بمتابعة مسار هذه التسمية الجديدة صلب وزارة الخارجية، فإن نتائج الدورة الـ35 للندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية التي التأمت بمقر وزارة الخارجية بين 24 و28 جويلية الماضي، قد أشارت إلى ضرورة مزيد الاعتناء بالنشاط الاقتصادي للدبلوماسية التونسية دون إشارة دقيقة إلى إحداث خطة كتابة دولة داخل الوزارة متخصصة في الدبلوماسية الاقتصادية. وبمجرد تعيين حاتم الفرجاني الذي كان نائبا بمجلس نواب الشعب عن دائرة ألمانيا، سارع المستشار السياسي لحركة نداء تونس برهان بسيس إلى الإعلان عن ترشيح الحزب لمديره التنفيذي حافظ قائد السبسي للانتخابات التشريعية الجزئية التي سوف تُنظم في ألمانيا لسد الشغور الذي أحدثه تعيين الفرجاني كاتبا للدولة.

تعيين الفرجاني، لعبة سياسية؟

لم يكن موقع جديد يُسمّى ”كاتب الدولة مكلف بالدبلوماسية الاقتصادية“ بالإجراء الذي تحتاجه وزارة الشؤون الخارجية بشكل ملح بالقدر الذي يستدعي خلقا لفراغ داخل مجلس نواب الشعب. بالرغم من التردد الذي قد ينتاب المتابعين في أن يكون حافظ قائد السبسي مُرشحا عن دائرة ألمانيا نظرا لكونه غير مقيم بتلك الدولة ولا يمثل الجالية التونسية بألمانيا، فضلا عن كونه المدير التنفيذي لحزب سياسي، إلا أن القانون الانتخابي حسب تصريح برهان بسيس- يسمح للسبسي الإبن بالترشح عن تلك الدائرة لأنه قيادي في حزب سياسي من جهة ولسد الشغور الواضح في دائرة ألمانيا، نظرا لعدم وجود مرشح آخر على قائمة ألمانيا سوى حاتم الفرجاني.

في نفس السياق، في لقاء إذاعي يوم 29 أوت الماضي، صرح المسؤول في نداء تونس وسام السعيدي بأن حافظ قائد السبسي ”سوف يكون له ظهور مختلف في السنة السياسية الحالية وسوف يُكثف من ظهوره الإعلامي“. ولعل هذا التصريح يكشف أن نداء تونس كان على علم مسبق بأن فراغ ما سيحدث داخل مجلس نواب الشعب وبالتالي تأهيل أحد القيادات الحزبية لسد الشغور، فكان تعيين الفرجاني كاتبا للدولة فرصة لا يمكن إضاعتها لترشيح السبسي الإبن، وبالتالي تسلق السلم بمجرد ولوجه إلى البرلمان.

”مرشح للفشل“، ”عنوان للترويج“ و”سياسة داخلية حزبية“

بالعودة إلى مسألة الجدوى من كتابة الدولة للدبلوماسية الاقتصادية وطبيعة هذا التعيين، صرح أحمد بن مصطفى، السفير التونسي السابق بدولة الإمارات، لـنواة أن المسألة ”يجب أن تكون مدروسة وفق التحولات وموازين القوى الدولية لاستغلال الفرصة في تدعيم موقف تونس الاقتصادي، وهذا لا يتقنه سوى دبلوماسي له خاصيات معينة“. وأضاف بن مصطفى ”لا أعتقد أن كاتب دولة للدبلوماسية الاقتصادية سوف يتقنها شخص من خارج الجهاز الدبلوماسي، وأرى أنه مرشح للفشل في تلك الخطة المهمة جدا والحساسة“.

من جهته أشار عبد الله العبيدي، الدبلوماسي السابق، في تصريح لـنواة إلى أن ”كتابة الدولة للدبلوماسية الاقتصادية أعتبرها عنوانا للترويج معدا للرأي العام لا غير، فوزارة الخارجية تحتوي إدارة قوية ومعروفة تسمى الإدارة العامة للتعاون الدولي، وهي الإدارة المسؤولة على العلاقات الدبلوماسية الاقتصادية“. وأضاف العبيدي ”قد مرّ على تلك الإدارة منذ الاستقلال إلى الثورة العديد من الكفاءات التونسية المعروفة مثل اسماعيل خليل وعزوز الأصرم وأحمد بن عرفة والطاهر صيود وغيرهم، وجلهم أصبحوا وزراء مباشرة بعد خروجهم من تلك الإدارة الحساسة والمهمة في الخارجية. وبناءا عليه فإن كتابة الدولة للدبلوماسية الاقتصادية هي تسمية سياسية أكثر منها تقنية“.

بالرغم من إقراره أن تسمية كاتب دولة مكلف بالدبلوماسية الاقتصادية يعد أمرا ”بناءا وإيجابيا لتوحيد المدخل الدبلوماسي للشؤون الاقتصادية الدولية“ فإن أحمد ونيس، وزير الخارجية السابق، صرح لـنواة أن ”تعيين النائب حاتم الفرجاني في الدبلوماسية الاقتصادية قد يكون سياسة داخلية حزبية وفكرة تخص أصحاب القرار من منظور سياسي وليس من منظور دبلوماسي أو إداري، لأن الدبلوماسية الاقتصادية تمارسها وزارة الخارجية التونسية منذ الاستقلال وخاصة منذ 1964 بعد مؤتمر بنزرت للحزب الحر الدستوري، الذي قرر العمل على الاقتصاد بجانب السياسة والأمن صلب الخارجية“.

تقاسم الصلاحيات مع زياد العذاري

تقول وثيقة بعنوان “مشمولات الوزارة”، والمنشورة في الموقع الرسمي لوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، أنها تتولى ”تقديم ملفات التعاون الدولي مع الخارج على المستوى الاقتصادي والمالي والفني، وإعداد المفاوضات في مجال التعاون الدولي والاستثمار الخارجي بالتعاون مع الوزارات المعنية والإشراف على تسيير المفاوضات المتعددة الأطراف في مجال التعاون الدولي والاستثمار الخارجي وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات المتولدة عنها. كما تهتم بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات في مجالي التعاون الدولي والاستثمار الخارجي والداخلي“.

ويُلاحظ أن كل الوظائف الموكولة لوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي تحتوي صبغة دبلوماسية، خاصة في إعداد المفاوضات متعددة الأطراف وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات المتولدة عن التعاون الدولي والاستثمار الخارجي، وبالتالي فإن بعث موقع جديد في وزارة الشؤون الخارجية يهتم بالدبلوماسية الاقتصادية قد يتداخل مع مشمولات وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وسوف يتم تقاسم الملفات بين كتابة الدولة والوزارة بشكل يقلل من حجم المهام التي يُعنى بها زياد العذاري، الوزير الجديد. وقد تظهر المسألة على أنها تنسيق عادي بين الوزارات، إلا أن مسار تعيين كاتب الدولة والجدل الذي أُثير حول سد شغور مكانه في مجلس النواب من قبل حافظ قائد السبسي، قد يثير ريبة حول السبب من وارء التعيين.

كما تتشكل وزارة الخارجية التونسية من ديوان وتفقدية عامة وكتابة عامة و6 إدارات عامة تغطّي مختلف قارات العالم، وإدارة للتشريفات الدبلوماسية ودائرة إعلام. وتخصص كل إدارة عامة دائرة عمل سياسية وأخرى اقتصادية في ارتباط مع مناطق التغطية الدبلوماسية والقنصلية التونسية في العالم. وسبق أن اشتغلت الخارجية التونسية على ملفات اقتصادية عديدة آخرها زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى بوركينا فاسو والنيجر ومالي مصحوبا بـ130 رجل أعمال لإمضاء عدد من الاتفاقات والقيام بمفاوضات بحث عن أسواق دون الحاجة إلى كاتب دولة للدبلوماسية الاقتصادية. وهذا ما يعزز القول أن خطة كاتب دولة للدبلوماسية الاقتصادية هو منصب اقتضته حاجة سياسية وليس حاجة تقنية.