prison-manouba-tunisie-visite-ministre-justice

التاريخ : 08 ماي 2016

الحدث : أدى السيد وزير العدل، عمر منصور، زيارة لسجن النساء بمنوبة لمعاينة الوضع هناك و طرح أسئلة على السجينات، على خلفية توارد أخبار تفيد تعرضهن للتعذيب و التعنيف الممنهج. و قد لاحظ الوزير على لسان السجينات زيف هاته الأخبار، ليستخلص في تصريحه أن الوضع ليس على ما يرام في المطلق نظرا للإكتظاظ، لكنه على ما يرام في العموم بفضل طيبة و حسن نية و سير الدولة و اعوانها و مرافقها.

الإستخلاص : ليس للدولة ذنب، فهي تتحمل نصيبها من المسؤولية، بينما الآخرون لا ينقصون من تكاثرهم على الجريمة في سعي محموم، و هي رحيمة عليهم، لذلك فهي تستحق حب الجميع و مساندتهم.

المعلومة : أدى وزير العدل زيارة لسجن النساء بمنوبة، و هو بصدد تأدية سلسلة من الزيارات للسجون. تمت تغطية الزيارة إعلاميا بجوقة من آلات التسجيل و التصوير. أنكر الوزير سوء التصرف و العطب في سير الأمور، بينما أقر بسوء الحالة، مقدما الإكتظاظ كسبب مباشر.

دليل الإنكار : ما جاء على لسان السجينات، و سجلته آلات التصوير و التسجيل. كان لهن الحرية المطلقة في التعبير.

ما تم إقراره : سوء الحالة في المطلق و وجود مشكلة.

السبب المعلن : الإكتظاظ.

الحل الممكن : التوسيع في السجون أو بناء سجون أخرى. مما يستدعي مصاريفا و عملا.

مدى قابلية الحل للتحقق : في ظرف أزمة اقتصادية، سيكون من الصعب إقناع من له امتياز أنه لم يدخل السجن بعد بتقديم أولوية للمُجَرَّم بخصوص مصاريف كبرى و مشاريع بنى تحتية. احتمال التحقق مرتبط بسوق الأصوات السياسية، مما يجعله ضعيفا يقارب الصفر.

الفعل الرئيسي في الحدث : زيارة وزير العدل لسجن النساء بمنوبة.

سبب الفعل : تصريحات الأستاذ أيوب الغدامسي و الأستاذة راضية النصراوي بخصوص الوضع في السجون التونسية، بعد أن أمكن لعديد مكونات المجتمع المدني الدخول للسجون و معاينة الأوضاع هناك.

التشخيص المقترح في التصريحات : انتفاء الظروف الدنيا بالسجون، و تورط أعوان الدولة و عطب المنظومة و سوء التسيير.

سبب المشكلة حسب التصريحات : منظومة السجون و طرائق التسيير الحالية.

تحليل أولي : لو لم تثر التصريحات إشكالا، لما أعقبها فعل رسمي. الطرف الرسمي معترف لحد الآن بوجود إشكال حرج بخصوص السجون و ما يقع بها، ولو بطريقة صعبة و غير مباشرة. إلا أنه كرد فعل، يهتم بإنكار مسؤوليته. بينما من مهامه التمعن في الإشكاليات بهدف صياغة حلول و تطبيقها. لأجل ذلك اخترع الإنسان ترسانة من الأفكار لتعينه في تسيير الشأن الجماعي، من رحبة السوق للمؤسسات للسلطة للدولة. بالتمعن في دليل الإنكار، نكتشف ضعفه. لم تكن الزيارة فجئية، بل تندرج ضمن سلسلة من الزيارات المعلنة. أي أن الجميع كان على أهبة الإستعداد. كما يمتلئ عالم المساجين بأساطير الخوف و الحذر من المسؤولين المبتسمين، فالإبتسامة فخ. لم يكن في مشهد السجينات أي مبرر من المبررات الموضوعية للعفوية، و هي المعيار الأول لاعتماد أمر كمعلومة، قبل النظر لصدقه من كذبه.

أن تكون الزيارة حدثا و فعلا إعلاميا مخططا و محضرا [مجهود الإتصال و الترسانة الإعلامية دليل واضح] ينزع من جهته صيغة العفوية ليسلخ المصداقية عن محتوى الزيارة كخطاب و صورة. كما هو الفرق بين وثائقي و شريط تأليفي (و إن اعتمد على أحداث واقعية). في الشريطين توجيه و مونتاج و نوايا مسبقة و تقديم لأشياء دون أخرى. لكن الفرق يكمن في أن مشهد قبلة في فيلم وثائقي ينقل فعل قبلة بين شخصين. أن يكونا صادقين أم كاذبين، ذاك أمر آخر. بينما مشهد قبلة في فيلم تأليفي ليس سوى صورة لممثلين يلعب كل منهما دوره. ليس هناك ما تصدق أو تكذب، فأنت منذ البداية مدرك أن الإطار ليس إطار مصداقية و مطابقة. بل إطار روائي.

عودا إلى المشكل، و هو الوضع الكارثي في السجون. كبحث عن تحديد أكثر للأسباب، و من ثمة البحث عن حلول واضحة قابلة للتحقيق، كان بوسع وزير العدل تكليف أحد أعوانه بمهمة خاصة كـ”موظف رقابة“، بأن يرسله إلى السجن أسبوعا عبر كامل مسار الإيقاف، ثم يرفع إليه تقريرا مفصلا. مدخل أول لمجموعة المشاكل المتوفرة. أو غيرها من الأفكار الممكنة و المتنوعة. بشرط أن يكون الهم منصبا نحو المهمة الأساسية : صياغة حلول و تطبيقها. لهذا يتمتع الوزير بمرتب و امتيازات و فرص بروز إعلامي. هذا هو العقد الأولي بينه و بين مواطني الجمهورية. خلافا لعقد الوزير مع الباي سابقا، اللذي كان يجعل من الوزارة هدية مقابل خدمات. ليس من مهام الوزير مقارعة من يبوح بوجود إشكال، تلك مهمة الپروپاڨانديين. له أن يفعل ذلك في المقهى أو الحانة خارج أوقات العمل، شأنه شأن غيره من المعلقين و المتحدثين.

العبرة : الوضع بالسجون التونسية كارثي، تحت ضوء اعتراف الجميع. لازالت الدولة ترفض النظر إلى مسؤوليتها، و لازالت إرادة البحث عن حلول غائبة عن وزير العدل اللذي يواصل الفشل في تأدية مهامه. لحسن حظه أنه ليس عاملا بحظيرة، و إلا لوجد نفسه على قارعة الطريق إن لم ينفذ أي جزء من مهامه يوما واحدا.