OBAMA-ESSEBSI-leaks

“تحرير التجارة ومحاربة الإرهاب”: الأولويّات الأمريكية تتصدّر الدورة الثانية من “الحوار الاستراتيجي”

بقلم غسّان بن خليفة،

حصلت نواة على نسخة من مقترح الإدارة الأمريكية لجدول أعمال الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي التونسي الأمريكي التي ستنعقد بتونس يوم غد، بحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وأهمّ ما يلاحظ في هذه الوثيقة، التي تضمّنت كذلك ملاحظات من الرئاسة التونسية، هو طغيان الأولويات الأمريكية: مزيد تحرير التبادل التجاري ومحاربة “الإرهاب”.

⬇︎ PDF

جدول الأعمال “الأمريكي”

تبدو محاور الاهتمام الأمريكية واضحة دون مواربة. إذ تمّ تقسيم محاور وفرق العمل إلى ثلاث، رُتبَّت وعُنونَت كما يلي: التنمية الاقتصاديّة، مجال الأمن، الحوكمة والشراكات. ويلاحظ أنّه تمّ تفصيل النقاط (الاقتصادية والأمنية) الواردة بالمحورين الأوّلين، فيما وردت المسائل المتنوّعة (دعم الديمقراطية، التربية والثقافة)، التي ستُناقش بالمحور الثالث، في صيغة عامّة ومختصرة.

وتثير العناوين الثلاث التساؤل عن مدى تطابقها مع مضمون النقاط الواردة فيها. فعلى سبيل المثال، لا يبدو الربط بديهيًا بين التنمية الاقتصادية و”اتفاقية التبادل الحرّ” أو “اتفاق ضمان القرض الأمريكي”. وكذلك الأمر بالنسبة للمجال الأمني، حيث يطغى الهاجس الأمريكي في محاربة “داعش” على بقيّة النقاط التي تهمّ الجانب التونسي، كتأمين الحدود التونسية الليبية.

الأمر الأكثر وضوحًا في هذه الوثيقة هو أنّها تعكس الأولويات الأمريكيّة، فيما اكتفى الجانب التونسي بإبداء بعض الملاحظات الثانوية (التعليقات المكتوبة بين قوسين). لا تتضمّن هذه الملاحظات أيّ تحفّظ على النقاط الأمريكية المقترحة، ولا حتّى محاولة لتعديلها. وإنّما اكتفى فيها التونسيون بالتعبير عن سعيهم للتسريع في الحصول على الدعم المالي والأمني من الجانب الأمريكي.

يُلاحظ أيضًا صيغة الأمر التي تبرز بين سطور الوثيقة. إذ سيطلب الأمريكان من نظرائهم التونسيين بوضوح “تجسيم” دعمهم للتحالف الدولي لمحاربة داعش، وأن يختاروا ضمن “قائمة المحاور التالية” : الدعم العسكري للشركاء صلب التحالف، وقف تدفّق المقاتلين الارهابيين الأجانب، قطع سبل تمويل داعش، المساهمة في حلّ الأزمات الانسانية بالمنطقة، كشف الطبيعة الارهابية لداعش. وكذلك «التصدّي للتطرّف العنيف من خلال تشريك المجتمع المدني والخطاب المضاد للتطرّف العنيف». وممّا يشدّ الانتباه أنّ الجانب التونسي ينوي «تقديم المقاربة التونسية في هذا الموضوع»، ونفس الشيء أيضا بخصوص «إعادة إدماج وتأهيل المحاربين الارهابيين الأجانب».

المواصلة في نفس “الطريق الصحيح”

المشاورات التي ستبدأ يوم غد، هي الحلقة الثانية من مسار انطلق رسميًا قبل أكثر من سنة مع الوزير الأوّل السابق مهدي جمعة. وقد أصدر يومها الطرفان بيانًا مشتركًا، كان أهمّ ما فيه التزام جمعة لأوباما بـ«تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي»، فيما تعهّد الثاني بـ«دعم أجندا الإصلاحات بضمان قرض ثان بقيمة 500 مليون دولار لتسهيل نفاذ تونس للأسواق المالية الدولية». كما اتّفقا على برمجة لقاء جديد لمجلس التجارة والاستثمار الأمريكي، وقد عقد يوم 16 جوان 2014 بتونس.

وبشكل أوسع، يندرج لقاء الغد ضمن نفس التوجّه الذي عرفته العلاقات التونسية الأمريكيّة منذ 14 جانفي 2011. ويمكن تلخيص هذا التوجّه الجديد في كسر احتكار فرنسا لموقع الشريك الاقتصادي المميّز، والإستجابة للمطالب الأمريكيّة القديمة (منذ عهد بن علي) المتجدّدة، بحذف القوانين المعدّلة للاقتصاد وتعديل مجلّة الاستثمار، وصولاً إلى التوقيع على اتّفاق للتجارة الحرّة بين تونس والولايات المتحّدة الأمريكيّة.

أمر آخر يثير الانتباه في هذه الوثيقة، هو تطرّقها إلى قضايا مازال جزء من التونسيين يعتبرها “سياديّة” وتهمّ “الشأن الداخلي”. من ذلك : الحديث عن «الشفافية في المجال الجبائي والتصرف في الميزانيّة» و«القطب الأمني والقضائي لمكافحة الإرهاب» و«اللامركزيّة والانتخابات البلديّة» و«الإصلاح التربوي». وكذلك ما يبدو من عدم ممانعة الجانب التونسي في مناقشة «إصلاح قوانين الشغل» مع نظيره الأمريكي.

ولا شكّ أنّ جزءًا من الإجابة على هذه التساؤلات يكمن فيما عبّر عنه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، منذ مارس 2011، ولخصّ فيه التوجّه الجديد للعلاقات التونسية الأمريكيّة:

عندما يتحدّث أوباما عن تونس ويصفّق أعضاء الكونجرس بقوة فهذا يعني أنّنا على الطريق الصحيح وأنّه لا يجب أن نحيد عن هذا الطريق.الباجي قائد السبسي، مارس 2011، رويترز للأنباء