إثر التسريب الأخير الذي نشره موقع نواة الجمعة 21 أفريل 2017 حول خطة رئاسة الجمهورية لتمرير نسخة جديدة من قانون المصالحة، تم استئناف الجدل السياسي والإعلامي حول مشروع المصالحة الاقتصادية والمالية. كانت أولى التصريحات من حركة النهضة التي أفاد نائب رئيسها علي العريض أن “الحركة تلقت يوم السبت 22 أفريل 2017 نسخة من المشروع الجديد”. من جهته أكد نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة لموقع نواة أن “مؤسسات الحركة بصدد نقاش النسخة الجديدة للمشروع ولم تتوصل بعد لبناء تصور نهائي ومُوحّد حولها”، متجنبا في نفس الوقت الكشف عن تفاصيل أخرى بخصوص التعديلات الجديدة.

في الوقت الذي انفردت فيه حركة النهضة بحصرية الحصول على المشروع الجديد أكد كل من الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة الحقيقة والكرامة والمعارضة البرلمانية (التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية) في تصريحات لموقع نواة أن رئاسة الجمهورية لم تعقد معهم اتصالات أو مشاورات حول النسخة الجديدة من قانون المصالحة.

الاكتفاء بالنقاش مع حركة النهضة يعكس اتجاه الرئاسة نحو إيجاد تسويات حزبية حول المشروع من خارج قبة البرلمان. وطالما أنها لم تعبر عن نيتها –رسميا- في سحب المشروع القديم فإنها ستسعى إلى تمرير النسخة الجديدة في شكل تعديلات يقترحها أعضاء من كتلة نداء تونس داخل لجنة التشريع العام ولما لا من كتلة حركة النهضة. ومن المنتظر أن تجتمع اللجنة المذكورة غدا الأربعاء، وسيكون ضمن جدول أعمالها الاستماع لرئيس الديوان الرئاسي سليم العزابي ثم الشروع في نقاش فصول القانون، حسب ما أكدته لنا رئيسة اللجنة النائبة سناء المرسني.

الاتحاد وهيئة الحقيقة والمعارضة خارج المفاوضات

في الوقت الذي أشارت فيه الخطة الرئاسية المُسربة في نقطتها الخامسة إلى عقد لقاء مع قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل للنقاش حول قانون المصالحة أوضح سمير الشفي، الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، لموقع نواة أن “قيادة الاتحاد لم تتلقى نسخة جديدة من مشروع القانون ولم تجري تفاوضا حولها”. مضيفا بالقول “سنواكب التعديلات المقترحة ونعطي موقفنا من مضامينها حال الاطلاع عليها”. هذا واستنكر سمير الشفي عدم تشريك المنظمات الوطنية في نقاش قضية المصالحة التي تطرح جدلا وطنيا واسعا.

من جهته أفاد غازي الشواشي، النائب عن حزب التيار الديمقراطي، لموقع نواة أن “مجلس نواب الشعب لم يتلقى نسخة جديدة من القانون ولكن هناك نقاشات غير رسمية حول وجود تعديلات”، مشيرا إلى تمسكهم بسحب المشروع برمته من قبة البرلمان. في ذات السياق أوضح أحمد الصديق، رئيس كتلة الجبهة الشعبية، لموقع نواة أن “الجبهة لم تجر اتصالات أو نقاشات مع رئاسة الجمهورية حول نسخة جديدة أو تعديلات لقانون المصالحة والحوار حول هذه القضية يجب أن يجري داخل المؤسسات المُنتخبة”. وأضاف الصديق أن “كتلة الجبهة لن تغير موقفها إلا في صورة زوال الأسباب التي أدت إلى رفض النسخة القديمة، من بينها انعدام الشفافية والتعارض مع مسار العدالة الانتقالية القائم على المحاسبة وكشف الحقيقة”. ولم يستبعد رئيس كتلة الجبهة الشعبية إمكانية تمرير قانون المصالحة دون إدخال التعديلات المطلوبة عليه.

أما بالنسبة لهيئة الحقيقة والكرامة فقد أكد خالد الكريشي، رئيس لجنة التحكيم والمصالحة، أن “الهيئة لم يقع تشريكها في النقاش حول المشروع الجديد ولم تتلقى نسخة منه، في حين أن لجنة البندقية طالبت في آخر توصياتها بضرورة التنسيق مع هيئة الحقيقة والكرامة”. وأضاف الكريشي أن “الهيئة ستصدر موقفا حول النسخة الجديدة أو التعديلات المقترحات حال الاطلاع عليه”.

تتزامن هذه التصريحات مع استعدادات تجريها الحملة الشبابية المناهضة للقانون “مانيش مسامح” وعدد من مكونات المجتمع المدني للتحرك مجددا ضد تمرير مشروع المصالحة المالية والاقتصادية في شكل  جديد مُطعم ببعض التنقيحات.

النهضة والنداء: استمرارية التنسيق المشترك حول المصالحة مع رجال الأعمال

النقاش الثنائي بين حركة النهضة ونداء تونس حول النسخة الجديدة من مشروع المصالحة رافقته تقاطعات حوارية حول ملف المصالحة كانت آخرها ورشة العمل المشتركة التي نظمها يوم السبت الفارط مركز الدراسات الاستراتيجية الدبلوماسية الذي يرأسه رفيق عبد السلام القيادي بحركة النهضة بالتعاون مع منتدى العائلة الدستورية ، وقد أثثت الورشة وجوه من كلا الطرفين من بينهم الأمين العام السابق للتجمع المنحل محمد الغرياني ورئيس كتلة حركة النهضة نورالدين البحيري.

لفهم التقاطعات المُختلفة بين حركة النهضة وبين المُدافعين الرئيسيين عن مشروع قانون المصالحة لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، إذ كانت ملفات رجال الأعمال الفاسدين وكبار الموظفين تُدار في الغرف الخلفية ومن خارج مسارات التقاضي المعروفة ومن خارج مسار العدالة الانتقالية، وعُولجت الكثير من حالات الفساد طيلة السنوات الفارطة وفق مصالح الأحزاب الحاكمة. في هذا الاتجاه سبق وأن نشر موقع نواة تحقيقا حول قائمات رجال الأعمال المعنيين بقرارات المصادرة وتحجير السفر أوضح فيه الحذف الذي شمل بعض الأسماء وفقا لمنطق “الاستتابة الاقتصادية” ووفقا لمفاوضات خلفية تم إجراءها مع بعض رجال الأعمال.

بالإضافة إلى هذا فإن الإعلان عن قانون المصالحة صائفة 2015 لم يصطدم بمعارضة من طرف حركة النهضة التي لم تصدر موقفا واضحا، متذرعة كعادتها بأنها بصدد دراسة المشروع، وقد صرح رئيسها راشد الغنوشي آنذاك بأن “المشروع يحتاج إلى تعديلات”. ولعل القبول بالتنقيحات الشكلية الجديدة للرئاسة لا يعد تغيّرا في موقف حركة النهضة من قانون المصالحة الاقتصادية، وعلى الأرجح سيسعى الطرفان إلى الدفاع عن المشروع الجديد من خلال الترويج لملاءمته مع الدستور ومع توصيات لجنة البندقية عبر إدخال بعض التعديلات التقنية عليه، في حين أن أهدافه العامة ستظل على حالها.