وجد الشارع التونسيّ والمهتمّون بالشأن الرياضيّ أنفسهم مُقحمين في الصراع السعودّي-القطريّ الذّي تجاوز القطيعة السياسيّة والحصار الإقتصادي، ليَتمظهر في شكل جديد مجاله ملاعب كرة القدم والتكنولوجيا المعقّدة للتشفير والقرصنة. شكلٌ جديد انقسمت حوله آراء التونسيّين بين مستنكر أو هازئ أو مغتبط بكسر احتكار اللعبة الشعبيّة الأولى في العالم.

منذ شهر ونصف، لم يكن اسم ”بي أوت كيو“ يعني شيئا للمواطن التونسي رغم الزوبعة التّي أثارتها هذه الشبكة في 02 ماي الفارط عند إقدامها على نقل مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، والتي جمعت بين فريقي روما الإيطالي وليفربول الإنكليزي. بثٌّ كَسرَ الاحتكار المكلف للغاية لمجموعة بي إن سبورت لنقل بطولات كرة القدم الكبرى ككأس العالم لكرة القدم، دوري أبطال أوروبا، إضافة إلى عدد من البطولات المحليّة الأوروبيّة على غرار الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري الإسباني، الدوري الألماني وغيرها. لكن ومع اقتراب موعد انطلاق مباريات كاس العالم في روسيا 2018، بدأت هذه الشبكة تعرف طريقها إلى التونسيّين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات المختصّة في الرياضة لتطرح نفسها كبديل للشبكة القطريّة التّي فرضت اشتراكا خاصّا لباقة مباريات كأس العالم تتراوح قيمته بين 90 دولارا و130 دولارا أي حوالي 230 دينار حتّى لأصحاب الإشتراكات السارية.

زوبعة خليجية في مقاهي تونس

مع اقتراب موعد أحد المباريات المهمّة، والتّي تكون عادة بالنسبة للتونسيّين مباراة للمنتخب الوطنيّ أو المنتخبات العربيّة أو من الفرق الكبيرة المراهنة على كأس العالم، تبدأ حالة الانحسار المفاجئة للزحمة والمّارة في الشوارع. في المقابل تعجّ المقاهي والحانات وصالونات الشاي بالمشجّعين الذّين يتقاطرون تباعا على تلك الفضاءات قبل ساعة أو أكثر من موعد المقابلة. فالمفاجئات السيّئة غير مقبولة، والمقعد يجب أن يُحجز مسبّقا بشتى الوسائل الممكنة، عبر الهاتف أو بإرسال أحد الأصدقاء القريبين والمتفرّغين لهذه العمليّة، وحتّى بخلق شتى الذرائع للخروج باكرا من العمل. هكذا شرح لنا السيّد أحمد، المشرف على أحد المقاهي الشعبيّة في لافايات، الجوّ العام خلال مباريات كأس العالم. ليسترسل موضّحا ”يعتبر كأس العالم فرصة ذهبيّة لإنعاش أعمالنا خصوصا وأنّ أغلب التونسيّين يُقبلون على هذه الفضاءات خلال هذه التظاهرات الرياضيّة الكبرى، بعد أن احتكرت بي إن سبورت منذ سنوات النقل التلفزيّ لهذه الأنشطة“، ليضيف ”يفضّل التونسيّون متابعة المباريات الرياضيّة في المقاهي أو الحانات وقلّة منهم من يعمد إلى اقتناء اشتراك منزليّ في هذه الباقة التلفزيونيّة لعدّة أسباب. أوّلها ارتفاع تكلفة الاشتراك السنويّ المنزلي الذّي يناهز 130 دولارا أي قرابة 350 دينارا، والسبب الأهم أنّ أغلب المتابعين والمهتمّين بالمباريات الرياضيّة صاروا يفضّلون المشاهدة الجماعيّة وخلق أجواء أشبه بأجواء المدارج داخل الفضاءات التّي يقصدونها لهذا الغرض.“

أمّا عن ظهور ”بي أوت كيو“ ومدى شعبيتها لدى أصحاب المقاهي، فيجيب محدّثنا بشكل حاسم ”سمعت أنّ السعوديّة أطلقت هذه الباقة من القنوات التي تنقل عن ”بي إن سبورت“ جميع المباريات بعد قرصنتها وبفارق زمني بسيط لا يتجاوز العشر ثوان. لكن حضور هذه القنوات في المقاهي والحانات التونسيّة ما يزال محدودا للغاية، فنحن جدّدنا اشتراكاتنا منذ أشهر استعدادا لهذا الحدث، كما أنّه لا يمكنني المجازفة بتجربة منتوج جديد لم يعرفه السوق بعد، والذّي قد يكلّفني خسارة حرفائي خلال هذا الموسم إذا ما انقطع البثّ أو تدنّت جودة الإرسال.“ فجأة، تدخّل أحد الحرفاء الذّي كان بلا ريب يسترق السمع إلى حديثنا مع صاحب المقهى، ليعلّق قائلا ”حتّى كرة القدم صارت تجارة مربحة، وصار لزاما علينا أن ندفع لنستمتع ببعض الترفيه الذّي ينسينا هذا البؤس الذّي يحاصرنا في كلّ ركن من هذه البلاد“. يجيبه أحمد الذّي لم يستسغ ملاحظة ذلك الكهل بعد أن اعتبرها على ما يبدو هجوما على شخصه واعماله، ”بإمكانك إن شئت أن تتابع المباريات على القنوات الألمانية التّي تذيعها مجّانا أو إبحث عن موقع الكتروني يبثّ المقابلات بشكل مباشر.“

حضور محدود لشبكة بي أوت كيو beoutQ في تونس

ابتعدنا عن المكان قبل أن يتسبّب هذا الموضوع في إثارة مشاكل أكبر ولنبحث عن أحد المحال التّي تُسوّق أجهزة الاستقبال الخاصّة بشبكتيْ بي إن سبورت و بي أوت كيو لنفهم أكثر تداعيات الصراع القطري السعوديّ على أعمال هؤلاء التجّار. يقول طارق، صاحب متجر لبيع أجهزة الاستقبال في المنزه الثامن أنّ أعماله المعتادة بالنسبة لشبكة بي إن سبورت لم تتأثّر، فالحرفاء يفضّلون منتجا موثوقا كما أنّهم جهّزوا أنفسهم منذ أشهر لضمان نقل مباريات كأس العالم وما تليه من البطولات الأوروبّيّة التّي تتابعها فئة واسعة من التونسيّين خصوصا مع ازدياد حجم ألعاب الرهان الرياضي المحلّي أو على موقع المراهنات الدوليّة ”بلانيت“. أما بخصوص أجهزة بي أوت كيو، فيوضّح طارق قائلا ”المواطن العادّي لا يُقبل عادة على اقتناء بي إن سبورت رغم وجودها في السوق منذ وقت طويل، بل يعتمد تقنية ”الأيبي تي في“ (تلفزيون بروتوكول الإنترنت) تمكّنه من متابعة المباريات التّي تُنقل مباشرة على عدد من المنتديات أو المواقع على تلفزيونه الخاصّ“، ليضيف ”الضغط المرتفع على شبكة الانترنت يسبّب انقطاع بثّ تلك المباريات وهو ما يجبر المواطنين على اللجوء إلى المقاهي، لكنّ لا أحد سيعمد إلى اقتناء جهاز بي أوت كيو بقيمة 379 دينارا لمتابعة عدد محدود من مباريات كأس العالم، خصوصا أنّ لا أحد يضمن استمراريّة بثّ هذه الشبكة التّي قد تتوقّف في أيّ لحظة إذا ما استطاعت بي إن سبورت إيقاف عمليّة القرصنة أو إذا ما انتهى الخلاف بين السعوديّة وقطر. لذلك فإقبال المواطنين على هذه الأجهزة ضعيف كما أنّ الكميات المتوافرة في السوق محدودة“، وبسؤاله عن وجود عدد من المقاهي التّي بدأت تنقل المباريات اعتمادا على شبكة بي أوت كيو، علّق طارق قائلا ”هؤلاء اختاروا في آخر لحظة أن يوفّروا بثّ مباريات كأس العالم لحرفائهم، كخدمة إضافيّة واستثنائيّة، لكن المقاهي التّي تعتمد على رياضة كرة القدم في جلب الحرفاء والتّي اعتادت توفير جميع مباريات التظاهرات الرياضيّة على المستوى الدولي والأوروبيّ، فهي تحافظ على مزوّدها التقليديّ المضمون بالنسبة لها وهو بي إن سبورت“.

بالنسبة للتونسي، المهمّ هي الفرجة

بعد ساعات فقط من بثّ الشبكة المُقرصِنة لحفل افتتاح كأس العالم والمباراة الأولى بين مصر وروسيا، أصدرت الفيفا بيانا استنكرت من خلاله عملية القرصنة التّي تعرّضت لها الشبكة القطريّة المالكة لحقوق البثّ، محذّرة من أنّها ”تدرس حاليا كل الخيارات المتاحة لوقف خرق حقوقه، ولا سيما اتخاذ خطوات بحق المؤسسات الشرعية التي يُنظر إليها بأنها تدعم مثل هذه الأنشطة غير القانونية“. تحذير مُبطّن وصريح للسعوديّة التّي تتّهمها قطر بكونها وراء هذه الشبكة التّي تبثّ عبر قمر عربسات المملوك في جزء كبير منه لمملكة آل سعود، رغم إعلان بي أوت كيو أنّها شركة كوبية كولومبية لا تمتّ بصلة للسعوديّين، وأنّها ”تحارب الإحتكار الجائر وتؤمن بحق الشعوب في الاستمتاع بمشاهدة المباريات بغض النظر عن حالتهم المادية.“

بالعودة إلى أحد المقاهي وسط العاصمة في انتظار مباراة تونس وبلجيكا، حاولنا أن نتقصى ارتدادات هذه المعركة بين شبكتي بي إن سبورت وبي أوت كيو على المواطنين التونسيّين. يتدخّل حريف في الاربعينات من عمره قائلا: ”شاهدت الشعارات والرسائل التّي تبثّها الشبكة السعوديّة، وهي في أغلبها ضدّ قطر. من المضحك أن تتحوّل قيم كسر الاحتكار ونصرة الفقراء والنزاهة إلى محور حرب طرفاها هذان النظامان“ ليضيف ”على العموم، كتونسي ما يهمّني بالأساس هو توافر بثّ مباشر للمباريات ودون أعباء ماديّة إضافيّة“.