المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

kamel-riahi

المتاهة

يجد القارئ نفسه في متاهة منذ بداية هذه الرواية إذ يقحمه الرياحي في شبكة من العلاقات المشبوهة و الأحداث التي تتسارع فيتبعها مُرْغَمًا بغية الوصول إلى الحقيقة لكن دون جدوى. ففي كلّ مرّة تعتقد أنك حللت لغزا و فهمت أحجية “الشخصيّات-الأنذال”، تعود الأمور إلى سيرتها الأولى و يعود التشويق إلى أوجه. ينقل لنا مؤلّف “المشرط” مجتمعا قذرا مليئ بالمكائد و الدسائس و الجنون و الجريمة، صورة قبيحة سوداء يجعلنا الكاتب نتتبع أهمّ الشخصيّات الفاعلة داخلها. بطل الرّواية كمال اليحياوي روائي و سيناريست تعلمه عشيقته أنّها حبلى من زوجها ” أنا حبلى فهل ستبقى معي؟” فيتذكّر حدثا مشابها و يحتار بين البقاء معها و تركها. كلّ شيئ متعلّق بالإختيار إذ أنّ الرواية تنبني أساسا على قلب المفاهيم لتصبح الأحدات ذات طابع عبثي مبهم ( العشيق منزعج من حمل عشيقته من زوجها! ) ههنا يبقى القارئ في متاهة معقّدة و متعة يلتمس الخروج منها و كلما إقترب من فكّ رموزها إلا و باغته الرياحي بفخّ من حيث لا يدري. يلج كاتب “الغوريلا” إلى عالم البرجوازيّة فنكتشف أنه عالم مبنيّ على المظاهر الخادعة و النفاق، فالكلّ يحارب الكلّ. حتّى الزوج و زوجته إذ يكشف الكاتب عن حقيقة بطله كمال اليحياوي و الذي أصبح كاتبا بعد إحتجازه لطلبة “الدراماتورجيا” لينهل من كتاباتهم و يستغلّهم لصالحه. و تزداد الصورة قتامة مع الدخول إلى عالم الزّوجة المليئ بالمغامرات الجنسيّة و الصفقات المشبوهة. لقد عمد الرياحي منذ البداية إلى التّشهير بممارسات هذا النّوع من الأشخاص الذين يتخفّون خلف “البرستيج” ليحققوا غاياتهم القذرة بأيّ طريقة. و على الرّغم من أنّ ملامح الرواية فيها الكثير من الغموض على مستوى الأحداث و حقيقة الشخصيات و خلفيّة كلّ منها، يقذف الرياحي القارئ بحقيقة صادمة تجعله يعيد إستيعاب كلّ ما قرأه بطريقة مغايرة لأنّها مجرّد يوميّات كتبها البطل في المستشفى بعد أن إنتقمت منه زوجته ” ليلتها ناداني “حياة”. عرفت أن اللعبة بدأت مع ذلك السافل. ” هكذا يعود القارئ مصدوما إلى قلب المتاهة.

الرّياحي يعيد إنتاج الواقع

إنّ العالم الروائيّ و نسيج الأحداث الذي يقدّمه لنا صاحب كتاب “حركة السّرد الرّوائي ومناخاته” هو عالم من صميم الواقع الأماكن كلها حقيقيّة و موجودة في العاصمة. لقد إستبطن الكاتب كلّ هذه الأماكن و إستطاع أن يلجها بطريقة عبقريّة و من زوايا مستحيلة لا تتاح إلاّ له هو وحده. فقد سافر – و من خلفه قارئه – إلى أبعد النّقاط في الحيّز المكانيّ بفضل القوّة التخييليّة و أسلوبه الساحر، و هنا يجد القارئ نفسه متأرجحًا بين الصّورة الواقعيّة لتلك الأمكان من جهة و بين صورها في الرّواية من جهة أخرى. لقد ركّز الرياحي على رمزيّة الأطر المكانيّة فهي بمثابة السّاحة/ المسرح الذي يتطوّر فيه نسق الأحداث و تجتمع فيه الشّخصيات. فكيف كان تعامل كمال الرياحي مع الشخصيّات ؟

شخصيّات في عالم نذل

يورّطنا الرياحي و يقذف بنا في عالم الشخصيات لنتنقّل بحريّة بين دقّ تفاصيل حياتها. فهو يكشفها و يغور في بواطنها. يسيّر الكاتب الأحداث و يوجّه الشخصيات فيتسارع النسق السردي و تتوسّع شبكة العلاقات بين الشخصيات و تتحوّل إلى نسيج عنكبوتيّ يتتبعه القارئ بدقّة ليكتشف سرّ موت موت سارة، قصّة قطّة اليهودي إيفو و علاقته بالبطل كمال اليحياوي و هل يمكن أن يكون هذا الأخير هو النذل و ما دور زوجته في كلّ هذا ؟
أسئلة لن تجيب عنها مباشرة بعد الإنتهاء من الرّواية لأنّك سثثريّث قليلا لإستيعاب الكمّ الهائل من الأحداث الصادمة و الملغزة في آن. ستتضح الصورة ي ذهنك تدريجيّا و تعود إلى فكّ شفرة كلّ مشهد. ذلك هو تأثير عالم النذالة على القارئ، يصدمه و من ثمّ يشرع في تقديم الأجوبة تباعا. و هو ما يميّز عوالم كمال الرياحي الروائيّة إذ أنّ أدبه لا يُقرئ بل يُلْتَهَمُ … لكن بحذر !

العنوان : عشيقات النّذل
عدد الصّفحات : 190
تاريخ الصّدور : 2015
دار النّشر : دار الساقي/ بيروت