المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

essebsi-hollande

بقلم شكري بن عيسى،

لم تجد “الجوقة” الاعلامية التي تم انتقاؤها بعناية كبيرة لمرافقة السبسي في زيارته لباريس ما تكتب عن الانجازات الغائبة، وأُصيبت بخية امل كبيرة من هول الصدمة، ومنهم من راح يبحث في الفتات والنفخ فيه وتحويله مكاسب خيالية، والبقية اظطرت للهوامش والشكليات ووظفت المعجم التمجيدي عبثا لابراز نجاحات وهمية لم تلمحها سوى اعينهم.

على شاكلة الزيارات النوفمبرية لبن علي تم تحديد قائمة اسمية لاعلاميين ينتمون لوسائل اعلام معظمها موالية للحزب الحاكم، لها الفضل الكبير في نجاحه في الانتخابات التشريعية والرئاسية، اختيرت على اساس انتشارها، ولكن اساسا لوفاءها، باعتبار ان بعض الوسائل الاعلامية خرجت رسميا من “جبهة الدعم” على غرار “قناة العايلة” التي “انتفض” مديرها بعد “طرده” من موقع القرار في “النداء”، وقناة “التونسية” بعد انقطاع العلاقة مع “مالك الذبذبات”.

القائمة المنتقاة، ضمت كما هو معلوم لدى اهل القطاع اذاعة “موزاييك”، ممثلة في رئيس تحريرها ناجي الزعيري، وجرائد “الشروق” و”المغرب” و”لابراس”، ممثلين على التوالي في رؤساء التحرير عبد الحميد الرياحي وزياد كريشان وابراهيم وسلاتي، والموقعين الاعلاميين الالكترونيين “الصباح نيوز” و “Leaders” ، ممثلين على التوالي في مديريهما حافظ الغريبي وتوفيق حبيب، وهي قائمة اثارت امتعاض كل الصحفيين الذين تم اقصاؤهم واستثناؤهم على اساس حياديتهم والتزامهم المعايير الاعلامية.

التضليل انطلق منذ اليوم الاول، عن طريقة الاذاعة الخاصة الحاضرة بقوة بمراسلة مباشرة في برنامج “ميدي شو” لاعلان “المنحز” العظيم المتمثل في تحويل 60 مليون يورو ديون لاستثمارات، دون ادنى اشارة الى ان الامر تم منذ سنة 2013 خلال زيارة هولاند لتونس، وطبعا كان لابد لـ”رئيس التحرير” ان يرد الجميل، وان يقود “الهجمة” الاولى، ويحقق “الهدف” الاول، حتى لو كان من جانب الشبكة، هذا الخبر تم اجتراره ليوم كامل، والتغطية على الاستقبال وضيع المستوى في المطار، الذي قام به مسؤول من درجة رابعة.

امام عدم وجود اية نجاحات في العمق، وطغيان الصور التي صارت مدار استهزاء في وسائل الاعلام الفرنسية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مثل ضياع اوراق السبسي في خطبه، وخروجه عن مسار السير في احدى الصور الذي ظهر فيها هولاند يطلب منه العودة في “اتجاه الباب”، اظطرت وسائل الاعلام المدعوة الى التركيز على البروتوكولات والتشريفات والشكليات، ولئن انطلق كريشان على جريدة “المغرب” والغريبي على “الصباح نيوز” منذ يوم الخميس بتخريجات خاصة، فان جريدة “الشروق” انتظرت يوم الجمعة لـ”تفجر” كل طاقاتها، وقبل ذلك انطلقت “الوطنية الاولى” بخطاب غارق في البنفسجية.

“الوطنية الاولى” قريحة مراسلها كانت واسعة في النشرة الرئيسية ليوم الاربعاء، باعلان ان “فرنسا تعدّل اوتارها على زيارة السبسي”، بعد ان امتنعت على تغطية زيارة المرزوقي في زيارته لفرنسا عندما كان رئيس تونس، بتعلة “عدم توفر الوسائل”، التي يبدو انها اصبحت وافرة تقنيا وشاعرية “تعبيريا” مع السبسي، اما كريشان فقد انصب تركيزه في مقاله في جزء على “الترحاب الاستثنائي” وفي جزء آخر على “سلاح الروح الفكهة” للسبسي قبل ان يصل في الخلاصة الى “عودة تونس الى المشهد الدولي”، عبر “البروتوكولات” و”مآدب العشاء” و”الاستقبلات”، وطبعا فما دام الانجاز مفقودا، وجب البحث عما يمكن تضخيمه للتستر عن الخيبة العميقة.

اما الغريبي، فلم يحد عن “زميله” الاول، اذ غرق في ابراز التشريفات والشكليات وتفخيم الكلام واكسائه كل الزينة قبل ان يخلص لبيت القصيد الذي يجب ان يمدح فيه السبسي، تحت عنوان “دهاء السبسي”، مركزا على “حسن مناوراته”، بابتداعه طريقة استجداء المساعدات جديدة، لم يسبقه لها احد، يكون فيها طلب الاعانة موجها لفرنسا دون ان يقع الافصاح عنه “صراحة”، بانه لن يطلب المساعدة، ومن يريد المساعدة فلن نرفض ما سيقدمه.

“الشروق” التي احتجبت عن زيارة السبسي في صفحاتها “الاولى” لمدة ثلاثة ايام عادت يوم الجمعة بعنوان صغير البنط لكنه فاقع المعنى، باعلان ان “شمس تونس.. تسطع في باريس”، وبافتتاحية غارقة في “التميّز” تحت عنوان “نجاح يجب تثمينه”، ركزت فيها عن “المظاهر النادرة التي يحلو للتاريخ ان يعيدها”، غرق كاتبها المسعودي في استحضار اطلال البورقيبية ووصل الى حدود الثورة الفرنسية، وطاف يمينا يسارا دون ان ينفذ الى مضمون الزيارة ونتائجها الغائبة، ليخلص الى “نجاح” الزيارة دون ابراز هذا النجاح، مؤكدا على “تثمينه” “دون غرور”..!!!

“شمس تونس.. تسطع في باريس”، هو بلا منازع كان العنوان الابرز الذي عاد بنا الى اعماق العهد النوفمبري، لمبعوث “الشروق”، استدعى فيه المعجم المستعمل في زيارات بن علي مع ملاءمة للحظة، في اعتبار الزيارة شكلت “منعرجا حاسما”، وانها “عدلت عقارب العلاقات” بين البلدين، دون الانحراف عن معاني “حميمية الزيارة”، و”فتح صفحة جديدة للمستقبل”، و”عدم الاستجداء”، و”زيادة رصيد الاعجاب”، الذين ركز عليهم سابقيه كريشان والغريبي، ولم اجد الحقيقة اي انجازات سوى في التعابير الانشائية، ولا اي اثر لسطوع “الـشمس” الواردة في العنوان.

ويبدو ان “شمس” السبسي “حرقت” هذه المرة “الجوقة” بارجاعها الى كنشها النوفمبري بالوانه البنفسجية الفاقعة، واظهرت ان الاعلام التونسي عبر حيتانه الكبيرة، لن ينصلح وخصائص التمجيد والاطراء والتزييف في عمق جيناته!!