الأربعاء 28 جوان، الساعة الواحدة وإثنين وثلاثين دقيقة يتصل مركز الشرطة طينة بصفاقس بعائلة الموقوف بولبابة رزق الله ليطلب من عائلته بأن يأتوه بدوائه بعد أن أحس بألم حاد في معدته. يلتحق شقيقه بالمركز ليمدّهم بالدواء ويطمئن عليه ليجابه برفض الأعوان الذّين منعوه مطالبين إيّاه بالعودة أدراجه.

تمرّ الساعات، ويخلد بولبابة إلى النوم بعد تناول دواءه، في انتظار إحالته صبيحة ذلك اليوم إلى المحكمة على الساعة التاسعة والنصف صباحا ليعرض على وكيل الجمهورية في قضية تتعلّق بالنفقة. أثناء الجلسة، يسأله وكيل الجمهورية عن الندوب والكدمات التي في وجهه فيجيب رزق الله بأنه “سقط أرضا ليلة إيقافه”. في المحكمة، وبعد ساعة ونصف تقريبا، يُصاب بولبابة بنوبة جديدة من آلام المعدة، لتأتي سيارة الإسعاف وتنقله إلى مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس، أين توفي على الساعة 17.50، ليتمّ إعلام العائلة بمفارقته الحياة يوم الجمعة الساعة الثامنة صباحا.

شقيق المتوفي يشكك

يؤكد الصحبي رزق الله شقيق المتوفي أن أخاه كان جالسا مع أصدقاء له يوم الإثنين 26 جوان حين داهمتهم سيارة الحرس ليتم إيقافه من أجل قضية نفقة: “في اليوم الموالي أي الثلاثاء 27 جوان توجّهت والدتي إلى مركز الحرس بعد أن تمكّنت من توفير 700 دينار كانت ستقدّمها لبولبابة ليدفع النفقة المطلوبة منه، اعتقادا منها أن الأمر سيتوقف عند ذلك الحدّ، لكن تفاجأنا أنّ قيمة النفقة المتخلّدة بذمّة شقيقي بلغت 11 ألف دينار. كما أن أخي بولبابة مريض بالسكري وقرح في المعدة، ومع مبلغ النفقة أخذت أمي معها الدواء (أنسولين) إلى مركز الإيقاف بطينة لكن الأعوان رفضوا قبوله بدعوى تكفّلهم بمسؤولية رعايته. وفي ساعة متأخرة من الليل، أي الأربعاء الساعة الواحدة والنصف ليلا يتم الاتصال بأخي الأكبر من قبل أحد الأعوان لإعلامه بأن أخي يتقيأ الدم ليلتحق هذا الأخير على وجه السرعة بمركز الإيقاف لمدّهم بالدواء ليغادر دون التمكن من الإطمئنان على شقيقي بعد رفض الأعوان تمكينه من رؤيته مطالبين إياه مغادرة المكان”.

وأضاف الصحبي: “أخي بولبابة دخل إلى مركز الشرطة سليما معافى ولا تظهر عليه آثار ضرب أو عنف على جسمه ولي شهود يؤكّدون ما أقول، وعند صدور التقرير الأولي للطبيب الشرعي قيل في أسباب الوفاة أنها ناجمة عن نزيف داخلي سببه خروج الدم من المعدة، فهل يعقل أن يبقى أخي ثلاثة أيام مريضا دون أي تدخل طبيّ؟ ومن ناحية أخرى، عندما أخذنا جثة أخي من غرفة الموتى بالمستشفى وذهبنا لتغسيلها وجدنا آثار عنف على عينه وكدمات في فمه وفي رأسه ورأينا آثار كدمات رفس على يده وأعتقد أنها أثار ضرب في مركز الإيقاف وقد قدمنا قضية في الغرض”. يؤكّد تقرير الطب الشرعي الأولي أن نزيفا داخليا قد حدث بالفعل في مستوى معدة المتوفي، إلا أن التقرير يُثبت أيضا وجود رضوض وكدمات على الضحية قال إنها غير قاتلة مشيرا إلى أن الخدش على مرفق المتوفي مصدره سقوط على مسطح صلب.

إختلاف بين رواية المحامي وتصريح الحرس

محامي المتوفي شاهين الخليفي أشار إلى ضرورة العودة إلى ليلة الإيقاف الأولى مؤكّدا: “وجود خروقات في إجراءات الاحتفاظ بالمتهم خصوصا في علاقة بمرضه ورفض مطلب الأم في أول يوم من إيقافه لمدّ إبنها بالدواء ليعاود الأعوان طلب الدواء في اليوم الموالي ولي ما يثبت أن مركز الشرطة قد اتصل بالأخ الأكبر لبولبابة على الساعة الواحدة وإثنين وثلاثين دقيقة ليطلب منه إحضار الدواء”. وأضاف شاهين “لا أستبعد أن بولبابة قد تعرض إلى ضرب مبرح أثناء الإيقاف الأمر الذي أضرّ به كثيرا، أنا لا أستبعد فرضية التعذيب ومن الخطأ أن يترك إنسان مريض في الإيقاف دون عرضه على طبيب وأنا أفكر في متابعة الملف إلى النهاية وتغيير المحكمة من صفاقس إلى سوسة أو تونس العاصمة”. وبالعودة إلى قانون الإجراءات الجزائية الذي يتضمّن حقوق الموقوف، ينصّ الفصل 13 مكرر في النقطة الرابعة المتعلقة بالمحضر الذي يحرره مأمور الضابطة العدلية على أن “طلب العرض على الفحص الطبي يتم من قبل ذي الشبهة أو من أحد أفراد عائلته”. وقد طلبت الأم في بداية إيقاف إبنها أن يتم عرض بولبابة رزق الله على طبيب أو قبول دوائه.

تم الاتصال بالعقيد فؤاد حمدي الناطق الرسمي باسم إقليم الحرس الوطني بصفاقس وقدم توضيحات الجهة الأمنية حول الحادثة مؤكدا أن “المتهم جاء من تلقاء نفسه إلى مركز الحرس ولم يتم إيقافه، ليقدم شكاية في صديق نشب شجار بينهما في جلسة خاصة وكانت آثار الجروح بادية على وجهه ومرفقه”. وأضاف الناطق باسم إقليم الحرس بصفاقس قائلا “لقد كان تحت مسؤولية الأعوان في المركز، وقد رفض أن يتم عرضه على طبيب بعد أن اقترح عليه أعوان الضابطة العدلية ذلك.” أمّا بخصوص الاتصال بعائلة المتوفّي، فأفاد العقيد أنّ ذلك “تمّ بناء على طلب المتهم بعد أن أحس بألم في معدته، وفي اليوم الموالي أي الأربعاء 28 جوان أحلنا المتهم إلى المحكمة صباحا ليكون منذ تلك اللحظة خارج مسؤوليتنا بل أصبح في مسؤولية المحكمة ووكيل الجمهورية”.

الرابطة والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في المتابعة

تقدمت عائلة بولبابة رزق الله بقضية إلى المحكمة الابتدائية بصفاقس، فتح على إثرها تحقيق في ظروف إيقافه وكيفية تطور الأحداث منذ الاحتفاظ به إلى حين وفاته. وفي هذا السياق، يشير زبير الوحيشي رئيس فرع صفاقس الشمالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن “كل الاحتمالات واردة” مضيفا أن “فرع الرابطة في صفاقس يُتابع الملّف عن كثب وقد تمّ تكليف لجنة التقصي الخاصّة بها بمتابعة التحقيق”. ويختم محدّثنا قائلا: “نحن ننتظر النتائج ولا نريد الاستعجال في أي حكم”. كما أشار الطاهر قداش عن الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب إلى ضرورة التريث وانتظار التقرير النهائي للطبيب الشرعي ومتابعة الملّف عن قرب وبدقة بالشراكة مع المجتمع المدني.

هذا وأكدت المنظمة التونسية للوقاية من التعذيب في تقريرها لشهر جوان 2017 أن المنظمة رصدت 3 حالات تعذيب وعنف أمني تعرض لها مواطنون تونسيون في مقرات الإيقاف الأمنية مؤكدة أن المنظمة تستقبل دوريّا شكايات ضدّ التعامل الأمني العنيف في الشوارع أثناء حملات التأكد من الهويات.

ودعت المنظمة في تقريرها القضاة الى إنصاف ضحايا التعذيب ومتابعة مرتكبي هذه الجريمة، معتبرة أن عدم تحمل القضاء التونسي لمسؤوليته في زجر جريمة التعذيب يشجّع مرتكبيها ويزيد من انتشارها. كما أشارت المنظمة إلى ضرورة قيام قضاة التحقيق والنيابة العمومية والقضاة بكل الجهود من أجل وضع حد لثقافة “الافلات من العقاب” التي تشجع بعض الأعوان على ارتكاب تجاوزات في حق الموقوفين.