habib-essid

كل من خدمهم رأوا فيه ضالتهم، فهو الطيع الذي لا يعصى أمرا ولا يتخذ قراراه دون استشارة، وهو وإن كان في أعلى هرم السلطة سيبحث عن سيد نظام يخدمه. الصيد الذي عاد من اسبانيا الى تونس في بدايات 2011، تاركا منصبه كمدير تنفيذي للمجلس الدولي لزيت الزيتون، تقلد منصب وزيرا للداخلية في حكومة الباجي قائد السبسي، معوضا فرحات الراجحي. اختيار الباجي للحبيب الصيد لتولي منصب وزير الداخلية لم يكن بدون سبب يعلمه كلى الرجلين، فالباجي يدرك أن الصيد امضى 5 سنوات كمدير لديوان وزير الداخلية، وهو المنصب الذي ظل فيه رغم تغير الجالس على كرسي الوزير ثلاث مرات. ولكنه بالمقارنة غادر الوزارة بمغادرة عبد الله القلال لها في نوفمبر 2001. إعفاء من المهمة لحقه تعيينه ككاتب دولة مكلف بالصيد البحري قبل ان يقع تعديل المهام ويصبح كاتبا للدولة لدى وزير الفلاحة مكلفا بالبيئة والموارد المائية ليغادر المنصب الذي ظل فيه ثلاث سنوات في 2004 ويلتحق باسبانيا كمدير للمجلس الدولي لزيت الزيتون.

الخبرة والتجربة في أروقة الجهاز التنفيذي ليست خصال الرجل الوحيدة التي دفعت في طريق اختيار الرجل الذي واكب منذ 1997 إلى 2001 إعادة ترتيب وزارة الداخلية وساهم في تطويعها أكثر لتصبح في خدمة النظام ويده العليا التي بطشت بالجميع. فالصيد الذي عاد إلى الداخلية بعد عشرة سنوات كان مكلفا بذات مهمة اعادة الترتيب وهي التي كلفه بها الباجي قائد السبسي وحركة النهضة في حكومتيها، حكومة الجبالي والعريض اللتين شغل فيهما منصب مستشار رئيس الحكومة للشؤون الأمنية.

اختصاص الصيد الأول لم يكن الأمن، فهو خريج جامعة مينيسوتا اختصاص اقتصاد فلاحي سنة 1992، وذلك بعد ان أرسلته الدولة في بعثة لا يعلم سبب اختياره لها سوى انه شغل عدد من الخطط الوظيفية بوزارة الفلاحة من مكلف بالدراسات إلى مندوب جهوي، آخر خطة وظيفية شغلها قبل سفره لأمريكا التي وما أنّ عاد منها عُين مديرا لديوان وزير الفلاحة إلي غاية 1997. في مهمته الجديدة كما السابقة كان الصيد رجل النظام وخادمه المخلص، وهذا ما لاحظه بن علي ذاته الذي عينه في 97 مديرا لديوان وزير الداخلية، مستغلا خصال الرجل، وهي غياب الطموح السياسي والانضباط لمرؤوسه. خصال حافظ عليها الرجل الذي كانت الفلاحة هوايته على عكس السياسة، فأسعد أوقات الصيد كانت بين أشجار الزيتون في أرضه بسوسة التي عاد إليها بقدوم حكومة المهدي جمعة وإنهاء عهد الترويكا التي ائتمنته على الملف الأمني. انصراف الصيد لتقاعده المريح وحرصه على رفض الاشتغال بالسياسية هما الحجة التي قدمها الى قادة حركة نداء تونس حينما أرادوا إقناعه بترأس قائمتهم في الانتخابات التشريعية 2014، لكن هذه الحجج لم تصمد حينما عرض عليه منصب وزير الداخلية في بداية اشتغال نداء في تشكيل حكومته، قبل ان يصبح المنصب المعروض رئيسا للحكومة.

منصب عرض على الصيد من قبل الباجي قائد السبسي لسببين أولهما ان الصيد رجل اشتغل في حكومتي الترويكا وبالتالي لن تجد حركة النهضة ما يقوي موقفها إن هي رفضت تعيينه، ولكن ما هو أهم من قبول الحركة كان يقين الرئيس بان الصيد سيكون طيعا له ولن يخرج من أسفل جلبابه. رهان كسبه الباجي قائد السبسي الذي ظل يدافع عن رجله في القصبة طوال سنة واربعة اشهر قبل ان يقرر التضحية به للنجاة، وهذه احد النقاط التي استند اليها الباجي قائد السبسي في اختياره للصيد، سيكون الرجل المناسب للتضحية به دون توقع انتكاسات او ارتدادات قد تطال الرئيس.

لكن الصيد الذي جلس كموظف في قصر الحكومة بالقصبة لاكثر من سنة، اشتغل فيها على إرضاء طرفين، الباجي والغنوشي. ساءه ان تقع اهانته وان يُلقى به كأنه لم يكن وهو من خدم الحركتين، باخلاص. هذا الاخلاص الذي تشكك فيه الحركتان التان تعتبرانه قد اسس لما يعرف ب”حزب الإدارة“ التي استند عليها في حربه غير المعلنة مع نداء تونس ونجح في كسب نقاط قبل ان يتمكن نجل الرئيس حافظ قائد السبسي من الاطاحة به اخيرا. ظهور نجل الرئيس في الصورة وارتباطه باسقاط حكومة الصيد، ليست حربا اعلامية، انما هي قناعة الحبيب الصيد، الذي وجد في علاقاته القديمة سندا له للمراوغة ورد الفعل، وأول من دعمه ابناء ”عمومته“. دعم عبّر عنه اعلاميا وعبّر عنه مؤسساتيا من قبل شق في حركة نداء تونس يحرص على ان لا تستحوذ عائلة الرئيس على الدولة وتعيد البلاد لمربع ”حكم الأسرة“، الذي اعتبرت ان الصيد نجح في إلى حد ما من تغوله، خاصة وان اسرة الرئيس باتت تبحث عن مراكز نفوذ لها معلنة وخفية، مستعينة بإرث من المراكمات والجهوية. ”مقاربة عنصرية“ يقوم عليها الصراع السياسي اليوم في تونس بين شق يريد العودة الي فترة ما قبل الثورة وشق يريدها عودة لعصر الإيالة، أسرة شريفة تحكم وتُطعم البقية ما يسكت جوعها مقابل الولاء.