منذ بدأ التصعيد في مدينة المكناسي يوم الاربعاء 11 جانفي 2017، تتواصل لليوم السادس على التوالي المواجهات بين المحتجّين وقوّات الأمن ليلا نهارا دون ظهور بوادر أو خطوات جديّة من السلط الجهوية أو الحكومة لإيجاد حلّ غير التعاطي الأمني. الزيارة الميدانية لمدينة المكناسي طيلة يوم الاثنين 16 جانفي 2017، عكست إصرار المحتجّين على عدم الانزلاق إلى مربّع العنف وعدم الانحراف بمطالبهم المشروعة في التشغيل والتنمية إلى الفوضى. في المقابل، تشير كلّ الشهادات ومسار الأحداث إلى سعي محموم من القوّات الأمنية الوافدة إلى المدينة لجرّ الاحتجاجات نحو ردّ فعل عنيف عبر تعمّد استفزاز المتساكنين واهانة الموقوفين والاستعمال المفرط للقوّة وترهيب العائلات حتّى داخل منازلهم. وتزامنا مع تصاعد المواجهات في المكناسي، شهدت ليلة أمس 16 جانفي 2017، مواجهات عنيفة اخرى في كلّ من منزل بزيان في ولاية سيدي بوزيد ومعتمدية السند في ولاية قفصة رفع خلالها المحتجون مطالب أهالي المكناسي وغيرهم من مواطني المدن والقرى المنسية.

مع تواتر التحرّكات الاحتجاجيّة الليليّة في مدينة المكناسي، سعت بعض وسائل الإعلام إلى تصويرها في شكل عمليات تخريب للمنشئات العمومية وشغب وسطو، إلاّ أنّ الزيارة الميدانية للمدينة يوم الاثنين 16 جانفي 2017، كذّبت جميع المغالطات. إذ لم يتمّ تسجيل أي حالة للاعتداء على المؤسسات العمومية بالحرق أو بالسرقة، كما لم يتمّ السطو على معدات المستشفى المحليّ كما راج.

في هذا السياق، يؤكّد حمد غابري، أحد شباب الحراك بالمكناسي واضراب جوع المعطلين عن العمل، ان العصيان كان مدنيا وسلميّا منذ البداية، وانّ التصعيد والمواجهات العنيفة لم تكن سوى ردّة فعل طبيعيّة على الاستفزازات الأمنية المتواصلة التي تجاوزت الحدود من سب وشتم وإهانة للمارة ونساء المدينة إضافة إلى إلقاء العبوات المسيلة للدموع داخل المنازل.

زياد عماري، أحد المشاركين في اعتصام هرمنا، أكّد شهادة سابقه، مشيرا إلى ان التعزيزات الأمنية الوافدة على المدينة تعاطت مع الحراك الاجتماعي بعنف مفرط، وصل حدّ ترهيب الاهالي داخل منازلهم وهو ما أصاب الاطفال بحالات ذعر واختناق نتيجة الاستعمال المكثّف للغاز المسيّل للدموع. هذه الممارسات، دفعت بالشباب المرابط في الشوارع إلى مواجهة قوّات الأمن ومنعها من التوغل داخل الاحياء وحماية عائلاتهم.

التعزيزات الأمنية الوافدة على المدينة، تجنّبت الدخول إلى المكناسي عبر الطريق الرئيسيّة،وهو ما عايناه في المواجهات التي اندلعت في الليلة الفاصلة بين يوم الاثنين 16 جانفي 2017 ويوم الثلاثاء 17 جانفي 2017، كما أكّدت شهادات الأهالي أنّ قوّات الأمن تعمد إلى التسلّل خلسة إلى وسط المدينة ومحاولة التوغّل داخل الأحياء ليلا لممارسة عمليات الترهيب ضدّ السكّان في بيوتهم والقيام بالمداهمات الليلية.

التحرّكات لم تقتصر على المسيرات والاحتجاجات، حيث نظّم الشباب العديد من الاجتماعات العامة لتوجيه الحراك وشحذ الهمم، على غرار ما جاء على لسان الشاب عبد الحليم حمدي خلال أحد هذه الاجتماعات، والذّي أكّد على عدم مغادرة الشوارع حتى يتم تحريرها من القوّات الامنية المستقدمة إلى المدينة، على حد تعبيره معتبرا ان محاولة تجريم الحراك الاجتماعي باسم القانون تعلّة واهية أمام معاناة الجوع والفقر التي يعيشها الأهالي. ويُذكر ان شباب المكناسي قد دعوا الى اجتماع عام بمقرّ الاتحاد المحلي للشغل على الساعة الثالثة عصرا من مساء يوم أمس قبل نقله لاحقا امام أحد المقاهي في المدينة وعلى مقربة من مركز الشرطة، أين تجمع المواطنين وتمت الدعوة الى تحرك احتجاجي في الخامسة مساء من نفس اليوم انتهى بالتجمهر امام مركز الشرطة وعلى مرأى من أعوان الأمن للتنديد بالقمع والاعتداءات والايقافات تعرّض لها شباب المكناسي منذ بداية الاحتجاجات.

وقد أصدرت تنسيقية العصيان المدني بالمكناسي مساء يوم الاثنين 16 جانفي 2017 بيانا للرأي العام الوطني والمحلّي شرحت فيه أشكال القمع المسلّط على الاحتجاجات التي شهدتها المدينة، كما أعلن المحتجّون في بيانهم عن تمسّكهم بمطالبهم الاجتماعية وبسلمية حراكهم الاحتجاجيّ وقدرتهم على ضبط التحرّكات وضمان عدم انحرافها وانسياقها في الفوضى العمياء

الدعم وفك الحصار

الحملة الأمنية الشرسة ضد المحتجّين ومتساكني المكناسي المتواصلة منذ يوم الإربعاء الفارط، إضافة على استمرار دفع التعزيزات الأمنية نحوها من مختلف الولايات المجاورة، دفعت بعدد من شباب منزل بوزيان للتحرّك ودعم الحراك الاجتماعي هناك، عبر تنفيذ مسيرات يومية تندّد بمحاصرة المكناسي وترفع مطالب شبابها. أمّا معتمدية السند من ولاية قفصة فقد شهدت هي الأخرى ليلة البارحة 16 جانفي ،2017 مواجهات ليلية عنيفة دفعت القوات الأمنية المتواجدة هناك إلى طلب التعزيزات من خارج المدينة. التعاطي الأمني مع احتجاجات السند لم تختلف عن ما شهدته مدينة المكناسي من مداهمة للمنازل واستعمال الغاز المسيّل للدموع وسط الأحياء، لتكون حصيلة المداهمات التي بدأت على الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل إيقاف 11 شابا تمّ إخراجهم عنوة من منازلهم، ولم يتمّ التأكّد إلا من أسماء عدد منهم وهم : فؤاد سندي، أحمد علودة، رشدي ناصري، صفوان سكروفي، وسيم سكروفي وسامي ناصري.

الموقوفون تمّت إحالة بعضهم إلى مدينة قفصة فيما يتواصل إيقاف الباقين في مركز السند.