بعد 8 سنوات تقريبا، يحرز مروان مبروك واحدة من أهم خطواته في مسار إبطال ما لحقه من ارتدادات الثورة. فبعد أن خضع لأحكام المرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 المُتعلق بمصادرة الأموال والممتلكات المنقولة والعقارية المُكتسبة بعد 7 نوفمبر 1987 لعائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وحاشيته، قرّر الاتحاد الأوروبي يوم 28 جانفي 2019 رفع التجميد عن ممتلكات وأصول مروان مبروك في دول المجموعة الأوروربيّة وحذف اسمه من قائمة ال48 المشمولين بالتجميد. قرار (أنظر الرابط ص. 10) سيمكّن هذا الأخير من إعادة وضع يده على 7.454 ملايين أورو وتحرير تعاملاته مع شريكه الفرنسيّ في شركة أورونج.

رغم رفض المحكمة الأوروبيّة، الشاهد يتدخّل وأوروبا تستجيب

لم يكن قرار المحكمة الأوروبيّة القاضي برفض الدعوة المقدّمة من طرف مروان مبروك ضدّ الدولة التونسيّة لرفع التجميد عن أملاكه وأصوله المجمّدة في دول الإتحاد الأوروبي، للمرّة الثالثة على التوالي، في 16 نوفمبر 2018، كافيا لثني هذا الأخير عن مواصلة جهوده لإسقاط الحظر الأوروبيّ المتواصل منذ قرار مجلس الشؤون الخارجيّة في بروكسال في 31 جانفي 2011 بتحجير وضع أيّ رؤوس أموال أو موارد إقتصاديّة على ذمّة 48 شخصا تمّ إلحاقهم بقائمة ضمّت من صدر في حقّهم أحكام بتهمة تحويل أموال على ملك الدولة التونسية إلى الخارج. خطوة مروان مبروك اللاحقة، تجاوزت الدعاوي القضائيّة لتُقحم الدولة التونسيّة عبر تدخّل رئاسة الحكومة مباشرة في شخص يوسف الشاهد. تحرّك رسميّ كشفت عن ملابساته منظّمة أنا يقظ يوم 12 ديسمبر 2018، عبر نشرها لفحوى مراسلة تقدّم بها رئيس الحكومة يوم 22 نوفمبر من نفس السنة إلى الاتحاد الأوروبي طالبا رفع التجميد على أموال مروان مبروك. مراسلة استجابت لها بروكسال التّي ردّت على المطلب الحكوميّ في 27 نوفمبر 2018، بموافقة اللجنة الأولى المشرفة على السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي في انتظار انعقاد اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في شهر جانفي الجاري للمصادقة على الطلب التونسي وغلق هذا الملّف. وساطة يوسف الشاهد، وتسخير القنوات الرسميّة لإنقاذ أصول وأموال مروان مبروك في الخارج أتت أكلها ليتمّ يوم 28 جانفي 2019 اقرار حذف إسم الصهر السابق لبن علي دون غيره من أفراد عائلة الرئيس الأسبق وحاشيته.

مروان مبروك ولعبة التحالف مع السلطة

كادت مسيرة رجل الأعمال وسليل عائلة مبروك التّي كانت أولى العائلات العاملة في مجال الاستثمارات والصناعات الغذائيّة منذ مصنع تصبير السردين سنة 1946، أن تنتهي عقب سقوط حكم صهره بن علي. ثروة العائلة التّي نمت بشكل طبيعيّ طيلة السنوات الخمسين اللاحقة، مقتصرة على معملين للشكولاطة والبسكويت وشركة عقارية صغيرة، شهدت طفرة هائلة عقب زواج ابنهم مروان مبروك من سيرين بن علي سنة 1996. منعرج انتقل بهذا الشاب وعائلته إلى مصاف كبار أثرياء البلاد مع توسّع أعماله طيلة العشريّة الأخيرة من حكم بن عليّ التّي اتّسمت بإحتدام التنافس بين أفراد العائلة الحاكمة على اقتسام مختلف القطاعات فيما بينهم. لتشمل الأملاك الجديدة لمجموعة مبروك قطاع التأمين والإتصالات عبر شركة الإتصالات أورونج ومجموعة التأمينات التونسيّة “غات” الذّين ترأس مجلس إدارتهما إضافة إلى مجال الفضاءات التجاريّة الكبرى على غرار المركز التجاري “جيان” ومرّكب الزفير في المرسى وقطاع النقل عبر شركة المحرّك الموزّع الحصري في تونس للعلامتين التجاريتين لعملاقي صناعة السيارات مرسيدس وفيات إضافة إلى اقتناء النصيب الأكبر (21%) من أسهم بنك تونس العربي الدولي سنة 2005.

عمليات المصادرة التّي طالت معظم أملاك مروان مبروك منذ فيفري 2011، لم تطل ليبدأ الإنفراج في مسار إفلات رجل الأعمال من عواقب رياح جانفي 2011، مع إنهاء تحجير السفر عليه في 14 فيفري 2014. قرار تزامن مع إصدار حكم قضائيّ في 11 فيفري من نفس السنة من الدائرة الاستعجالية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة يقضي بتأكيد أحقية ملكية مجموعة “أنفستاك” التابعة لمروان المبروك لمؤسسة اورنج تونس وإبطال قرار إعفائه من رئاسة مجلس إدارة أورنج تونس وشركة “غات للتأمين”. منعرج تلته أحكام قضائيّة لصالح هذا الأخير في 30 مارس 2015 تقضي بإيقاف عمليات المصادرة لعدد من شركات مجموعة مبروك الاستثماريّة. نجاح مروان مبروك في النأي بثروته عن مصير مماثل لثروات أصهاره، فتح شهيّة الرجل منذ سنة 2016 لتحقيق مزيد من المكاسب في ظلّ الوضع الغامض للجنة المصادرة وأدائها المرتبك، ليلتفت نحو ملايينه المحتجزة في أوروبا منذ سنة 2011، خصوصا في ظلّ شراكته مع الفرنسيّين في شركة الإتصالات أورونج.

أورونج، مفتاح لفهم القرار الأوروربي

مثّلت صفقة شركة أورنج للاتصالات سنة 2009 أحد أهمّ استثمارات مروان مبروك. حيث استطاع عبر شركة Divona Telecom المملوكة مناصفة بينه وبين وزوجته السابقة سيرين بن علي الحصول على لزمة المشغّل الثالث للاتصالات عبر توظيف علاقة المصاهرة مع الرئيس الأسبق وإقصاء المنافسين الآخرين وإمتلاك 51% من أسهم الشركة. لتخضع كغيرها بعد سنة 2011 إلى المصادرة وتؤول أسهمها وإدارتها إلى التصرّف القضائيّ. لكنّ الشريك الفرنسي الذّي قبل ب49% من أسهم الشركة سنة 2009، لعب دورا كبيرا لاحقا في التقليص من نصيب الدولة عبر رفع التصرّف القضائيّ عن نصيب مروان مبروك وعودته رئيسا مديرا عاما للشركة في 11 فيفري 2014. ضغط كشفته نشريّة Maghreb confidentiel منذ شهر جوان 2013 ليتقاطع مع تصريحات الرئيس المدير العام لشركة أورنج في فرنسا، ستيفان ريشار في 19 أكتوبر 2016، معلنا نيّته تعليق نشاطها ومغادرة البلاد احتجاجا على التضييقات التّي تطال شريكهم مروان مبروك. لتتّضح الصورة أكثر بعد ما نشرته منظّمة أنا يقظ في 25 جانفي الجاري حول رغبة فرنسيّة في إنهاء الحظر الماليّ الأوروبيّ على مروان مبروك وبالتالي تسهيل عملية التفويت في 16% من رأس مال شركة أورونج تونس لصالح الشريك الفرنسيّ الذّي سيصبح إذا ما تمّت الصفقة صاحب النصيب الأكبر في الفرع التونسيّ.

مطامح يقف في وجهها وجود إسم مروان مبروك على قائمة ال48 والذّي يمنع القانون الفرنسيّ التعاطي المالي والإقتصاديّ وإيّاهم. معطيات تعكس حجم الرهان الخارجيّ على قضيّة الأملاك المصادرة وطبيعة تشابك العلاقات الإقتصاديّة التّي تجمع مروان مبروك مع شركاءه في الخارج وحلفائه في الداخل. حيث لم يقتصر الدعم الحكوميّ على مراسلة يوسف الشاهد الأخيرة. بل تجلّى بشكل أكثر فجاجة من خلال تأجيل تطبيق الفصل 13 من قانون المالية 2019 والخاصّ بمراجعة نسبة الضريبة على الشركات وإخضاعها لنسبة 35% وإرجائه إلى سنة 2020. لتتضمّن قائمة الشركات المعفاة البنوك والمؤسسات المالية وشركات الاستثمار وشركات التأمين إضافة إلى المساحات التجاريّة الكبرى ووكلاء السيارات ومستغلّي العلامات التجاريّة الأجنبيّة والتّي تمثّل مجال نشاط مجموعة عائلة مبروك وبالأخّص إبنهم مروان.