تعود مشكلة المديونية في البلديات إلى عجز ميزاني مزمن يُفسّره تراجع الموارد الذاتية جراء ضعف نسب الاستخلاص أو غياب الموارد الجبائية، مقابل تنامي نفقات التصرّف بشكل مفرط والذي يتجاوز في بعض البلديات 200% من جملة الاعتمادات. كما تعرفُ كلفة التأجير-خاصّة في السنوات الأخيرة- ارتفاعا مبالغا فيه يفوق 100% من موارد الميزانية البلدية في عديد البلديات على غرار بلدية أم العرائس والقطار وحيدرة والقصر وبني خداش وكسرى…

هذا وقد بلغت جملة ديون البلديات المستوجبة الخلاص لحدّ موفى سنة 2015 ما قدره 149.8 مليون دينار حسب تقرير متعلّق بتشخيص مديونية البلديات أعدّته وزارة الشؤون المحليّة. أرقام تحدّث عنها يوسف الشاهد، عندما شغل مهام كاتب دولة للشؤون المحلية، خلال جلسة استماع صلب مجلس نوّاب الشعب بتاريخ 11 جوان 2016، منها 137.4 مليون دينار ديون لفائدة المؤسسات العمومية و12.4 مليون دينار ديون لفائدة القطاع الخاصّ. وتتجمّع ديون البلديات لدى 172 بلدية (من جملة 264 في 2016) منها 73 بلدية تفوق ديون الواحدة منها مبلغ 1 مليون دينار، ما يمثّل نسبة 87% من جملة الديون.

هذا وتنقسم الديون البلدية إلى ديون لفائدة خواصّ وديون لفائدة المؤسسات العمومية على غرار الشركة الوطنية للتصرّف في النفايات والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية والشركة الوطنية لتوزيع البترول وغيرها… بالإضافة إلى ديون لفائدة صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحليّة لغرض سداد القروض الموظّفة لمشاريع التنمية التي يموّلها الصندوق، ويتمّ استخلاص هذه الأخيرة وفق جدول خلاص يضمّ المشاريع المموّلة ومبالغ القروض وأقساط تسديد أصل الدين والفوائد. وقد بلغت جملة الديون الراجعة لصندوق القروض ومساعدة الجماعات المحليّة 76 مليون دينار متخلّدة بذمة 118 بلدية.

انتهت البلديات من إعداد الميزانية السنوية لسنة 2018 وستشرع خلال الدورة الثالثة من رزنامة النشاط البلدي في التصويت عليها وذلك قبل إحالتها على سلطة الإشراف وإقرار الميزانية النهائية في نوفمبر. وتشمل الميزانية السنوية ضمن الباب الثاني قيمة تسديد أصل الدين تحت عنوان نفقات التنمية وفوائد الدين تحت عنوان نفقات التصرّف. وتعمل البلديات على تنفيذ ومتابعة مخطّطات لتطهير الديون ألزمتها بها وزارة الشؤون المحليّة خلال 2017 مع تخصيص اعتماد مبلغ 100 مليون دينار تحت عنوان تطهير مديونية البلديات ضمن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017.

هذا وسبق وأفاد يوسف الشاهد عندما شغل مهام كاتب دولة للشؤون المحليّة أنّهم بصدد “استكمال إعداد التقرير المتعلّق بتشخيص مديونية البلديات بالتنسيق مع مصالح وزارة المالية واقتراح تدابير إصلاحية يتمّ تجسيمها إلى غاية 2018 لمعالجة الوضع”. إلاّ أنّ تفعيل هذه التدابير يتقدّم ببطء على حساب تعزيز الاستقلالية المالية والإدارية للبلديات وتفعيل مبادئ الحوكمة. إذ أنّ الدولة مطالبة بفكّ حاجز المديونية على البلديات كشرط إنجاح مسار اللامركزية والذي يستقيم على مبادئ التدبير الحرّ والتمييز الإيجابي والتضامن والتعديل وتعزيز الموارد الذاتية للبلديات لتحظى بالنصيب الأوفر ضمن الميزانية البلدية. وقد نصّ مشروع مجلّة الجماعات المحليّة على اعتماد نظام القيد المزدوج أو نظام المحاسبة المزدوجة ممّا من شأنه أن يعزّز شفافية الموازنات البلدية على مستوى متابعة الديون البلدية وعملية التطهير.