمحامين بتجميد مباشرتها للعمل لمدّة سنة في جويليّة 2012.

توارت عبير موسي عن الأنظار، والبلاد تخرج من أوّل انتخابات ديمقراطيّة حقيقيّة لتغرق في جدال الهويّة والدين، وتعاظم نذر الإنزلاق إلى العنف ومزاج شعبيّ لم يكن ليلقي بالاً بخطاب الحنين إلى العهد السابق. لكنّ الرصاصات التّي استهدفت الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 06 فيفري و25 جويليّة 2013، خلطت أوراق الجميع وأعادت ترتيب حدود المسرح السياسيّ وأوليّات الصراع. لتعود هذه الأخيرة إلى العمل الحزبيّ تحت مظلّة الحرس القديم، بعد تأسيس حامد القروي للحركة الدستوريّة في 23 سبتمبر 2013، والتّي خاضت غمار الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة في السنة الموالية بترشيح عبد الرحيم الزواري للرئاسيّات وعبير موسي على رأس قائمتها للانتخابات التشريعيّة في مدينة باجة. قرار العودة إلى النشاط السياسيّ، وإن لم يأخذ محامية التجمّع كما درج على تسميتها، إلى قبّة باردو، إلاّ أنّه مكّنها خلال ثلاث سنوات من إزاحة الوجوه القديمة في الحركة الدستوريّة لتتولّى رئاستها في 13 أوت 2016 خلال مؤتمر “الثبات” الذّي عمدت خلاله إلى تغيير إسم الحركة إلى الحزب الدستوري الحرّ وإحداث تغييرات شاملة في الهيكل التنظيمي ليتمّ إحداث ديوان سياسيّ ولجنة مركزيّة مُستنسخةً هيكلة مدرستها القديمة والأولى؛ التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ.

لم يثر ظهور الحزب الدستوري الحرّ ووصول عير موسي إلى رئاسته حفيظة أيّ كان، ولم يكن يدور ببال أيّ من مكوّنات المشهد السياسيّ أنّ هذا الحزب قد يمثّل يوما ما خطرا على مواقعهم أو حصصهم الانتخابية. لا مبالاة كان مردّها فشل هذا التنظيم في الانتخابات التشريعيّة السابقة وقناعة البعض بحصانة منظومة التوافق من أيّ مفاجآت قد تحدث تغييرات راديكاليّة على الوضع القائم. لكن وبالتزامن مع كلّ فشل للإئتلاف الحاكم، ومع اشتداد الأزمة الإقتصاديّة والاجتماعيّة، وفي كلّ محطّة استحضر خلالها سلاح الاستقطاب الثنائيّ بين “الحداثيّين والمحافظين”، كانت عبير موسي تثبّت تواجدها كفاعل ذو وزن على الساحة السياسيّة، وكصوت عال ضدّ الإسلاميّين، قادر أن يستقطب وأن يجد آذانا صاغية في الشارع التونسيّ. تواجد انتهى بحصول حزبها على 76 مقعدا خلال الانتخابات البلديّة في 06 ماي 2018 تزامنا مع تثبيت سيطرتها على الحزب بقرارها في نفس تلك الليلة تجميد عضويّة خمسة من أعضاء الديوان السياسي.

بعد استثنائها من التعديل الأخير للقانون الانتخابي الذّي صادق عليه مجلس نوّاب الشعب في 18 جوان 2019، تجد عبير موسي اليوم نفسها في طريق مفتوح نحو المنافسة الجديّة على موقع فاعل في المشهد السياسيّ الجديد المرتقب. وبينما تواصل حملاتها الإنتخابيّة وافتتاح مكاتب حزبها في الجهات، تفتح نتائج سبر الآراء شهيّة هذه المرأة للمضيّ قدما في تحقيق وعيدها بالثأر من ثورة لولاها لكانت ربّما ما تزال عالقة في صفوف المصفّقين.