حصيلة السنة البرلمانية الأخيرة كانت خاوية بالنسبة للمعارضة، نظرا لعدم تقدم كتلتي المعارضة -الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية- بأي مقترح قانون في المدة الفاصلة بين سبتمبر 2016 وجويلية 2017، وقد اقتصرت مساهمة المعارضة على مقترحات القوانين المشتركة بينها وبين الأحزاب المُمثلة في الحكومة أو الداعمة لها، وذلك من خلال أربعة مقترحات شاركت فيها الجبهة الشعبية وأربعة أخرى شاركت فيها الكتلة الديمقراطية.

ويُذكر أن العدد الجملي لمقترحات القوانين المُقدمة من قبل الكتل النيابية بلغت 17 مقترحا، شملت قطاعات عديدة. وقد قدّمت كتلة نداء تونس مقترح قانون لوحدها يتمثل في تنقيح القانون عدد 17 لسنة 1987 المتعلق بالتصريح على الشرف، تم تمريره للنقاش في مكتب المجلس ثم على لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح. كما شاركت كتلة نداء تونس في 13 مقترح قانون مشترك بينها وبين النهضة وبقية الكتل.

من جهتها قدمت كتلة حركة النهضة مقترح قانون خاص بها وهو المقترح عدد 66 لسنة 2017 المتعلق بتضارب المصالح، تم نقاشه في مكتب المجلس وتمت إحالته إلى لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح. أما عدد المقترحات التي شاركت في تقديمها كتلة حركة النهضة فقد بلغت تسعة مقترحات تم تقديمها بالشراكة مع كتل أخرى من السلطة والمعارضة.

 الجبهة الشعبية وانسداد الخيارات

وقّعت الجبهة الشعبية بالتشارك مع كتل أخرى على أربعة مقترحات قوانين تمثلت في المقترح عدد 54 لسنة 2017 المتعلق بتعديل الفصل 15 من مجلة الغابات، بالتشارك مع كتلة حركة النهضة وكتلة الحرة والاتحاد الوطني الحر وكتلة نداء تونس وكتلة آفاق تونس. أما المقترح الثاني فهو المقترح عدد 34 لسنة 2017 والمتعلق بمدونة أخلاقيات وقواعد السلوك البرلمانية والذي تقدمت به كتلة الجبهة بالتشارك مع كتل آفاق تونس ومستقلين ونداء تونس وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وكتلة الحرة والكتلة الديمقراطية. ويتعلق المقترح الثالث عدد 28 لسنة 2017 بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات، وقد وقعت عليه كتلة الجبهة بالتشارك مع كتلتي نداء تونس وحركة النهضة. أما المقترح الرابع عدد 82 لسنة 2016 فيتعلق بإعلان 17 ديسمبر عيدا من الأعياد الوطنية، وقد تقدمت به كتلة الجبهة مع الكتلة الديمقراطية وتيار المحبة وآفاق تونس.

إزاء هذا العمل البرلماني الذي غابت عنه المقترحات الخاصة أشار النائب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي لموقع نواة إلى ”أن الجبهة سبق وأن تقدّمت في السنوات الماضية بالعديد من المقترحات المتعلقة بقوانين ذات أهمية مثل مقترح قانون المخدرات ومقترح قوانين في المالية والشفافية ومكافحة الفساد وغيرها“. وأضاف الهمامي:

يهيمن تحالف السلطة على البرلمان، فالنهضة والنداء لهما الأغلبية وهما الكتلتان اللتان تفرضان أولويات القوانين التي تمر من مكتب المجلس إلى اللجان لنقاشها، ودائما ما يقف نواب الكتلتين ضد المقترحات التي نقدمها بالرغم من أن مقترحات الجبهة تلامس قوانين ذات أولوية. ثم لا يجب أن ننسى أن نواب الكتل الحاكمة يسهلون مرور مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة استنادا إلى  الفصل 62 من الدستور الذي يعطي أسبقية تناول مشاريع القوانين قبل المقترحات النيابية.

الكتلة الديمقراطية: ديناميكية البرلمان ليست في صالح المعارضة

وقعت الكتلة الديمقراطية على أربعة مقترحات قوانين مشتركة مع كتل السلطة والمعارضة، تتمثل في المقترح عدد 58 لسنة 2017 والمتمثل في تنقيح الفصول 1 و2 و15 من المجلة الجزائية وذلك بالاشتراك مع كتلة نداء تونس، ومقترح القانون عدد 34 لسنة 2017 المتمثل في مدونة الأخلاقيات وقواعد السلوك البرلمانية بالاشتراك مع آفاق تونس ومستقلين والجبهة الشعبية ونداء تونس وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وكتلة الحرة. المقترح الثالث الذي شاركت فيه الكتلة الديمقراطية، يحمل رقم 9 لسنة 2017 ويتعلق بالنظام العام للتغطية الاجتماعية لفائدة التونسيين بالخارج، تقدمت به بالاشتراك مع كتلة النهضة وكتلة نداء تونس. أما المقترح الرابع الذي وقعت عليه الكتلة الديمقراطية فهو عدد 82 لسنة 2016 ويتعلق بإعلان 17 ديسمبر عيدا من الأعياد الوطنية، وذلك بالاشتراك مع الجبهة الشعبية وآفاق تونس.

إزاء هذه الحصيلة ذهب النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي إلى أن ”الديناميكية السياسية في مجلس النواب لا تسمح للمعارضة بأن تمرر مقترحات قوانينها الخاصة، بالرغم من أن النواب في الكتلة الديمقراطية  أو في الجبهة الشعبية تقدموا بالكثير منها إلى مكتب المجلس ولم يوافق الرئيس على تمريرها للّجان رغم أنها تهم فراغات تشريعية وجب على المجلس سدها“.

وأشار الشواشي بدوره إلى أن تحالف كتلتي النهضة والنداء الذي يستحوذ على الأغلبية المطلقة في المجلس لا يسمح بمرور مقترحات المعارضة. مضيفا بالقول:

ليس لدينا نوابا في كل اللجان، لنا صوت واحد في مكتب المجلس وهذا غير كاف كي نحصل على الأريحية في تمرير مشاريع قوانيننا. وهذا ليس عادلا خصوصا أننا نشاهد كيف حوّل اللاتوازن مجلس نواب الشعب إلى شبه غرفة تشريعية تابعة للحكومة.

تعيش المعارضة البرلمانية مفارقة سياسية تكمن في قوتها النسبية في التأثير السياسي مقابل ضعف الحضور البرلماني نظرا لقلة ممثليها في مجلس نواب الشعب. كما تخضع المعارضة للقوانين الداخلية للمجلس وللفصل 62 من الدستور الذي أعطى الأولوية لمشاريع الحكومة على حساب مبادرات الكتل، وهو ما همش الأقلية البرلمانية لحساب الأغلبية. ولعل الرهان المستقبلي لدى المعارضة يكمن في استثمار التواجد في الشارع والنقابات للترفيع في الضغط البرلماني من أجل التأثير في السياسات العامة، من هذا المنطلق أعلنت أحزاب المعارضة –الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وحركة النهضة- مشاورات حول إمكانية خوض الانتخابات البلدية في قائمات ائتلافية في بعض الدوائر الانتخابية.