Sommet arabe

قمم … قمم
معزى على غنم
جلالة الكبش على سمو نعجة، على حمار بالقدم.
مظفر النواب

اختتمت القمة العربيّة في دورتها السابعة والعشرين أشغالها في 26 جويلية الجاري في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في ظلّ غياب 11 رئيسا وملكا عربيّا كان من ضمنهم رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي الذي اكتفى بتكليف وزير الخارجيّة خميّس الجهيناوي بترأس الوفد التونسي. “قمّة الأمل” كما اختار الحكّام العرب تسميتها، لم تحمل في بيانها الختاميّ سوى مزيدا من الإحباط وهي التي لم تشذّ عن سابقاتها في اجترار الشعارات والقرارات التي تؤول عقب كلّ قمة إلى أرشيف الجامعة العربيّة. ولكنّها في الآن ذاته عكست من خلال خطابات الوفود المشاركة تحوّلات المواقف الرسمية بشأن عدد من القضايا العربية والإقليمية، وتأثرت على غرار المشاركة التونسية بتوازنات المشهد السياسيّ المحليّ.

كلمة الوفد التونسي: العودة إلى ديبلوماسية الحياد

خطاب وزير الخارجيّة خميّس الجهيناوي، دام لعشر دقائق تقريبا، حاول هذا الأخير خلالها استعراض الخطوط الكبرى للسياسة الخارجيّة التونسيّة في محيطها العربي والإقليميّ. بعد ثلاث دقائق من استعراض الامتنان والشكر لرئاسة الجامعة الحالية والسابقة ضمن البروتوكولات المعهودة، تطرّق وزير الخارجيّة إلى المحاور الأساسية لمداخلته. النقطة الأولى كانت بالتأكيد على استمرار تونس بدعم القضيّة الفلسطينيّة واعتبارها القضية المركزية للعرب. أما النقطة الثانية فتطرّق إلى “الأزمة في سوريا” كما جاء حرفيا على لسان وزير الخارجيّة التونسية خلال توصيفه للأحداث هناك. ليشير إلى دعم تونس للحل السياسي ومراهنتها على الحوار وتدخّل منظّمة الأمم المتحدّة لوقف حدّ لأعمال العنف المستمرّة منذ خمس سنوات.

الملفّ الليبي بدوره لم يغب عن مداخلة رئيس الوفد التونسيّ، الذي اجتر الموقف الرسمي القائم على دعم الحوار بين الفرقاء الليبيّين والتشديد على أن استمرار تفكّك الدولة الليبيّة يمثّلا خطرا محدقا على الأمن التونسيّ، في إشارة واضحة إلى دور الانفلات الأمني في ليبيا في توفير حاضنة عسكرية للإرهابيين الذّين اتخذوا من الجار الشرقيّ منطلقا لواحدة من أكبر هجماتهم المسلّحة على تونس (عملية بن قردان في 07 مارس 2016).

وزير الخارجيّة التونسيّ، تطرّق إلى القضيّة اليمنيّة، ليتحدّث عن ضرورة الحوار بين مختلف المتنازعين في الداخل اليمني والاعتراف بشرعية الرئيس اليمني الحالي عبد ربه الهادي منصور، معتبرا أن استمرار الاقتتال الداخلي في اليمن لن يُحلّ سوى بتفاهم مختلف القوى السياسية والعسكرية.

خطاب العين الواحدة

الملاحظة الاساسيّة بخصوص الكلمة التونسية خلال أشغال القمة العربيّة، تتعلّق بسياسة التعاطي مع مختلف القضايا بعين واحدة وتجاهل ضرورة التعاطي الشامل مع حيثيّات مختلف الملّفات. النقاط الكبرى التي تضمّنها خطاب الجهيناوي تتعلّق بالأساس بالملفّ الليبيّ والسوريّ واليمني.

تأثير الانفلات الأمني والعسكريّ في ليبيا على تونس، لا يحتاج إلى مزيد من الجدل، فالجار الشرقي تحوّل إلى ما يشبه الثقب الأسود والأرض المفتوحة لاستقطاب المقاتلين في التنظيمات الإرهابية وتدريبهم وتصديرهم فيما بعد إلى سوريا والعراق أو توجيهم إلى الداخل التونسي كما أثبتت التحقيقات في عدد من القضايا التي تلت عددا من الهجمات في تونس.

التأكيد التونسي على ضرورة الحوار بين مختلف المتنازعين على الأرض الليبيّة، بدا كأضعف الإيمان من حكومة تعلم مدى انغماسها في الأزمة الليبيّة بدأ من دور تونس في اسقاط نظام معمّر القذّافي عبر فتح الحدود الجنوبيّة سنة 2011 لتدفّق المقاتلين واستقبال الجرحى منهم أو كما أكّدت بعض المصادر بأنّ غرفة العمليات الأساسيّة كانت في جزيرة جربة، مرورا إلى فتح المجال الجويّ اثناء الضربات الجويّة “للتحالف الدوليّ بقيادة فرنسا والولايات المتحدة الامريكية” وبتمويل مباشر من السعودية وقطر والإمارات.

الخطاب التونسي اكتفى بالإشارة إلى خطورة استمرار تدهور الوضع الأمني في ليبيا. لكن وزير الخارجيّة تناسى أنّ مربّع الحركة التونسية في ليبيا محدود للغاية، فعدى استضافة جلسات الحوار، وتسهيل المرور عبر البوابات الحدوديّة، فإنّ التأثير التونسي في الداخل الليبيّ خاضع لإرادة وتوجّهات القوى الدولية والإقليمية الأخرى على غرار الولايات المتحدّة الامريكيّة وفرنسا والسعودية والإمارات وقطر. أما على الصعيد السياسي والديبلوماسيّ فقد أثبتت عديد الحوادث أن قدرة الدولة التونسية على تأمين مواطنيها على التراب الليبي تبدو شبه معدومة (لعلّ أشهر الأمثلة على الإخفاق الأمني والديبلوماسي قضيّة اختطاف الصحفي سفيان الشورابي والمصوّر نذير القطاري، حيث لم تتمكن السلطات التونسية حتّى هذه اللحظة من تقديم إجابة قاطعة حول مصيرهما).

أمّا الملفّ السوري، فقد أدّى التغيير السياسيّ في السلطة إلى احداث تغيير كبير في التعاطي الرسمي مع الأزمة السوريّة. فبعد التماهي التونسي الكامل مع التوجه القطريّ والتركي خلا قمّتيّ بغداد والدوحة سنتي 2012 و2013 إبان حكم الترويكا وحركة النهضة بالأساس، والاعتراف التام بالمعارضة السورية وانخراط تونس في تصدير المرتزقة إلى سوريا عبر تسهيل العبور والتغاضي عن حملات الشحن والتحشيد في المساجد ووسائل الاعلام ضدّ النظام السوري، عادت الديبلوماسية التونسيّة لتعدّل موقفها وخطابها تجاه ما يحدث في سوريا. توصيف الحرب “بالأزمة السورية” والدعوة إلى تدخّل أممي لحلّ القضيّة سياسيا، يعكس تخلّي الدولة التونسية عن رهاناتها السابقة ومراجعة تحالفاتها خصوصا مع تركيا وقطر التي أفل حضورها وتأثيرها في الساحة العربية منذ الثلث الأخير من سنة 2013، مع اسقاط الاخوان الإسلاميين في مصر وتونس تباعا. في المقابل، يبدو أن هذا المنعرج في التعاطي مع الملفّ السوريّ يخطو بشكل محتشم ومتباطئ وهو ما أفصح عنه الأمين العام للتيار الشعبي زهير حمدي  حيث نقل إليه الرئيس السوري بشار الأسد استمرار رفض السلطات التونسيّة التعاون بخصوص مصير السجناء التونسيين هناك والمقاتلين المنضوين تحت قيادة عدّة فصائل على الأرض السورية، كما نقل هذا الأخير استمرار حالة القطيعة مع الأجهزة الأمنية التونسية وغياب أي تنسيق أو تعاون مع نظيرتها السوريّة.

الملفّ اليمنيّ، لم يغب عن كلمة الوفد التونسي في القمّة العربيّة، حيث أدان وزير الخارجيّة التونسي الاقتتال الداخليّ في اليمن داعيا إلى حلّ الخلافات بالحوار والتفاهم. ليؤكّد في الآن ذاته اعتراف الحكومة التونسيّة بالرئيس اليمني العائد على متن الطائرات السعوديّة. الموقف التونسيّ المدين للعنف في اليمن والاقتتال الداخليّ، أسقط من حساباته إدانة العدوان السعوديّ والإماراتي على واحدة من أفقر الدول العربيّة. عدوان بدأ منذ أكثر من سنة تحت عنوان وقف المد الإيراني في المنطقة العربيّة، ولم يدفع فاتورته سوى الشعب اليمني المحاصر بحرب أهليّة على أرضه وسيطرة سعودية على سمائه.

الديبلوماسية التونسيّة: من الزمن القطري إلى الزمن السعودي

البيان الختامي لأعمال الدورة 27 للقمّة العربيّة، لم يختلف عن نظيرتها السابقة أو التي سبقتها وربّما عن تلك التي ستليها. فقط أحد النقاط المثيرة للاهتمام بخصوص الموقف التونسيّ خلال هذه المؤتمرات الاقليميّة، هو الانتقال من الزمن القطري إلى الزمن السعودي.

حكومة الترويكا التي اختارت التدثّر بالعباءة القطريّة طوال سنتين من حكمها، ترجمت هذا الخيار في عدد من المواقف السياسية على الصعيد الخارجيّ، بدأ من التعاون الكامل لإسقاط النظام الليبي في فيفري 2011، مرورا بالموقف المتسرّع في بداية الأزمة السورية في مارس 2011، وما أعقبه من سحب للسفير التونسي وطرد نظيره السوري في تونس وعقد مؤتمر أصدقاء سوريا في 24 فيفري 2012 بدعوة فرنسية ودعم قطري وتركي مادي وسياسيّ.

اسقاط الترويكا، تزامنا مع اسقاط الاخوان المسلمين في مصر، أنهى العصر القطري ليفسح المجال لدور أكبر للسعوديّة في تشكيل ملامح السياسة الإقليمية التونسيّة. لاعب جديد– قديم استغلّ تدهور الوضع الاقتصاديّ التونسي ليعرض شتّى أنواع الإغراءات المالية في سبيل ضمان اصطفاف تونس لخدمة معارك النفوذ السعوديّة في المنطقة وهاجس التوغّل الإيراني الذّي يسكن عقول حكّامها. الحكومة التونسيّة التي لم تمانع الانظمام إلى “التحالف الإسلامي” الموجّه ضدّ إيران وحزب الله وسوريا في سبتمبر 2015، وغضّ الطرف عن تصنيف حزب الله كمنظّمة ارهابيّة، والتعامي عن العدوان السعوديّ على اليمن، ربّما لم تجد مانعا مرّة أخرى في المصادقة على البيان الختامي للقمة العربيّة الذّي تضمّن تهديدا صريحا لإيران بالكف عن التدخّل في الشؤون العربيّة. رسالة تبدو بعيدة كلّ البعد عن الأولويّات الداخليّة، أو عن المتدخّلين الآخرين في شؤون الدول العربيّة، فلم يدن أحد فتح تركيا لحدودها طيلة السنوات الماضية لدخول المقاتلين إلى سوريا، ولم يعترض أي من المجتمعين في نواكشوط على التدخل الأمريكي الدائم في الشأن العربي، ولم ينبس أي مسؤول عربي ببنت شفة ضد القصف الجوي الصهيوني لمدينة حلب قبيل القمّة بساعات معدودة. أمّا الحرب على الإرهاب، “فداعش” ونظيراتها لم تأتي من إيران أو سوريا او حزب الله، بل سُخّرت لها أموال النفط والغاز ليرتدّ الدم على الجميع.