يترأس نبيل القروي منذ 07 ديسمبر 2017 النقابة التونسية للمؤسسات الإعلامية، وقد أصدرت هذه الأخيرة بيانا في 16 أفريل 2018 نددت فيه بالقرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري المتعلق بضبط القواعد الخاصة لتغطية الانتخابات البلدية، وقد جاء هذا البيان بعد 3 أيام من قرار الهايكا الذي سلطت فيه خطية مالية على قناة نسمة من أجل “نشر ومضة إشهارية على الموقع الالكتروني الرسمي للقناة وعلى صفحة الفايسبوك الرسمية التابعة لها، أطلقها حزب حركة نداء تونس في إطار حملة إعلانية بمناسبة الانتخابات البلدية”. لم يقف نبيل القروي عند حدود التنديد بالقرار المشترك بين الهيئتين بل دفع -من خلال تواجده على رأس النقابة التونسية للمؤسسات الإعلامية- إلى تنظيم حملة دعائية ضد هذا القرار والتشهير بـ”تداعياته السلبية على سير الانتخابات البلدية” مثلما جاء في بيان النقابة المذكورة. وقد التزمت قناة نسمة بهذا التوجه من خلال تخصيص يوم الأربعاء 18 أفريل 2018 للطعن في قيمة المعايير التعديلية الواردة في القرار من زاوية أحادية ودون فسح المجال لهيئة الانتخابات والهايكا لتفسيره.

لماذا يُجاهد القروي ضد الهايكا؟

إن المقارنة بين مواقف نبيل القروي الأخيرة وقرار الهيئتين، من شأنها أن توضّح أسباب الاعتراض على الضوابط المُنظمة للتغطية الإعلامية. رَدّد القروي في تصريحاته الأخيرة جملة دعائية مفادها أن “وسائل الإعلام غير قادرة على التأمين الإعلامي بالإنصاف لـ2700 قائمة”، ليُقنع الرأي العام بأن القرارات المتخذة “تعجيزية” وتتطلب إمكانيات تقنية ضخمة لا تمتلكها وسائل الإعلام الخاصة. ولكن بالعودة إلى نص القرار المشترك بين الهيئتين، وخصوصا الفصل 19 منه نلاحظ أنه يدعو وسائل الإعلام إلى “احترام الحق في النفاذ إليها على أساس قاعدة الإنصاف بين جميع القائمات المترشحة وضمان التنوع من خلال حضور مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية” ولكنه لا يُلزمها بتغطية كامل الدوائر الانتخابية وإنما يشترط مبدأ الإنصاف إذا اقتصرت التغطية على دائرة انتخابية بعينها. ولا يتناسب هذا المعيار الذي ينص على دَمَقرطة النفاذ إلى وسائل الإعلام مع المنطق الدعائي الذي يقود قناة نسمة أثناء المحطات الانتخابية، ففي سنة 2011 شكلت نسمة منصة للإشهار الانتخابي للحزب الديمقراطي التقدمي ولحزب الاتحاد الوطني الحر. وفي سنة 2014 دَعمت حزب نداء تونس وساهمت في الدعاية الانتخابية لرئيسه الباجي قايد السبسي، كما أشار إلى ذلك تقرير رصد التغطية الإعلامية للمسار الإنتخابي للهايكا.

في نفس السياق يشكل الإشهار السياسي عاملا للضغط على قرار الهيئتين، ويُعَرّف الإشهار السياسي من خلال نص القرار بأنه “كل عملية إشهار أو دعاية بمقابل مادي أو مجانا تعتمد أساليب وتقنيات التسويق التجاري، موجهة للعموم، وتهدف إلى الترويج لشخص أو لموقف أو لبرنامج أو لحزب سياسي، بغرض استمالة الناخبين أو التأثير في سلوكهم واختياراتهم”. وقد كانت قناة نسمة أول المنخرطين في الإشهار السياسي من خلال بث الومضة الدعائية للانتخابات البلدية لحزب نداء تونس على موقعها الرسمي وعلى صفحتها الخاصة بالفايسبوك.

الدعاية الإعلامية تُنظمها المصالح

إن العودة إلى الوراء قليلا من شأنها أن تكشف قاعدة المصالح التي تُوجّه السياسة الإعلامية لقناة نسمة. بعيد مساهمته في الظَّفَر الانتخابي الذي حققه حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية والرئاسية 2014، بَحَث نبيل القروي عن موقع له داخل الهيئة التأسيسية للحزب وطَالب بالعضوية فيها –إذ كان يردد في كل تصريحاته حول نداء تونس بأنه من المؤسسين- ولكنه اصطدم بمقاومة جزء من الهيئة التأسيسية. آنذاك شنت قناة نسمة حملة دعائية ضد حزب نداء تونس وأمينه العام السابق محسن مرزوق، وهو ما جعل هذا الأخير يشير في إحدى تصريحاته في مارس 2015 إلى أن “مدير قناة نسمة لم يتمكن من الالتحاق بالهيئة التأسيسية لنداء تونس فسَخَّر قناته للتهجم على الحزب”.

منطق التموقعات دَفَع نبيل القروي إلى الاصطفاف وراء حافظ قايد السبسي في صراعه مع شق كبير من الهيئة التأسيسية، وهو ما تُوِّج بحصوله على عضوية الهيئة السياسية لحزب نداء تونس إثر مؤتمر سوسة المنعقد في جانفي 2016، أثناءها أعلن استقالته من إدارة قناة نسمة. ولكن موسم الود بين “المدير السابق لقناة نسمة” ونجل الرئيس لم يدم طويلا، إذ برَزَ الخلاف مجدّدا حول إدارة الحزب، وقد أفصح تسجيل مُسرّب في فيفري 2017 عن جزء من هذا الخلاف، والذي كشف فيه القروي عن عدم قدرته على تأمين مصالحه داخل نداء تونس في ظل الهيمنة الكبيرة لحافظ قايد السبسي على دواليب الحزب. آلت الأمور في نهاية المطاف إلى إعلان القروي في 05 أفريل 2017 استقالته النهائية من حزب نداء تونس. وطيلة هذا التحول الذي عرفته الأزمة الداخلية لحزب نداء تونس كانت قناة نسمة تعدّل عقاربها التحريرية على ضوء المصالح الحزبية والمالية لمديرها نبيل القروي.

من جهة أخرى، كشف تسجيل مسرب في 16 أفريل 2017، عن تخطيط قناة نسمة ونبيل القروي لهندسة حملة دعائية ضد منظمة أنا يقظ -التي سبق وأن نشرت ملفات تهرب ضريبي تورط فيها الأخوان نبيل وغازي القروي- وقد كانت الحملة التي فضحها التسريب تهدف إلى شيطنة المنظمة باستخدام بعض التقنيات الإعلامية من بينها ميكرو الشارع، وتخصيص منابر نقاش للطعن في عمل المنظمة وتشويه أهدافها، وقد بلغ الأمر إلى حد تجنيد عاملين بالقناة لانتهاك الحياة الخاصة لأحد المسؤولين في منظمة أنا يقظ.