بيان المرصد التونسي لاستقلال القضاء بتاريخ 06 جويلية 2015 حول إعلان حالة الطوارئ

باردو في 06 جويلية 2015

بيان

إن المرصد التونسي لاستقلال القضاء:
● بعد متابعته لخطاب رئيس الجمهورية إلى الشعب التونسي بتاريخ 04 جويلية 2015 المتضمن إعلان حالة الطوارئ على كامل تراب الجمهورية لمدة ثلاثين يوما بداية من ذلك التاريخ بعد أخذ رأي رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة وطبق الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ.

● وبعد وقوفه على مضمون ما ورد بخطاب رئيس الجمهورية بشأن الأسباب الداعية لإعلان حالة الطوارئ وخصوصا ما تواجهه البلاد من ظروف استثنائية وتحديات كبيرة ذات صبغة أمنية وأساسا ارهابية واجتماعية واقتصادية إضافة الى ابراز رئيس الجمهورية للمخاطر المحدقة بالبلاد داخليا وخارجيا بعد العمليات الارهابية الأخيرة وقوله في هذا الخصوص “لو تكررت الحوادث التي وقعت في سوسة، فإنّ الدولة ستنهار”

● وبعد اطلاعه على فحوى البيان السابق للأمر المتعلق بحالة الطوارئ والمتضمن “أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد إثر العملية الارهابية الأخيرة واستمرار وجود تهديدات يجعل البلاد في حالة حرب من نوع خاصّ، حيث أنّ الإرهاب يرمي إلى تقويض نظام الدولة ومؤسساتها ومصادرة ممارسات الحرية والاعتداء على قيم المجتمع ونمط عيشه الجماعي والمشترك وهو ما يقتضي تسخير كافة امكانيات الدولة لدحر هذه الآفة واتخاذ كافة التدابير الضرورية لا فحسب للتصدي إلى التهديدات الارهابية وإنّما كذلك للتوقي منها ضمانا لأمن البلاد الداخلي وحفاظا على الأرواح ولأمنها الخارجي باعتبار أنّ الارهاب أضحى عابرا للحدود”.

● وبعد الاطلاع، أوّلا على أحكام الفصل 77 من الدستور الذي أوكل لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير التي تحتّمها الحالة الاستثنائية والإعلان عنها طبق الفصل 80 وثانيا على أحكام الفصل 80 من الدستور الذي اقتضى اتخاذ تلك التدابير في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها ممّا يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة إضافة إلى وجوب أن تهدف هذه التدابير الى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال على أن ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها وثالثا على أحكام الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ والذي اقتضى خصوصا امكانية إعلانها إمّا في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإمّا في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامّة زيادة على ما يخوله ذلك الإعلان سواء للوالي أو لوزير الداخلية من مراقبة للصحافة والعروض الفنية ومنع جولان الأشخاص والعربات وتفتيش المحلاّت في كلّ الأوقات ومنع كلّ إضراب أو صدّ عن العمل أو اللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب وامكانية وضع أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيرا على النظام العام تحت الإقامة الجبرية فضلا عن إمكانية تحجير الاجتماعات والغلق المؤقت لقاعات العروض وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها… الخ

● وإذ يذكّر بالقرار الصادر عن رئيس الجمهورية المؤقت المتعلق بإعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية ابتداء من 15 جانفي 2011 (أمر عدد 184 لسنة 2011 المؤرخ في 15 جانفي 2011 – الرائد الرسمي عدد 13 بتاريخ 01 مارس 2011) وكذلك بجميع القرارات التي اقتضت التمديد في حالة الطوارئ إلى حين رفعها نهائيا بتاريخ 05 مارس 2014 ( قرار جمهوري عدد 39 لسنة 2014 المؤرخ في 04 مارس 2014 – الرائد الرسمي عدد 20 بتاريخ 11 مارس 2014).

وبناء على ذلك فإنّ المرصد التونسي لاستقلال القضاء:

أوّلا – يعتبر أنّ تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لم تبلغ المستويات القصوى التي تبرر الاشارة في خطاب رئيس الجمهورية إلى توقّع انهيار الدولة وتقويض نظامها ومؤسساتها خصوصا وأنّ الوضع الحالي ليس أكثر سوءا من الوضع السائد عند رفع حالة الطوارئ منذ أكثر من عام.
كما أنّ التعبير عن مواجهة الارهاب “بحالة الحرب الخاصة” لا يعدو حدود التعبير المجازي وأنّ التحديات الأمنية لا تمنع في الظروف العادية من تسخير كافة امكانيات الدولة لدحر تلك الآفة ولا تحدّ من قدرة الأجهزة الأمنية أو تحول دون طلب المساعدة من القوات العسكرية وهو ما تمّ التمسك به عند رفع حالة الطوارئ.

ثانيا – يلاحظ أنّ التداعيات المترتبة عن العملية الارهابية الأخيرة – رغم فداحتها – لا تكوّن حالة الظروف الاستثنائية التي يستوجبها إعلان حالة الطوارئ وذلك بالنظر إلى أنّ تلك الحالة تقتضي وجود خطر داهم مهدد لكيان الوطن او البلاد أو استقلالها بمعنى تعريض كيان الدولة للزوال أو وجود مخاطر حقيقية داخلية أو خارجية تحدق بأمن البلاد وسلامة حدودها وأراضيها أو مؤسساتها الدستورية أو طبيعة نظامها أو وحدة ترابها أو سيادتها الأمر الذي يستوجب اتخاذ كافة الإجراءات الاستثنائية لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي.

ثالثا – يشير في ضوء ما سبق إلى أنّ الشروط المستوجبة لإعلان الحالة الاستثنائية لم تتحقق طبق ما ورد بالفصل 80 من الدستور، من ذلك أساسا:

1- عدم وجود الظروف الاستثنائية الحقيقية كحالة الحرب أو الفتنة الاجتماعية المؤدية إلى اندلاع حرب أهلية أو غيرها من المخاطر الداهمة.
2- عدم ثبوت أنّ الوسائل العادية قد عجزت عن معالجة الحالة الاستثنائية وهي أساسا مجابهة الارهاب على اعتبار أنّ ذلك هو ما يبرّر اللجوء إلى الوسائل الاستثنائية.
3- عدم تناسب الاجراءات المزمع اتخاذها وهي تلك الواردة بالأمر المؤرخ في 26 جانفي 1978 مع الحالة الاستثنائية المرتبطة بالتصدّي إلى التهديدات الارهابية أو التوقّي منها وذلك اعتبارا لما يشترطه الدستور من ضرورة أن يتّخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية.

رابعا – يعتبر أنّ استناد الإعلان عن حالة الطوارئ إلى أحكام الأمر المؤرخ في 26 جانفي 1978 لا يتلاءم مع أحكام الدستور الجديد ومنظومة الحقوق والحريات التي تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية فضلا عن أنّ صدور الأمر المذكور قد ارتبط بالممارسات القمعية على إثر أحداث 26 جانفي 1978 وهو ما يتنافى مع الأهداف الرامية إلى مجابهة التهديدات الارهابية.
كما أنّ الأمر المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ قد استبعد الرقابة القضائية المباشرة على الإجراءات التي من شأنها المساس بصفة جسيمة بالحقوق الأساسية للأفراد والجماعات كالحقوق الخاصة بالتنقل وحرمة المسكن وحرية التعبير والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والإضراب.. الخ

خامسا – يعبر عن تخوفه من استغلال حالة الطوارئ المعلنة للمساس بحقوق الغير فيما يتجاوز المتطلبات الضرورية لمجابهة الارهاب خصوصا في غياب محكمة دستورية يعهد لها البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه طبق ما يقتضيه الدستور الجديد.

سادسا – يدعو الى توسيع رقابة القضاء على السلطات الإدارية التي تتولى تطبيق الاجراءات الاستثنائية وذلك بالنظر الى التداعيات الجسيمة المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ وإلى دور الهيئات القضائية في حماية الحقوق والحريات من أي انتهاك.

سابعا – يدعو إلى مراجعة التشريع المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ في ضوء الأحكام الجديدة للدستور وبالخصوص إخضاع السلطات المكلفة بتطبيق الإجراءات الاستثنائية إلى كلّ أنواع الرقابة السياسية والإدارية والقضائية.

ثامنا – يؤكد على ضرورة رفع حالة الطوارئ المعلنة في الظروف الحالية وعدم التمديد فيها وإنهاء التدابير الاستثنائية في أقرب الآجال مراعاة لمبدأ المشروعية وأحكام الدستور.

عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء

الرئيس أحمد الرحموني