المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
تالة من ولاية القصرين – 9 جانفي 2018

حملة «فاش نستناو» اختارت الميزانية هدفا للسقوط عن طريق الإحتجاج. الإحتجاج الذي استلهم من مجموعات كرة القدم «ULTRAS»  أهازيجها وأسلوب الكتابة على الجدران، ثم توزيع بيانات تتضمن نقاط تمس كل الشرائح المجتمعية. هذه التمثلات الاحتجاجية المستلهمة في جزء منها من حركة “مانيش مسامح”، والمضاف لها تصورات أخرى، أقلقت السلطة التي تضبط الإحتجاج وفق كراس شروط موضوع مسبقا. هذه الشروط خرج عليها نشطاء “فاش نستناو” يوم 14 جانفي المنقضي بشكل يعتبر سابقة في تونس من خلال مشاركة المهرّجين في الاحتجاج. هل رأيت مهرّجا غاضبا لا يضحك؟ صورة درامية متناقضة أنتجتها كيمياء جانفي الثائر وسجون نظام يحاول أن يكون ديمقراطيا ويفشل في الاختبار.

النظام يجرّم الإحتجاجات الليلية ، يستغل جوع البعض للإنفلات الإجرامي ويبادر بإيقافات كمية ونوعية وصل عددها إلى 806 موقوف. أما الإيقافات النوعية فهي رهان فاشل لأن مثل هذه الحركات لا ترتبط بذوات وحتى لا نبالغ في المثالية لا ترتبط بمجموعة صغيرة في قيادتها. من وجهة نظر السلطة الليل يعني التخريب وهو نفس الليل الذي أسقط منظومة الديكتاتورية. نفسه ليل باردو الذي أسقط ترويكا الإغتيالين. الشيزوفرينيا وحدها تحكم ردود أفعال الحكومة في اعتبار الاحتجاجات الليلية تخريبا يستنكره الحاكم والمعارض. ففي فرنسا احتل المحتجون الساحات العامة ليلا في إطار حركة الوقوف الليلي “nuit debout” المحتجة على قانون العمل إنطلاقا من 31 مارس 2016 ولم يجرم المحتجون. يوصف الليل  في سوسيولوجيا الشعوب موطنا للتفرد وإثبات الجدارة. إذ يفخر العرب قديما بخوض غمار الليل كدليل على فروسية ومجال حركة الشجعان. وما قول المتنبي إلا أحد تمظهراته “الخيل و الليل والبيداء تعرفني”، وهي مقولة احتفالية بخوض غمار الليل ولها وقعها على تاريخ العرب. هنا يطل ليل الهامش بوصفه مرتعا لإستحضار بطولات الماضي، ويحاكي الهامشي صولة الظلام لتأبط شرا، وينفلت من معيارية السلمية التي تُنافي الفعل الثوري جذريا. لابد من الإفلات من خطاب السلطة الموجّه لقتل أشكال الاحتجاج المقلقة عن طريق الاتفاق علنا أن الثورة احتفال دموي وجب خوضه ليلا نهارا. ليعلم الجميع أن الدراويش في ليالي الظلام يلتقون مع الرب من خلال طقوسية تجتاح الظلام والثوار هم دراويش بعقلانية مفرطة.

أما الاعتراف بمشروعية الإحتجاج وأن الدولة تحمي المحتج سلميا فهي جملة شجرية قد تتحول خشبا ذات يوم. مشروعية الاحتجاج مصدرها ميزانية الترفيع في أسعار المواد الأساسية بشكل لا مباشر، عن طريق الترفيع في الأداء على القيمة المضافة بنقطة على مستوياتها الثلاثة. أي أن الترفيع سيشمل الخدمات، وحتى الأدوية لن تجدها في مؤسسات الصحة العمومية لأن اللوبيات تسيطر على هذا القطاع. أما جذور ميزانية الدولة لسنة 2018 فتعود لصندوق النقد الدولي الذي يربط منحه للقروض بتطبيق إصلاحات هيكلية تحد من مستوى تدخل الدولة في قطاعات استراتيجية كالصحة والتعليم، على غرار ما فُرِض قبل تسليم القسط الثالث من القرض الرقاعي بعنوان 2017.

لازال عدد كبير من شبان الحراك الاحتجاجي في السجون و اخرون ينتظرون محكماتهم في حالة سراح، والسجن مُجاز حين تطرد تلميذة من جميع المعاهد في سيدي علي بن عون بعد إحتجاجها مع الجميع على إعلان الرئيس الأمريكي ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، هذه الفتاة هي التلميذة ملكة بن جدو. حين يشتبك الوعي الطبقي بالقومي ينتج مطرودين من المدارس. في الكاف أيضا صدر في حق التلميذ عادل المولهي حكم إبتدائي بالسجن بسبب نشاطاته في حملة فاش نستناو عن طريق الكتابة على الجدران. هناك إيقافات في شأن تلاميذ دون الثامن عشرة في جهات مختلفة مثل المهدية والكاف ومنوبة. سلطة تسجن الأطفال فماذا بعد؟ أخيرا شهدت الإحتجاجات قتل كهل في طبربة (منوبة) وتؤكد جل الشهادات أنه لقي حتفه دهسا بسيارة أمنية. الموت من الجوع هو جدلية تتحقق عكسيا مثلما يقول ناشط متهكم. ستتحقق أحلامي بأن يجوع الجميع في بلدي. فهل تتطلب الحرية كراس شروط للإحتجاج؟