Conseil-Superieur-Magistrats

بقلم احمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء،

لا أدري إن كان رئيس لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب السيد عبادة الكافي يعي تمام الوعي بما يصرح به تعليقا على ردود الأفعال الصادرة عن عدد من المعنيين بالقانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. فهو يبدو على أهبة الإستعداد للإشتباك مع كل من ينتقد آداء اللجنة التي يرأسها مع إبراز الإستهانة باحتجاجات القضاة وبعض مكونات المنظومة القضائية التي أقرت أشكالا من التحركات في ضوء توجهات لجنة التشريع العام، بل صرح أكثر من مرة أن هذه اللجنة قد استمعت -عند شروعها في مناقشة القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء – إلى “كل من هب و دب” ويظهر أن عموم المتابعين للشأن العام لم تصلهم محاولات الأعضاء باللجنة المذكورة للحد من فاعلية الدور الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وتمثيليته للسلطة القضائية وذلك سواء على مستوى تحديد مهامه الرئيسية أو تركيبته أو اختصاصاته المختلفة.

ورغم أن المشروع المعروض على اللجنة و المقترح من الحكومة قد خضع قبل إحالته على مجلس الشعب إلى رقابة وزير العدل و المجلس الوزاري فقد ارتأى أعضاء لجنة التشريع العام أن يمارسوا رقابة إضافية و مشددة على جملة الضمانات الواردة بالباب المتعلق بالسلطة القضائية من الدستور و خصوصا ما يتصل بالمجلس الأعلى للقضاء.

وقد اتضح من تصريحات بعض الأعضاء إتجاه اللجنة إلى التخفيف من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء مع الترفيع من عدد الأعضاء المعينين بصفتهم و الحد من القاعدة الإنتخابية ممثلة في القضاة بمختلف رتبهم واستبعاد جميع المهن القضائية و القانونية باستثناء المحامين في جميع المجالس القضائية والخبراء المحاسبين في مجلس القضاء المالي والأساتذة الجامعيين.

وفضلا عن ذلك يبدو أن اتفاقا قد حصل لإزاحة المجلس الأعلى للقضاء عن تكوين القضاة و الإشراف على تفقدهم بحجة أن ذلك من شأنه إفراغ وزارة العدل من صلاحياتها الأساسية. ومن الطبيعي أن تثير تلك التوجهات المناقضة لاستقلالية المجلس مخاوف القضاة على مسارهم المهني وكذلك مساعدي القضاء على تمثيل مصالحهم وبالأساس سائر المتقاضين على إنفاذ حقهم في عدالة مستقلة و منصفة خصوصا في غياب محكمة دستورية تتولى مراقبة دستورية القوانين.

ويتضح زيادة على ذلك أن الدواعي المرتبطة بتلك المخاوف تجد تبريرها -إضافة إلى عجرفة رئيس لجنة التشريع العام- في خطاب بعض أعضائها و مواقفهم العدائية من استقلال القضاء سواء قبل الثورة أو بعدها وخصوصا عند مناقشة باب السلطة القضائية من الدستور أو في ظل توليهم مناصب عامة في الحكومات السابقة. ومن شأن هذا أن يفتح المجال للحديث عن “المشروعية الاخلاقية” لهؤلاء للمساهمة في صياغة القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي يمكن اعتباره من أهم الآليات المحددة لمصير القضاء في البلاد.