تُواصل لجنة تنظيم الإدارة والقوّات الحاملة للسلاح هذا الأسبوع الاستماع لمنظمات المجتمع المدني ضمن أشغال مناقشة مشروع مجلّة الجماعات المحليّة. هذا واستمعت اللجنة يوم الخميس 15 جوان 2017 إلى كلّ من جمعية البوصلة وعتيد والمنظّمة الدّوليّة للتّقرير عن الدّيمقراطيّة والجمعية التونسية للحوكمة المحلية وكلّنا تونس ضمن سلسلة من جلسات الاستماع، خُصِّص أوّلها لجهة المبادرة يومي الثلاثاء والأربعاء 13 و14 جوان بحضور وزير الشؤون المحليّة والبيئة رياض المؤخّر ورئيس هيئة الاستشراف واللاّمركزية مختار الهمامي. ولئن أجمع كافّة المتدخّلون على أهمية مشروع القانون ودوره في تفعيل مبادئ الدستور وتأثيره المباشر في عمل البلديات، فقد تعرّضت منظّمات المجتمع المدني إلى عدد من النقاط الخلافية التي تثيرها فصول المجلّة. وتتراوح هذه النقاط بين تحفّظات على صياغة بعض فصول المجلّة والثغرات القانونية التي تمسّ المبادئ العامّة للسلطة المحليّة، كالتدبير الحرّ والاستقلالية المالية والإداريةوالرقابة البعدية وتشريك المواطنين في أخذ القرار.

وقد تطرّق مختار الهمامي رئيس هيئة الاستشراف واللاّمركزية يوم الأربعاء 14 جوان 2017 خلال جلسة الاستماع الثانية إلى تفعيل المجلّة للأحكام المضمّنة في الباب السّابع من الدستور مشيرا أنّها تكرّس المبادئ الدستورية لتنظيم السلطة المحليّة، وبيّن أنّ مشروع القانون “حدّد نظام ممتلكاتها ومرافقها وقواعد تسييرها وفق معايير الشفافيّة والحوكمة الرشيدة، كما حدّد الصّلاحيّات الذاتيّة والمشتركة والمنقولة لمختلف أصناف الجماعات المحليّة وفق معايير النجاعة وطبقالمبدأ التّفريع”. كما أشارمختار الهمامي إلى أنّ “إدارة الجماعة المحليّة ستكون وفق مبدأ التدبير الحرّ على أن يتولّى القضاء المالي والإداري مهمة الرقابة اللاحقة لتعويض الرقابة المسبقة التي كانت تمارسها سلطة الإشراف”. أمّاعلى مستوى تكريس الاستقلاليّة الإداريّة والماليّة للجماعات المحليّة، فقد أوضح أنّ هذه الأخيرة “ستتمتع بالشخصيّة المعنويّة ممّا يميّزها عن الهياكل الأخرى”، إضافة إلى “توفّرها على موارد ماليّة ذاتيّة تتصرّف فيها بحريّة في نطاق القانون”. في المقابل وجّهت منظّمات المجتمع المدني في جلسة الاستماع المخصّصة لها جملة من الملاحظات المتعارضة مع ما تقدّم به مختار الهمامي، حيث تقاطعت الملاحظات في الإشارة إلى التضييق على المبادئ العامّة التي تستند إليها المجلّة ممّا يمسُّ من استقلالية الجماعات المحليّة سواء على المستوى المالي أو الإداري أو في علاقة مباشرة بسلطة الإشراف.

نقاط خلافية بالجملة

أشارت عائشة قرافي، رئيسة الجمعية التونسية للحوكمة المحليّة بشكل مباشر إلى غياب الاستقلالية المالية مفسّرة أنّه “استنادا إلى الباب الراّبع من مشروع المجلّة لن يكون للسلطة المحليّة معنى باعتباره اقتصر على الموارد الحاليّة، التي لا تفي بالحاجة في الوقت الراهن ولم يتضمّن أحكاما كفيلة بتأمين موارد ذاتيّة هامّة للجماعات المحليّة وصلاحيّات تجيز لها اتّخاذ إجراءات لتعصير آليّة الاستخلاص” وأضافت أنّ “المشروع نصّ على إحداث جماعات محليّة جديدة (86 بلدية جديدة مثلا وجهات وأقاليم) دون التنصيص على إمكانية إحداث موارد جديدة”، وبالتالي فإنّ الموارد الحالية سوف يتمّ تقاسمها بين الجماعات المحلية الموجودة والمحدثة وقد ثبتت محدوديتها. وهو ما جعلها تخلص إلىأ نّ “العجز المالي للجماعات المحلية سوف يتفاقم مع غياب إمكانية إحداث موارد جديدة،وستظل الجماعات المحلية غير مستقلة، وفي حالة تبعية في تنفيذ قرارات الحكومة المركزية خاصّة في المسائل الجبائية”.في نفس السياق، تطرقت عائشة قرافي إلى عدم تحديد الموارد المحالة التي تتوفّر للجماعات المحليّة وفق مشروع المجلة مقابل صلاحيات محالة، مشيرة إلى القانون المقارن الذي تمّ الاستناد إليه في صياغة المشروع (المغرب، ليبيا، السنغال،ألمانيا، فرنسا) الذي قام بتحديد الموارد المحالة.

وحسب معزّ عطيّة رئيس جمعيّة كلّنا تونس فإنّه “بالنسبة للجهات تمّ تبويب الصلاحيّات إلى صلاحيّات ذاتيّة مشتركة ومنقولة لكن بشكل غير دقيق وفيه الكثير من الضبابيّة ممّا قد يخلق تأويلات في قراءة النّص القانوني ونزاعات بين الجماعات المحليّة فيما بينها ومع السّلطة المركزيّة، أمّا بالنّسبة للأقاليم فقد غاب التنصيص على الأحكام الذاتيّة والمشتركة والمنقولة وتمّ ذكر صلاحيّات الأقاليم بشكل برقي ومقتضب فاقد للدقّة والوضوح”، ويُذكر أنه تمّ التعرّض إلى صلاحيّات الجماعات المحليّة في القسم الثّالث من الباب الأوّل من الفصل 12 إلى الفصل 23 من مشروع القانون. وأضاف معز عطية أن “هناك خطورة كبرى على مستوى الفصل 13 من مشروع هذا القانون تتعلّق بالتّنصيص على مباشرة السلطة المركزيّة للصلاحيّات الذاتيّة لجماعة محليّة ماعند “تقاعس” هذه الأخيرة ولم ينصّ هذا الفصل على كيفيّة إثبات هذا التقاعس، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقدّر السلطة المركزيّة وجود تقاعس من عدمه”.

يمكن لممثل السلطة المركزية استثنائيا مباشرة صلاحيات ذاتية عند تقاعس الجماعة المحلية الفادح أو عجزها الجلي عن ممارسة الصلاحية رغم صبغتها الضرورية ووجود خطر جدي داهم، وذلك بعد التنبيه عليها دون نتيجة. الفصل 13

وبيّن معز بوراوي ممثل جمعيّة عتيد بدوره أنّ المجلّة تتّسم بالعموميّة والتداخل في الصلاحيّات بين البلديّة والجهة والإقليم وبين الصلاحيّات الذاتيّة والمشتركة مع السّلطة المركزيّة ما يمكن أن يؤدّي إلى حصول تنازع في الاختصاص. كما تطرّق بسّام كرّاي ممثّل المنظّمة الدّوليّة للتّقريرعن الدّيمقراطيّة إلى مبدأ التّفريع مبيّنا وجود نظامين لتوزيع الاختصاصات بين المركز والجماعات المحليّة وهما نظام القاعدة العامّة للاختصاص ونظام كتلة الاختصاص وأنّ مشروع القانون لم يبيّن أياّ منهما سيقع اعتماده، مقترحا اعتماد النّظام الأوّل، لأنّ “الثاني أثبت عدم جدواه” على حد تعبيره.

إضافة إلى هذا تطرّق مختلف المتدخّلون إلى الرقابة البعدية أو اللاحقة التي ينصّ عليها الفصل 138 من الدستور وتعوّض الرقابة القبلية التي طالما كبّلت سلطة البلديات وأخضعتها إلى سلطة الإشراف المركزية أو سلطة الوالي ممّا يستوجب الرجوع بالنظر في أبسط المسائل أو الإجراءات. ونوّهت أميرة كريدغ، ممثّلة جمعية البوصلة في سياق ملاحظاتها بثغرات في مشروع المجلّة تحدّ من استقلالية الجماعات المحليّة وتتناقض مع مبدأ التدبير الحرّ، مشيرة إلى الفصول التي فيها مساس بمبدأ الرقابة اللاحقة على البلديات على غرار الفصل 102 و103 وفيهم إحالة إلى سلطة الوالي وأمين المال الجهوي القبلية بالإضافة إلى تدخّل السلطة التنفيذية في قرارات الجماعات المحليّة في الفصل 193. وحسب عائشة قرافي، رئيسة الجمعية التونسية للحوكمة المحلية، فقد “شهد المشروع تراجعا بالنسبة للنسخ السابقة والتي تمت صياغتها على أساس حذف الرقابة القبلية والاقتصار على الرقابة البعدية للجماعات المحلية” واستشهدت على موقفها بورود كلمة الوالي أكثر من 50 مرة بالمجلة وكلمة أمين المال الجهوي أكثر من 25 مرة ضمن مشروع المجلة سواء فيما تعلّق بإعداد وتنفيذ الميزانية ومراقبتها أو إبداء الرأي ومصرّحة أنّ “الرقابة القبلية أُدرجت من جديد لكن بصفة غير معلنة”.

أضافت رئيسة جمعية البوصلة في نفس السياق أنّه “لا يمكن لأي سلطة أن تمارس رقابة على قرارات أو أعضاء الجماعات المحليّة إلا عبر القضاء الذي يبقى الطريقة الوحيدة لمراقبة شرعية أعمال المجالس المُنتخبة ومن شأن هذه الرقابة أن تخلق علاقة عمودية بين السلطة المركزية والسلطة اللامركزية فضلا عن تناقضه مع مبدأ الاحتكام للقضاء”،مشيرة إلى “وجوب اطلاع النوّاب على مشروع القانون المنظّم للاّمحورية حتى يتوصّل مجلس نوّاب الشعب إلى صيغة متناسقة”.

مشاركة المواطن في أخذ القرار

في سياق آخر أشارت بوهلال إلى أنّ التخوّفات التي عبّر عنها النوّاب من إرساء اللامركزيّة ليست في محلّها نظرا لفشل المنظومة القديمة القائمة على المركزيّة في تلبية حاجيات المواطنين، معتبرة “أنّ مبدأ التّدبير الحرّ مرتبط عضويّا بالاستقلاليّة الماليّة والإداريّة للجماعات المحليّة والتي سيتمّ من خلالها استرجاع الثقة مع المواطنين وتشريكهم في الشأن المحلّي”.

وأجمع المتدخّلون على أهمية مشاركة المواطنين على المستوى المحلّي، لكنهم طالبوا بإلغاء كلّ أشكال الرقابة السابقة على منهجية تشريك المواطنين والتي ينصّ عليها وضوحا الفصل 28 من مشروع القانون حيث تضبط منهجيّة الديمقراطيّة التشاركيّة بأمر حكومي. في هذا السياق اقترح ممثّل جمعيّة كلّنا تونس التنصيص على إعداد كلّ جماعة محليّة -بالشراكة مع مركز التكوين ودعم اللامركزيّة ومع المركز الأعلى للجماعات المحليّة- دليلا خاصّا بها يضبط المنهجيّة التشاركيّة والآليّات اللازمة لضمان شفافيّة الأعمال وتشريك المتساكنين والمجتمع المدني في اتخاذ القرار، واقترح إضافة نقطة في الفصل 28 لمشروع هذا القانون تمكّن أي مواطن وممثل عن المجتمع المدني من اللجوء إلى القضاء الإداري إذا تمّ الإخلال بمبادئ وآليات الديمقراطية التشاركيّة المنصوص عليها. كما اقترح أن تنصّ مجلّة الجماعات المحليّة على إعداد خطة شاملة للتواصل مع المتساكنين والمجتمع المدني وإعلامهم وتشريكهم في إعداد ومتابعة وتقييم عمل الجماعات المحلية وأن تكون ٱجال الإعلام معقولة، ثلاثة أسابيع على الأقلّ وليس 15 يوم كما نصّ على ذلك الفصل 29 لمشروع هذا القانون، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المتساكنين في المناطق الريفية وذوي الاحتياجات الخاصة عند ضبط خطط الاتصال والإعلام.

هذا وتتواصل جلسات الاستماع المخصّصة لمنظّمات المجتمع المدني هذا الأسبوع يومي الثلاثاء والأربعاء صلب لجنة تنظيم الإدارة والقوات الحاملة للسلاح. ويتزامن نقاش مشروع مجلة الجماعات المحلية مع فتح أبواب التسجيل للانتخابات البلدية القادمة.