أكثر من سبعين دولة و4500 مشارك في الندوة الدوليّة للاستثمار تونس 2020، كانت نتائجها تعبئة 34 مليار دينار تونسي حسب تصريحات رئيس الحكومة يوسف الشاهد. لكنّ السخاء الدولي حسب الاحصائيات، اقتصر في أغلبه على اثقال الاقتصاد التونسي بمزيد من القروض في بلد تستنزف مديونيته أكثر من 60% من ناتجه المحليّ الخام. “أصدقاء تونس” الذّين تجنّدوا لإنقاذ التجربة التونسية والأخذ بيد الاقتصاد التونسي المُنهك، لم يقدّموا سوى 525 مليون دينار في شكل هبات، هذا العدد لا يمثل سوى 3% من إجمالي الاتفاقات والعقود المعلنة.

تونس 2020: قفص المديونية

الحصيلة المالية للندوة الدوليّة للاستثمار تُبرز أن الكفّة مالت لصالح القروض على حساب أشكال الدعم الأخرى (خصوصا الهبات). وللتخفيف من وطأة الالتزامات المالية الجديدة سعت الحكومة التونسية إلى الإيهام بأنها قروض مُيسّرة الشروط، دون أن تقدّم أرقاما تفصيلية بحجم الفوائد التي اشترطها المانحون. ولعل التكتم عن نسب الفوائد يعد سياسة مالية قديمة، تجسدت في ظل هيمنة الفساد وانعدام الشفافية. وبعد إسقاط نظام بن علي جُوبهت المطالب المتكررة بالتدقيق في المديونية العمومية بالرفض من قبل الحكومات المتعاقبة.

تأتي القروض الجديدة التي جاد بها أصدقاء تونس –دولاً ومؤسّسات ماليّة- لتشكّل عبئا إضافيا على الخزينة العامة للدولة، إذ تشير آخر الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الدين العمومي من الناتج المحلي الخام تقدر بـ63 % (2016). وعادة ما تبرر السلطات التونسية هذا اللجوء الدوري للاقتراض بسد العجز عن تسديد الأجور ودفع التنمية والتشغيل في الجهات الداخلية. بالمقابل تشير قوانين المالية المتتالية إلى أن نسبة 80 %من موارد الاقتراض الجديدة تُصرف في سداد قروض قديمة، ويمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال الفرق الضئيل بين موارد الاقتراض التي بلغت سنة 2016 حوالي 6594 مليون دينار بينما قُدّرت قيمة تسديد الدين بـ 5130,01 مليون دينار. إضافة إلى هذا تستمر سياسة التداين على حساب الاستحقاقات الاجتماعية والإقتصادية، على اعتبار أن قيمة تسديد الدين عادلت سنة 2016 مجوع ميزانيات 9 وزارات من بينها الصحة والشؤون الاجتماعية والتشغيل وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي.

جغرافيا الالتزامات والوعود

القروض التونسية (وعودا والتزامات) شملت القارّات الأربعة وأهمّ الهيئات النقدية الدوليّة، ولكنّها حافظت على شبكة المقرضين التقليديّن خصوصا الصناديق الأوروبيّة ونظيراتها الخليجيّة والدوليّة التي ازداد نفوذها على القرار السياسي والاقتصاديّ مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة بعد سنة 2011. تتصدّر دول الخليج التي تعاظم حضورها الاقتصاديّ والسياسيّ خلال السنوات الخمس الفارطة قائمة المانحين بقروض وتعهّدات ناهزت 13400 مليون دينار، تليها دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية بأكثر من 11565 مليون دينار. البنك الدولي بدوره لم يتأخّر عن إطلاق وعود ستثقل كاهل المالية العمومية بديون جديدة بقيمة 2200 مليون دينار، فيما توزعت باقي القروض بين تركيا وكندا والبنك الافريقي للتنمية الذّي قدّم تعهدات بقروض جديدة ستناهز 6500 مليون دينار.

شبكة الدائنين ومسار تعاطي الحكومات المختلفة مع الشؤون الاقتصاديّة والسياسيّة خلال السنوات الأخيرة، يكشف الارتباط التام بين تلك القروض وتوظيفها لخدمة المصالح السياسية والديبلوماسية والاقتصادية للمقرضين. وهو ما يؤكّده التعاطي الرسمي التونسي مع العديد من القضايا الدولية على غرار الخلاف السعودي الإيراني والأزمة السورية، إضافة إلى الانصياع التام لبرنامج الإصلاح الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي الذّي فاقم حالة الاحتقان الاجتماعيّ.

التذيل للمؤسسات الدولية المانحة لم تخفه حكومة الشاهد، حيث أقرّ وزير الاستثمار فاضل عبد الكافي خلال الندوة الختاميّة، أنّ السخاء الدوليّ تجاه تونس مرتهن بمدى “تقدّم المفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ حول برامج الإصلاح الهيكليّ” أو بمعنى أكثر وضوحًا، مرتبط باستمرار الطاعة العمياء للمانحين.