train-accident

متابعة غسّان بن خليفة،

مثّل حادث اصطدام قطارين في مستوى منطقة دي بوزفيل قرب العاصمة قبل يومين فصلاً جديدًا من دراما حوادث القطارات التي ارتفع عددها، وضحاياها، في السنوات الأخيرة. وككلّ مرّة يخرج المسؤولين ليهوّنوا من فداحة الأمر و”يطمئنوا” المواطنين إلى أنّ هذه الحوادث تحصل في بقيّة بلدان العالم وأنّ وراءها خطأ بشري أو تقصير فردي من عمّال الشركة. لكن بعض أعوان “الشيمينو” يرفضون هذه الرواية ويتّهمون القائمين على الشركة الوطنية للسكك الحديديّة بالمسؤولية عن تفاقم الأوضاع. ويفسّر هؤلاء الحوادث القاتلة بوجود إخلالات تقنيّة وإدارية خطيرة، ترقى إلى شبهة الفساد، تحول دون الوقاية منها.

“السبب تقني بالأساس”

يقول مساعد السائق عصام فتاتي أنّه من غير المعقول إلقاء مسؤولية الحادث كاملة على زميله ماهر رتاب، سائق قطار الضاحية الجنوبية الذي اصطدم بقطار خطوط بعيدة قادم من الدهماني. فهو لا ينفي إمكانيّة أنّ الأخير لم ينتبه إلى توقّف القطار الثاني بالمستودع الواقع بين محطّة جبل الجلود ومحطّة الوصول بالعاصمة. لكنّه يؤكّد أنّه كان يمكن تفادي الحادث لو كان جهاز “منظومة تكرار الإشارات” SRB، الموجود بكابينة القيادة، يشتغل.

إذ يوضح مساعد السائق أنّ مهمّة هذا الجهاز تتمثّل في التقاط الإشارات الضوئيّة التي تعترض القطار على سكّة الحديد ويعيد بثّها في شاشة مراقبة يراها السائق. إلاّ أنّ المعدّات الموجودة على السكّة، المصنوعة في فرنسا، لا تتناسب مع الجهاز، المصنوع في إيطاليا. وهو ما يجعل الجهاز يبثُّ إشارات خاطئة. هذا الأمر دفع السوّاق إلى التخلّي عن العمل بالجهاز والاعتماد تمامًا على انتباههم لتفادي الحوادث. ومن مزايا هذه الجهاز، يضيف الفتاتي، أنّه يشغّل المكبح الآلي للقطار في حال ارتكب السائق خطأً أو تجاوز 30 كلم/ساعة عندما يكون في مسافة قريبة من قطار آخر. ويقول مساعد السائق أنّ سبب هذا الإخلال يعود إلى عدم كفاءة المسؤولين بالشركة الذين اقتنوا الأجهزة دون دراية.

مشكلة في معاني الإشارات الضوئية

ويشدّد الفتاتي، الذي سبق له أن تحدّث عن هذه القضايا في وسائل الإعلام، على أنّ ما جرى أوّل أمس كان متوقّعًا. إذ أنّ الأمر نفسه تقريبًا حصل في حادث بئر الباي في 24 سبتمبر 2010، عندما أدّى اصطدام قطار قادم بن محطّة برج السدريّة بآخر متوقّف في مستوى بئر الباي إلى وفاة شخص وجرح 54 مسافرًا. وكذلك في 23 جويلية 2011 عندما اصطدم قطارين آخرين في نفس المنطقة تقريبًا وأسفر الحادث عن جرح ستة مسافرين.

ويكشف الفتاتي أنّ هنالك “خللاً تعليميًا” وراء هذا الحادث وغيره. ويتمثّل في معاني الإشارات الضوئيّة التي يراها السائق على جانبي سكّة الحديد. فقبل سنة 2009 كانت الإشارة الحمراء تعني للسائق أنّ مقطع السكّة مشغول وأنّه عليه التوقّف. لكن منذ ذلك الوقت قام أحد المسؤولين – خرج إلى التقاعد – بتغيير تفسير تلك الإشارة إلى: يمكن انطلاق القطار لكن عليه أن يخفضّ السرعة وينتبه إلى القطار الذي يسبقه. ويبدو أنّ هذا ما جرى في حادثة الثلاثاء الماضي، إذ سمحت محطّة جبل الجلود للقطار بالانطلاق رغم وجود الإشارة الحمراء. إلاّ أنّ سائق القطار لم ينتبه إلى قرب قطار الخطوط البعيدة، الذي توّقف في مستودع، لعدم وضح الرؤية بسبب تواجده في منعرج.

ويرى الفتاتي أنّ هذه الإشارات صارت بعد تغيير معانيها سنة 2009 “أقلّ حرصًا على سلامة القطارات وركّابها”. و يذكر السائق، “المغضوب عليه بسبب صراحته” كما يقول، أنّه أعدّ تقريرًا مفصّلاً في الغرض، ضمّنه اقتراحات لحلّ الإشكال وقدّمه، منذ سنوات، لكبار المسؤولين في الشركة، لكنّهم تجاهلوه.

ويضيف الفتاتي أنّ قرار الشركة التخلّي عن مساعدي السوّاق في قطارات الأحواز زاد من الطين بلّة، لأنّ هؤلاء كانوا يعوّضون نسبيًا الجهاز المعطبّ ويعملون على تنبيه السائق إلى الإشارات التي اجتازها وتذكيره بها.

ويبدو أنّ حالة من الغضب تسود أوساط سوّاق القطارات، الذين يفكّرون في شنّ إضراب جديد عن العمل في حال لم يتمّ الإفراج عن زميلهم، الموقوف في ثكنة بوشوشة، ومواصلة التحقيق معه في حالة سراح. إذ “يطالبون بأن يتحمّل مسؤولي الشركة مسؤوليتهم عن الحوادث والتوقّف عن إلقائها على عاتق السوّاق”، كما يقول الفتاتي.

وقد حاول موقع نواة الحصول على تعليق من مسؤولي الشركة الوطنيّة للسكك الحديديّة على اتّهامات عصام الفتاتي، لكن لم يردّ أحدٌ على اتصالاتنا الهاتفيّة، رغم أنّها تمّت خلال توقيت العمل الإداري.