ARP-loi reconciliation

احتضنت أمس الأربعاء  لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب أولى النقاشات حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية في شهر جويلية من السنة الفارطة. وقد تراوحت مواقف الكتل البرلمانية بين المطالبة بسحب المشروع وبين القبول بنقاشه مع الانفتاح على المقترحات والتعديلات. ولم تخل بعض مواقف الكتل من التضارب الداخلي والتحول مقارنة بمواقف سابقة على غرار كتلة حركة النهضة.

عَرفت أشغال اللجنة انسحاب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الذي برر انسحابه في حديث خص به موقع نواة بأنه لا يريد أن يكون شاهد زور على تمرير قانون يتعارض مع أهداف الثورة. وأضاف الشواشي بأن النص المقترح من قبل الرئاسة غير قابل للتعديل وكان من الأجدى سحبه. من جهتها عقدت كتلة الجبهة الشعبية ندوة صحفية جددت فيها رفضها لمشروع القانون، وفي هذا السياق أكد النائب فتحي الشامخي لموقع نواة أن “مشروع القانون لا يهدف إلى تعبئة موارد الدولة وتحقيق الوحدة الوطنية مثلما تدعي الجهات المدافعة عنه لأنه لم يتم عرض نسب دقيقة بخصوص هذا الأمر”. وأضاف الشامخي بأنه إن وُجدت موارد فهي ضئيلة وما ستغنمه الدولة من المصالحة ستخسر أضعافه جراء التهرب الضريبي، وسيساهم في تعميم ثقافة الإفلات من العقاب.

أمام المواقف الرافضة لمشروع القانون من قبل نواب المعارضة تلوح كتلة نداء تونس الأكثر وضوحا في الدفاع عن مشروع القانون، وقد سبق أن عبرت عن موقفها على لسان رئيس مجلس النواب محمد الناصر الذي أكد، أثناء  جلسة  لجنة التشريع العام المنعقدة في 29 جوان 2016، أن “المصالحة تهدف إلى تشجيع المستثمرين وإلى دفع الاقتصاد التونسي نحو الرقي”، وأضاف بأن “العدالة الانتقاليّة لا تتلخص في هيئة الحقيقة والكرامة وهاته الأخيرة هي جزء من المنظومة ككل”، وقد غادر محمد الناصر تلك الجلسة احتجاجا على تصريحات النائبة عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبو التي أشارت إلى أنه “‫من العار على مجلس نواب الشعب أن يعتبر هذا القانون أولوية”.

وقد سعى حزب نداء تونس طيلة الستة أشهر الفارطة إلى حشد المساندة لمشروع القانون من خلال الاجتماعات التي عقدها رئيس المجلس محمد الناصر مع مختلف رؤساء الكتل، في إطار جلسات غير رسمية وصفها البعض بالغرف الخلفية، وفي تصريح سابق أشار محمد الناصر إلى أن الجلسات أخذت بعين الاعتبار مقترحات التعديل وتوصلت إلى بعض التوافقات، دون أن يعلن عن مضمونها والجهات التي شاركت في صياغتها. ويبدو أن نداء تونس عقد اتفاقات لم يتم تفعيلها مع بعض كتل الائتلاف الحاكم وهو ما عبر عنه رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال في الاجتماع سالف الذكر للجنة التشريع العام عندما أشار إلى أن المشاورات مع بقية الكتل انتهت إلى توافقات لم يتم الالتزام بها. ولكن يظهر أن ارتباط مشروع قانون المصالحة بمآلات مبادرة حكومة الوحدة الوطنية حال دون تفعيل هذه الاتفاقات، خصوصا وأنه لم تتضح بعد إمكانية الحفاظ على الائتلاف الحاكم من عدمه.

حركة النهضة التي أصبحت تمتلك أكبر كتلة برلمانية بعد الأزمة التي عصفت بحزب نداء تونس تسعى إلى استغلال حجمها الانتخابي للضغط على حليفها وفرض منطق المساندة المشروطة، وهي تتفاعل إلى حد الآن بشكل إيجابي مع مشروع القانون، وفي هذا السياق أكد نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة لموقع نواة “موقفنا كحزب مسؤول يضع مصلحة الوطن أمامه هو التعاطي الايجابي مع أي مشروع يُعرض للنقاش”. وأضاف البحيري أن الحكم بالجملة ضد مشروع القانون ليس عقلانيا.

وتتعارض تصريحات البحيري مع تصريحات سابقة للنائبة من نفس الكتلة يمينة الزغلامي التي عبرت في الجلسة الفارطة للجنة التشريع العام عن رفضها لمشروع القانون إلى حد القول “لم نتوصل إلى اتفاق حول‫ ‏مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، وأرفض النّظر فيه من الأساس”، ولكن يظهر أن الزغلامي عدّلت موقفها في جلسة اليوم ليتقارب مع ما ذهب إليه نورالدين البحيري، وفي هذا السياق أكدت لموقع نواة أنها مع القبول بنقاش القانون داخل اللجنة والأخذ بعين الاعتبار مختلف المقترحات، هذا ولم تنف رأيها الشخصي الذي أشارت فيه إلى أنه كان من المفروض أن تعمد الرئاسة إلى سحب مشروع القانون وتقديم مشروع جديد أكثر انسجاما مع قانون العدالة الانتقالية.

ولئن أشار سمير ديلو يوم أمس إلى أن حركة النهضة لم تغير موقفها من مشروع القانون فإن هذا لا ينفي التضارب الواضح في تصريحات نوابها، وأحيانا يظهر التعارض في تصريحات نفس النائب، إذ أدلى سمير ديلو في اجتماع لجنة التشريع الفارط بتصريحين متناقضين، حيث أشار إلى أن النظر في مشروع القانون مضيعة للوقت، وفي نفس الوقت أكد أنه “بالإمكان اقتراح بعض ‫التعديلات وتغيير بعض‫ ‏الأحكام في مشروع القانون”.

تذرّع حركة النهضة بمراقبة دستورية القانون من داخل اللجنة يعكس سعيا إلى عدم التموقع في المعسكر المعارض للقانون إبقاءا على حبال التوافق مع نداء تونس، خصوصا وأن قصر قرطاج الذي يُشرف على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو صاحب مشروع المصالحة الاقتصادية ومتمسك بتمريره عبر الأغلبية البرلمانية.