essebsi-youssef-chahed-feat

سنكون حازمين مع الاعتصامات.

سنكون مجبرين على اتباع سياسة التقشّف وتقليص مصاريف الصحّة والضمان الاجتماعي، كما سيتمّ الترفيع في الضرائب.

كانت هذه مقتطفات من كلمة رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد أمام مجلس نواب الشعب يوم الجمعة 26 أوت الجاري، خلال الجلسة العامة المخصصة للتصويت على منح الثقة للحكومة المقترحة. أنهى الشاهد كلمته وصفّق وزراؤه وجمع من النوّاب. الأسماء النقابية واليسارية التي طعّم بها رئيس الحكومة فريقه على غرار إياد الدهماني، سمير بالطيّب، عبيد البريكي، محمد الطرابلسي، لم تنبس ببنت شفة خلال كلمة هذا الأخير وهو يتحدّث عن قمع الاحتجاجات والإصرار على السير قدما في التضييق أكثر فأكثر على الفئات الأضعف اقتصاديا، والمسّ من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. صمت قد ينبؤ بمآل تجربة انخراط “اليسار” في الحكم، الذّي سيكتفي ربّما بدور لن يتجاوز تزويق أو تلطيف وقع السياسة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الجديدة.

إياد الدّهماني وزير مكلف بالعلاقة مع مجلس النواب: الجمهوري وأزمة التحالفات

رغم التحفظات التي أبداها الحزب الجمهوري على حكومة يوسف الشاهد، بخصوص تركيبتها وتوقيت الإعلان عنها، فإنه عبّر في بيان له عن قبوله المشاركة وانخراطه في مبادرة الوحدة الوطنية. ويشارك الجمهوري في الحكومة الجديدة بحقيبة وزارية واحدة، يترأسها عضو المكتب التنفيذي والنائب البرلماني إياد الدهماني، الذي رُشّحَ وزيرا مكلفا بالعلاقة مع مجلس النواب. المشاركة المحتشمة للحزب غُلٍّفت بالانخراط في مبادرة ”الوحدة الوطنية“، وهو نفس العنوان السياسي الذي اتخذته حكومة محمد الغنوشي الأولى التي تشكلت في 17 جانفي 2011، وشارك فيها القيادي التاريخي للحزب، أحمد نجيب الشابي، بتولي وزارة التنمية الجهوية والمحلية.

يعتبر الحزب الجمهوري سليل الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تأسس سنة 1983 تحت اسم ”التجمع الاشتراكي التقدمي”. وقد عَرفت هذه التجربة الحزبية مسارات تنظيمية وسياسية متقلبة. فمع بداية الثمانينات كان التأسيس على يد مجموعة قادمة من تجربة ”العامل التونسي“، تبنّت الفكر الاشتراكي العمالي مع إعلانها التمايز الفكري والسياسي عن الأحزاب الشيوعية المحلية والعالمية. وفي مرحلة ثانية تخلّى الحزب عن صفة ”الاشتراكي“ في مؤتمر جوان 2001 ليصبح ”الديقراطي التقدمي“، وقد تزامن هذا الإجراء مع خيار الانفتاح على مختلف المشارب الفكرية والسياسية، الأمر الذي أدى إلى التحاق بعض اليساريين ومجموعة تعرف بـ”الإسلاميين التقدميين“، ولكن هذا التوجه لم يثمر ديناميكية تنظيمية جديدة، بل شكّل عامل انقسام داخلي، إذ سرعان ما غادر اليساريون لأسباب فكرية بالأساس، ليلتحق بهم ”الإسلاميون التقدميون“ سنة 2009 لأسباب قِيل أنها ذات طابع تسييري داخل الحزب.

خيار الانفتاح التنظيمي ظلّ قائما بعد الثورة، وعادة ما يبرّره القادة بعامل التكيّف مع السياقات السياسية والاجتماعية المتحوّلة، وفي هذا السياق نشأ الحزب الجمهوري في أفريل 2012، وهو تجمع حزبي ضم بالأساس الحزب الديمقراطي التقدمي مع بعض الأحزاب الصغيرة المتشكلة حديثا، لعل أهمها حزب آفاق تونس. ورغم أن هذا التجمع الجديد يزعم انتسابه للفكر الديمقراطي الاجتماعي، فإن هذا الخطاب لم تترتب عنه آثار سياسية على مستوى التحالفات، إذ كان الجمهوري أكثر اقترابا للعائلات الليبرالية منها للتشكيلات الاجتماعية، وهو ما نجم عنه الدخول في تحالف الاتحاد من أجل تونس (ديسمبر 2012) الذي هيمن عليه حزب نداء تونس. هذه التحالفات سرعان ما أثبتت هشاشتها لينسحب الجمهوري من الاتحاد من أجل تونس بعد سنة تقريبا (ديسمبر 2013) مبررا ذلك بعدم تحول هذا التحالف إلى قوة سياسية وانتخابية. علاوة على هذا شهد الجمهوري تصدعا داخليا بانسحاب أحد أبرز مكوناته ”حزب آفاق تونس“ في ستمبر 2013.

شبكة التحالفات المتعاقبة التي نسجها الحزب الديمقراطي التقدمي كان يقودها هاجس بناء قوة انتخابية من أجل الوصول إلى السلطة، وعموما كانت متضاربة مع خطه الفكري والسياسي وكانت مقطوعة الصلة بحركة المجتمع الواسعة. وسرعان ما تعثرت في أول الطريق أو في منتصفه بسبب هيمنة الحسابات الانتخابية على غرار ما شهده تحالف الاتحاد من أجل تونس. ولعل المشاركة المحتشمة للحزب في حكومة الشاهد تمثل انعكاسا لهذه الرؤية في التعاطي مع قضية السلطة.

سمير بالطيب وزير الفلاحة: انهيار فكرة التصادم التاريخي مع الإسلاميين

مشاركة سمير بالطيب الأمين العام لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي –الذي يصنّف ضمن يسار الوسط- في حكومة يوسف الشاهد التي تشارك فيها حركة النهضة الإسلامية، جعل البعض يتحدث عن تحول تاريخي في علاقة الحزب الشيوعي التونسي (تأسس سنة 1920) بالإسلاميين، خصوصا وأن تجربة المسار الديمقراطي الاجتماعي (تأسس أفريل 2012) تعتبر امتدادا تاريخيا للحزب الشيوعي الذي غيّر اسمه ليصبح ”حركة التجديد“ في أفريل 1993، تزامنا مع الإعداد لانتخابات 1994. العلاقة بين ”الشيوعيين“ والإسلاميين تميزت منذ أول ظهور لحركة الاتجاه الإسلامي في أواسط السبعينات بالتعارض، الذي تأسس على ضدية المشاريع المجتمعية والفكرية.

أثّرت هذه العلاقة على السلوك السياسي للحزب الشيوعي التونسي وامتداداته التنظيمية (التجديد والمسار)، إذ لجأ الحزب في بعض المحطات التاريخية –خصوصا أواخر الثمانينات وبداية التسعينات- إلى تغليب خيار مساندة النظام على خيار المواجهة، مبرّرا ذلك بضرورة الحفاظ على مكاسب الحداثة التي تهددها الحركة الإسلامية الصاعدة أواسط الثمانينات بخطابها الأصولي، وفي نفس الاتجاه عَارض الحزب هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات -التي تشكلت سنة 2005 وشاركت فيها حركة النهضة وأحزاب يسارية من بينها حزب العمال الشيوعي التونسي- وقد كان هذا الرفض ناجما عن مشاركة الإسلاميين فيها رغم أنها حركة سياسية ذات أبعاد حقوقية. وقد استمر الخطاب المناهض للإسلاميين بعد الثورة، ليشهد انتعاشا مع صعود تيار السلفية الجهادية وبروز ملامح لأسلمة الدولة والمجتمع في سلوك حركة النهضة التي حكمت بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011.

لم ينقطع مسار التعارض إلى حدود تشكيل حكومة الحبيب الصيد الأولى، إذ عبّر الأمين العام لحزب المسار سمير بالطيب عن رفض المشاركة فيها بسبب تواجد حركة النهضة، مبررا ذلك بالقول ”لا نحمل نفس المشروع“. ورغم مشاركة حزب المسار في جل الحوارات الوطنية التي تواجد فيها الإسلاميين، وكان آخرها الحوار حول وثيقة قرطاج، فإنه لم يكن يؤيد فكرة تقاسم السلطة معهم. وبالتالي ما الذي طرأ على التصور الفكري والسياسي للحزب حتى يقبل بهذه الفكرة، وهكذا يقطع مع سلوك سياسي استمر حوالي أربع عقود؟ يبدو أنه من غير السليم موضوعيا الحديث عن تحولات فكرية وسياسية جذرية تطرأ في ظرف أسبوع أو سنة. وعلى الأرجح تعامل حزب المسار وخصوصا -أمينه العام سمير بالطيب- مع موضوع السلطة بروح نفعية، أفرزها الاقتناع بأن الوصول للحكم لا يستوي في ظل التشبث بخطاب ممانع للإسلاميين، علاوة على هذا تم التعاطي مع هذا الظرف من زاوية أوضاع الحزب الداخلية التي تتصف بالهشاشة التنظيمية والانعزالية النخبوية عن حركة المجتمع، الأمر الذي لم يسمح بالتفكير في قضية السلطة من مداخل أخرى.

نقابيون في حكومة الشاهد لامتصاص الصدمات

  • عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد:
  • بمجرّد الإعلان عن اسمه ضمن التركيبة الحكومية الجديد برئاسة يوسف الشاهد، أثار عبيد البريكي موجة من الجدل، بين مناصر ومبارك لوجوده ضمن الفريق الحكومي الجديد، وقسم آخر انطلق في شنّ هجمة شرسة ضد هذا الأخير تراوحت بين النقد الذاتي لمسيرة هذا الرجل صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ونقد موضوعي مناهض لمشاركة شخصيات مستقلّة أو غير مدعومة حزبيا في حكومة سياسية بامتياز.

    المسيرة النقابية لعبيد البريكي تعود لعقود مضت صلب هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل، الكاتب العام السابق لنقابة التعليم الثانوي، تدرّج في مسؤوليته النقابية ليكون الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد إلى حدود 29 ديسمبر 2011 تاريخ انتخاب المكتب التنفيذي الجديد.

    الوزير الجديد، لم تخلو مسيرته من الصراعات وهو الذّي أثبت تمرّسه في المعارك الكلامية والمواجهة مع الترويكا بالخصوص خلال الشهرين الذّين تليا انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011. حيث خاض هذا الأخير الصدامات الأولى بين أحزاب الترويكا الحاكمة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي بدأت منذ الأيام الأولى التي تلت 14 جانفي 2011، لتتراوح الهجمات بين اتهامات شخصيّة للبريكي بالفساد وموالاة بن علي ودور الاتحاد العام التونسي للشغل في ”تعطيل“ عمل الحكومة الجديدة وإثارة الشارع ضدّها. بعد خروج عبيد البريكي من المكتب التنفيذي نهاية سنة 2011، انكفأ هذا الأخير عن العمل النقابي في الساحة المحليّة، لينتقل إلى بيروت للعمل كمستشار لدى منظّمة العمل العربية في السنوات اللاحقة.

    سياسيّا، أشهر عبيد البريكي تنظّمه صلب حزب الوطنيين الديمقراطيين في أوائل شهر أكتوبر 2011. لتتواصل مسيرته الحزبية إلى حدود شهر مارس 2013، حيث أدى استبعاد البريكي من تولّي أمانة الحزب عقب اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 06 فيفري 2013، إلى انسحاب هذا الأخير من الحزب، رغم تعهّده بمواصلة دعم ”رفاقه“ من موقعه. هذه الخطوة التي اعتبرها الكثيرون حينها خاتمة المشوار السياسي لعبيد البريكي، خصوصا مع انتهاء دوره النقابي، لم تقضي على آمال هذا الرجل الذي عاد من جديد إلى تصدّر المشهد من موقع السلطة.

    عودة عبيد البريكي سنة 2015، كانت ترجمة لرغبته في لعب دور ما على الساحة التونسيّة، رغبة لم يخفها منذ البداية، بل وأفصح عنها صراحة في حوار مطوّل مع جريدة الصباح في 27 جانفي 2016، حيث لم ينف احتمال استئناف نشاطه السياسي أو النقابي دون أن يحسم اختياره. وفي ظلّ سياق كان يرجّح تأهبه للعودة على ساحة محمد علي مع اقتراب المؤتمر العام للاتحاد العام التونسي للشغل، راوغ هذا الأخير الجميع لينطلق مباشرة صوب كرسي الوزارة في واحدة من أكثر الوزارات غرقا في المشاكل والتجاذبات.

    موافقة عبيد البريكي على تولّي وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد يأتي بعد فترة من موقف مناقض تجاه حكومة حبيب الصيد، التي اتخّذ منها هذا الأخير موقفا سلبيّا على أساس محورين أساسيين، عدم استجابتها للمطالب الاجتماعية العاجلة واندفاعها نحو تنفيذ برامج الإصلاح الهيكلية المسقطة من هيئات النقد الدوليّة، والتي تتعارض مع المصالح الاقتصادية والاجتماعية لباقي فئات المجتمع من خارج دائرة أصحاب المصالح السياسية ورؤوس الأموال، والمحور الثاني ارتكز على رفض التعامل مع حكومة تتضمن وزراء من حزب حركة النهضة، وتماطل في كشف حقيقة الاغتيالات السياسية التي طالت الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

    هذا الموقف تجاه حكومة حبيب الصيد لم يصمد أمام دعوة نظيره الجديد يوسف الشاهد، إذ قبل عبيد البريكي المنصب الوزاري في حكومة تشير جميع الدلائل وطبيعة تركيبتها خصوصا في القطاعات الاقتصاديّة إلى مواصلتها نفس النهج الاقتصاديّ، إضافة إلى انّ كشف قتلة بلعيد لم يكن من الأولويات التي أعلن عنها رئيس الحكومة في خطاب تعيينه. أمّا بالنسبة لحركة النهضة، فهي ما تزال الشريك الأبرز والأقوى في الحكم، وقد تدعّمت مشاركتها بحقائب وزارية شملت وزارات كبرى على غرار الصناعة والتجارة والتشغيل إضافة على كتاب دولة.

    من جهة أخرى يتولى الوزير الجديد منصبه في ظرف استثنائيّ، وفي وزارة تعتبر واحدة من أكثر الوزارات إثارة للجدل. فقطاع الوظيفة العمومية، سيضع هذا الأخير في مواجهة مباشرة مع حاضنته الأولى والأهم، الاتحاد العام التونسي للشغل. أمّا بالنسبة لمكافحة الفساد، فتبدو المهمّة عسيرة. حيث اعترف الوزير السابق كمال عيّادي أمام لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام في شهر جوان الفارط، أنّ مؤشرات الفساد والرشوة والمحسوبية متصاعدة في كل المؤسسات العمومية. اعتراف يتطابق مع التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لسنة 2015، أين احتلت تونس المركز 76 في مؤشر مدركات الفساد لتلك السنة.

  • محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية:
  • لم يكن عبيد البريكي وحده من انتقل بخبرته في العمل النقابي في ساحة محمد علي إلى مكاتب العمل الحكومي في القصبة، فرفيق دربه محمد الطرابلسي، وزميله في المكتب التنفيذي برئاسة عبد السلام جراد، حضي هو الآخر بحقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة يوسف الشاهد الجديدة.

    خرّيج كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بتونس في اختصاص التاريخ والجغرافيا، والحاصل على أستاذية من معهد الصحافة وعلوم الإخبار إضافة إلى تخرّجه من معهد الدفاع الوطني بتونس، تدرّج هو الآخر في هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل ليتولى صلب المكتب التنفيذي خلال العشرية الأولى من الألفية الثانية منصب أمين عام مساعد بـالاتحاد العام التونسي للشغل مكلف بالتعليم ومن ثم الاتصال والعلاقات الدولية. منذ البداية، وقبل وقت أبكر من عبيد البريكي، اختار هذا الأخير تجنّب العمل السياسي الحزبي عقب خروجه من المكتب التنفيذي، واختار مواصلة نشاطه النقابي خارج البلاد كمدير لأنشطة العمال لشمال افريقيا بالمكتب الإقليمي للمنظمة الدولية للعمل بالقاهرة. ليتواصل نشاطه الجمعياتي كنائب لرئيس جمعية”سوليدار تونس الاجتماعية“ التي انشأها مجموعة من النقابيين والجامعيّين والبرلمانيين إضافة إلى خبراء في المجال الاقتصادي وعلم الاجتماع منذ سنة 2015. وقد تمحور عملها حول اعداد عدد من الدراسات والتقارير حول مختلف التشريعات ومشاريع القوانين ذات العلاقة بالمسألة الاجتماعية ومبادئ العدالة والمساواة وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

    تعيين محمد الطرابلسي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية يمثل تحديا جديا لهذا الرجل في وزارة تمثل الامتحان الحقيقي لشخص بخلفيته النقابية والفكرية. حيث تطرح المسألة الاجتماعية نفسها كواحدة من القضايا العاجلة في ظلّ الانحياز الحكومي منذ سنة 2011 إلى منظّمة الأعراف وفي ظرف تغرق فيه الصناديق الاجتماعية في حالة من الإفلاس والعجز، حيث ناهز عجز الصناديق الاجتماعية 1615 مليون دينار سنة 2016. لكنّ محمد الطرابلسي هذه المرة لن يخوض غمار التجربة الجديدة من موقع النقابي المنحاز للفئات المتضررة، بل من مقعد الوزارة الخاضعة لمنطق التعليمات والخيارات الكبرى الحكومية، ليجد نفسه ربما لأول مرة في مواجهة رفاق الأمس في ساحة محمد علي.

    وزراء ”اجتماعيون“ لإطفاء الحرائق أو لصنع الاستثناء؟

    مشاركة هذه المجموعة من وزراء ”اليسار“، سواء من أحزاب عرفت بتوجهاتها السياسية والفكرية ذات المضمون الاجتماعي واليساري، أو النقابيّين المنحازين للمطالب الاجتماعية والحقوق الاقتصادية تأتي في سياق شاذ من تعزيز التحالف بين قوتي اليمين الحاكم بجناحيه الليبرالي والديني الذّي تبنى خلال السنوات الخمس الماضية نهجا اقتصاديا يتماشى مع توصيات هيئات النقد الدولية وبرامج إعادة هيكلة الاقتصاد المحليّ القائمة على إقصاء الدولة من دورها التنظيمي وإلغاء الجانب الاجتماعي ومحاصرة الحراك المطلبي والاجتماعي للفئات المهمشة في الدورة الاقتصاديّة.

    هذا الاستثناء في حكومة يوسف الشاهد، الموظف السابق في السفارة الأمريكية، والمحاط بفريق من وزراء القطاعات المالية والاقتصاديّة الذّين يتبنّون رؤيته والمستعدّين لاستكمال تنفيذ ما بقي من تصفية سيادة الدولة على النشاط الاقتصادي، يطرح العديد من التساؤلات حول الدافع الذّي حمل مجموعة الوزراء ”الاجتماعيين“ الجدد إلى القبول بهذه المناصب وطبيعة دورهم خلال المرحلة القادمة. إذ سيكون هؤلاء إما عاملا حاسما في عرقلة عمليات ”هيكلة“ الاقتصاد التونسي بما يتماشى وتوصيات صندوق النقد الدولي أو سيكونون مجرّد رجال إطفاء في خطّ المواجهة الأوّل مع مختلف الفئات الاجتماعية المتضرّرة من سياسة الحكومة الجديدة.

    أما الإشكالية الثانية، فتتعلق بمدى تأثير التحالف اليميني وفشل السياسة التواصلية لبعض الأحزاب اليسارية وقدرتها على التجذّر أكثر وسط الجماهير، وهو ما دفعها إلى الاقتناع بضرورة الانخراط في اللعبة السياسية وفق قواعد القوى المهيمنة والاكتفاء بنصيب من سياسة المحاصصة وخوض غمار تجربة السلطة مهما كانت الارتدادات والنتائج.

    لكن الثابت من خلال الوقوف على طبيعة التركيبة الحكومية الجديدة، أنّ تجربة الوزراء ”اليساريين والنقابيين“ في الحكم لن تكون سهلة بالمرّة، خصوصا وقد استطاع رئيس الجمهورية في نهاية المطاف أن يجرّ ايدي جديدة إلى ”العجين“ لتقاسم الذنوب وتعميم الفشل في حكومة حدّد هذا الأخير منذ البداية مربّع تحرّكها، لتكون حكومة إنجاز لا حكومة مراجعة للخيارات السياسية والاقتصادية السابقة.